ماذا تعرف عن “الإنفلونزا الإسبانية” التي قتلت عشرات الملايين قبل 100 عام ؟
بينما يكثر الحديث عن الأوبئة التي ضربت البشرية عبر التاريخ، وتتحتم المقارنات بين ما يشهده العالم الآن، وما عاشه قبل عقود، تبرز سريعاً جائحة “الإنفلونزا الإسبانية” التي تفشت على الأرض قبل نحو قرن.
إنفلونزا عام 1918 هي الأشهر على الإطلاق، والسبب ببساطة أنها كانت الأخطر والأكثر كلفة على مستوى الأرواح البشرية خلال القرن العشرين، حيث أصابت عبر التاريخ البشري، 500 مليون إنسان، وهو رقم يزيد عن ربع سكان الأرض وقتها، وأودت بحياة ما بين 50 إلى 100 مليون، وفقاً لموقع “سكاي نيوز”.
وفي عام 1921، حين انحسرت تلك الجائحة، تبين أنها قلصت عدد سكان الأرض بنسبة تتراوح ما بين 2.5% إلى 5%، أما إجمالي عدد الوفيات بسببها فيظل كارثياً، وفي محاولة الإجابة عن سؤال لماذت كانت الانفلونزا الإسبانية قاتلة تأتي الإجابة من خلال كتاب صدر قبل أشهر قليلة للكاتب توم ستانديج بعنوان “معرفة غير شائعة”.
وحسب ما أورد المؤلف، تعرض العالم إلى 15 جائحة خلال السنوات الـ500 الأخيرة، لم تقترب واحدة منها من درجة خطورة الإنفلونزا الإسبانية علما بأن الحصر المنظم لعدد ضحايا تلك الجوائح بدأ فقط منذ أواخر القرن التاسع عشر.
منذ ذلك التاريخ، وتحديداً منذ عام 1899، لم تقتل أي جائحة أخرى أكثر من مليوني إنسان، ولم تزد نسبة الوفيات إلى عدد المصابين عن 0.1%، لكن الأمر يختلف تماما بالنسبة لإنفلونزا عام 1918، حيث بلغت نسبة الوفيات بسببها ما بين 5 إلى 10%.
ويورد ستانيدج سببين رئيسيين لتلك المأساة: أولهما علمي بحت.. والثاني تاريخي تماما، حيث يتمثل الأول في أن الفيروس الذي ظهر عام 1918 كان أكثر قوة بشكل متأصل عن الفيروسات الأخرى، وقد تمت دراسة تسلسل الجينوم (المادة الوراثية) الخاص به عام 2005، عبر استخلاص عينات محفوظة من جثث دفنت في ثلوج آلاسكا.
وخلال تلك الدراسة ثبت لعالم فيروسات في جامعة كامبريدج يدعى لآرتيجان تى فيثيوس، أن الحمض النووي الريبوزي للإنفلونزا الإسبانية يختلف عن نظيره الخاص بالفيروسات العادية.
والحمض النووي الريبوزي، الذي يُسمى اختصاراً RNA، جزيء حيوي يتواجد تقريباً لدى كل الكائنات الحية والفيروسات، ويلعب أدواراً متعددة في نقل وتشفير وفك تشفير وتنظيم التعبير عن المعلومات الوراثية، وتحفيز العديد من التفاعلات الكيميائية.
والحمض النووي الريبوزي لفيروس إنفلونزا 1918 كان ينتج عدداً أكبر بكثير من الـRNA المصغرة، بالمقارنة مع الإنفلونزا الموسمية العادية، والمشكلة أن تلك الـRNA المصغرة ترتبط بمستقبلات بشرية تثير رد فعل مناعيا، وكلما زادت قوة رد الفعل، كلما زادت درجة الالتهاب.
وتبين أن إنفلونزا 1918، مثلها مثل فيروس H5N1 أو إنفلونزا الطيور الذي ظهر في العقد الأول للألفية الحالية، كانا يتسببان في إصابة الرئتين بالتهاب حاد لا يمكن إيقافه، فيما يبقى الجدل مستمرا بشأن السبب الفعلي لعدد الوفيات الهائل الذي بدأ عام 1918، وهل هو الفيروس نفسه، أم رد الفعل المناعي المترتب على مهاجمته للجسم.
أما السبب الثاني وراء خطورة الإنفلونزا الإسبانية، والذي يبعث إلى الطمأنينة إلى حد كبير بشأن إمكانية تطويق خطر فيروس كورونا الحالي، فيتمثل في الاختلاف الجذري في الوضع العالمي خلال التاريخين.
ووفقاً لما نقله ستانيدج عن بول إيوالد، وهو عالم بيولوجي بجامعة لويسفيل بولاية كنتاكي الأميركية، فلم يكن أمراً مستغرباً أن يتفشى الفيروس الأكثر فتكاً في التاريخ الإنساني عام 1918، بينما العالم يعاني مآسي الشهور الأخيرة من الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
في ذلك التاريخ كان العالم يعيش غمرة حرب مدمرة، كما لم تكن وسائل الاتصال تسمح بنقل المعلومات من أجل اتخاذ التدابير الوقائية، أما الآمر الأخر فتمثل في بقاء مئات الآلاف من الشباب، خصوصا على الجبهات الأوروبية، داخل خنادقهم لفترات طويلة مما أفاد تطور الفيروس وأثر على “دورة حياته”، ليحصد في النهاية هذا العدد الهائل من الوفيات.