رغم الإغلاقات شبه الشاملة .. طبيب نفسي يوضح لماذا لم يلتزم السوريون منازلهم ؟
رغم موجة الإغلاقات المتتابعة التي طبقتها الحكومة السورية، من إغلاق للمطاعم والمنتزهات وتسييج الحدائق العامة، مازال هناك فئة من المواطنيين خرجت عن تلك القرارات وارتأت أن الجلوس في المنزل خانق وغير مقبول.
من ذلك ما أجمع عليه البعض، خلال استطلاع لتلفزيون الخبر، تعددت خلاله الآراء، فمنهم من يرى أن “الخروج من المنزل ليس أكثر ضرراً من خنقته في ظل انقطاع الكهرباء المسائي مثلاً”.
ومنهم من اعتبر أن “الخروج بغرض التهوية لإن بعض المنازل لا تدخلها الشمس التي تزامنت إشعاعاتها مع إشعاعات خطر الفيروس وقرارات الحكومة”، أما الرأي الأكثر تداولاً فهو اعتبار أن “الحامي هو الله” دون مراعاة “التعقل والتوكل”.
فالسوريون الذي عاشوا الحرب بكافة تداعياتها ينقسمون اليوم بين من تعوّد على الأزمات وبين المبالغين بأخذ الحيطة والحذر وهم يرددون “ما ناقصنا”.
ليُقسَم الشعب بالتالي إلى قسمين تتلاعب بهم الحالة النفسية التي لها كبير الأثر بين هاتين الكفتين، فشعبٌ عانى ما عاناه يراقب اليوم محيطه من الدول وهي تتخبط في التعامل مع وباء يفتك بأقوى الشعوب من ناحية الأنظمة الصحية، ليتخبط هو الآخر فيما عليه ومايجب وما لايجب.
وفي حديثٍ لتلفزيون الخبر مع الطبيب النفسي، تيسير حسون، يفند الطبيب الحالات ويحكي عن تجربة السوريين مع الأزمات، قائلاً: “في كل بلدان العالم هناك نسب كبيرة من الأشخاص الذين يتصرفون بطرق مختلفة خارج المعايير المحددة”.
ويضيف “هناك أسباب كثيرة وراء ذلك، حيث ترتبط بأحد أشكالها بالأزمات المجتمعية التي يمر بها الناس أو مروا بها سابقاً، إضافة إلى الخبرات التي اكتسبوها خلال هذه الأزمات، مثال على ذلك تصرف السوريين”.
يردف الطبيب “فهناك جزء من السوريين يتصرفون بناءً على نتائج تصرفهم خلال الحرب، فمنهم من يعتقد أنهم مروا بظروف صعبة وتجاوزوها، بالتالي يطبقون سحباً ميكانيكياً لهذه الخبرة، لكنه هنا سحب خطير”.
“ففكرة أن كثير من السوريين عاشوا خلال الحرب في منطقة غير آمنة لا تعمم على خبرة التعامل مع الفايروس، الذي يعد وباء عالمي .. إذا مايجري هو محاولة سحب خبرة على خبرة ثانية لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى عواقب وخيمة”، يتابع حسون.
وأشار الطبيب إلى أنه “كذلك هناك فئة من الأشخاص تتصرف بقلة معرفة، ففي الوقت الذي انتشر به الفايروس، رافق هذا الانتشار جائحة معلومات تشابه في خطورتها خطورة الوباء”،
وأردف “نحن اليوم نواجه جائحتين، جائحة المعلومات وجائحة الفيروس وقلة المعرفة والتمييز عند البعض تؤدي بهم للتأثر بالمعلومات المغلوطة وعدم أخذ اعتبار لخطورة الأمر”.
حيث يؤكد حسون أن “مواقع التواصل الاجتماعي لعبت هذا الأثر السلبي لتشكل حالة من المغالطات فباتت تطغى المعلومة الصحيحة على الخاطئة، وانتشر الخلط بين الصواب والخطأ،
فهناك معلومات جزء منها صحيح ومنها لاعلاقة له بالعلم وممكن أن يكون غير مقصود لدعم الصفحات فقط لكنه في النهاية ضار”.
من جهة أخرى، تحدث حسون عن “شق آخر من الناحية النفسية يؤثر في توزع الحالات، وهو آليات الدفاع التي يستخدمها الاشخاص خلال الأزمات، فهناك أشخاص آليات دفاعهم تحمل شيئاً من المبالغة وفهم الأشياء والتصرف وفقها بشكل وسواسي”.
وأضاف “ممكن أن نصادف أشخاص مبالغين وخائفين، وبالتالي ينشرون الخوف بين الآخرين، مايؤثر على رد فعل البعض، وهناك أيضاً أشخاص لديهم ردود فعل إنكارية هؤلاء يبالغون في التعامل البسيط واللا مبالاة، ممكن يذهبوا إلى التجمعات ويختلطوا دون أي اعتبار لأخذ الحيطة”.
وفي حالة أخرى، يوضح الطبيب أحد الاتجاهات التي يتخذها البعض على شكل ردة فعل، هو فعل “النكاية”، بحسب تعبيره، وعدم اعتبار للقوانين وذلك لإثبات النفس أمام السلطات، بالإضافة إلى الجانب الذي لايمكن إغفاله والمرتبط بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين التي من غير الممكن إنكارها.
من جهة أخرى، تعتبر فئة كثيرة أن اعتقادها فقط بترديد الدعوات الدينية والتعويذات مع خروجها واختلاطها وعدم أخذها للإجراءات الوقائية بعين الاعتبار خير كافٍ لها لمواجهة الوباء.
عن هذه الفئة يقول الطبيب النفسي: “في كافة الأزمات توجد هذه الفئة التي لاتأخذ بالأسباب وتتوكل فقط”، متابعاً “التدين لايعني عدم الالتزام بتعليمات النظافة”.
ويضيف “التدين في هذه الأحوال لا ينفع هو فقط بل يحتاج معه إلى العلم، فهناك قواعد علمية متفق عليها عن انتقال الفايروس وهذا لا علاقة له بالماورائيات”، “يوجد بلدان كانوا رافضين لبعض القرارات المرتبطة بالتدين وأصروا على إقامة صلوات الجماعة، بينما انتشر المرض بينهم”.
ويوضح الطبيب أنه “ضمن مجموعة الأشخاص كلما كان العدد الأكبر منهم يتصرف بشكل علمي أعلى كلما كان الانتشار أقل بينهم”.
ولفت حسون إلى أنه “من المفروض الاستفادة من تجارب الدول الأخرى بحالتيها كالصين التي التزم سكانها المنزل وإيطاليا التي أظهر شعبها لا مبالاة في البداية في التعاطي مع الأمر، كما لم تتخذ حكومتها إجراءات إلزامية لذلك”.
“ويجب بالتالي تفحّص الحالتين والاستفادة من هذه الخبرات وتجنب العثرات، وأن يشعر المواطنون أنهم ليسوا بمنأى عن الخطر، وعدم وجود إصابات لايعني أنه علينا أن لا نتصرف بشكل علمي”، يختم الطبيب.
وكانت وزارة الصحة السورية أعلنت، مساء الأحد الماضي، عن تسجيل أول إصابة بفيروس “كورونا” المستجد في الجمهورية العربية السورية، لفتاة عشرينية جاءت من خارج البلاد.
يذكر أن الفريق الحكومي المعني بمتابعة إجراءات التصدي لفيروس كورونا أقرّ، الثلاثاء 24 آذار، منع التجوال الليلي في الجمهورية العربية السورية من الساعة السادسة مساء وحتى الساعة السادسة صباحاً اعتباراً من يوم الأربعاء 25 آذار.
روان السيد – تلفزيون الخبر