“الحلول الحكومية” تعيد “بابور الكاز” من التراث إلى الاستعمال لدى السوريين
من كان يعتقد أن أشياء دخلت تحت لائحة “التراث” وأصبحت تباع في الأسواق السورية كنوع من أنواع الزينة، ستعود لتصبح قيد الاستعمال مرة أخرى بعد “حلول حكومية” أعادت البلاد خطوات إلى الوراء ؟.
لجأت عدة عائلات سورية في السنوات الأخيرة لبابور الكاز القديم، لكن يبدو أن الأزمة الحالية جعلت هذا البابور الذي كاد ينقرض يعود ليغزو الأسواق السورية، وتتصدر عروض بيعه الصفحات الخاصة بالبيع والشراء في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولايخفى على أحد أن أزمة الغاز والآلية الجديدة لتوزيعه، أدخلت السوريين في مصاف الانتظار الذي لا يعرف أحد إلى متى سيستمر، فبدأ رحلة البحث واجتراح الحلول ممني النفس بأن تكون “مؤقتة”.
في سوق المناخلية، وهو سوق دمشقي قديم، تختص محلاته ببيع مواد البناء والإكساء والخرداوات، يشير أحد البائعين لسيدة بأن سعر البابور الجديد يبلغ ما بين 16 و 18 ألف ليرة سورية وذلك تبعاً لحجمه، وتقول السيدة لتلفزيون الخبر ” استعمله منذ عدة سنوات لكنني حالياً أعتمد عليه اعتماداً كلياً، وهو طبعاً لا يعمل بالكاز لكن بالمازوت المخلوط بقليل من البنزين”.
وتتابع السيدة ” في حال خلطه بالبنزين لا يشحور الأواني، ويسهل تنظيفه أيضاً، والمازوت والبنزين متوافران حالياً أكثر من الغاز، طبعاً نشتري المازوت بسعر غير مدعوم يقارب ال400 ليرة لليتر الواحد”.
ويبين البائع أن “استعمال هذا البابور آمن تماماً، ويكفي ليتر المازوت لعمله مدة تصل حتى الـ 6 ساعات، ما يعني أنه أوفر من وسائل أخرى، من بينها الحطب الذي ارتفعت أسعاره كثيرا هو أيضاً”.
وعلى طول السوق تنتشر المحلات التي تبرز مثل هذه البوابير أمام مداخلها وعلى رفوفها إلى جانب جميع القطع الخاصة به.
عبر إحدى الصفحات المختصة بالبيع والشراء في “فيسبوك” يعرض ابراهيم أشكالاً مختلفة “حديثة” للبابور مدعيّاً أنه يعمل بـ”زيت النفط” وأن عبوة من الزيت “المتوافر” حسب ابراهيم، يبلغ ثمنها ال700 ليرة سورية تكفي لعمله مدة شهر كامل.
وحتى مع ثمنه المرتفع نسبياً، وهو 18 ألف ليرة سورية، تتهافت الأسئلة من متابعي الصفحة عن مكان وجوده وطريقة استعماله و مساوئه وحسناته، بما يشبه الاستسلام لأمر واقع بفقدان الغاز حتى أجل غير معلوم.
يعمل والد “حذيفة ” منذ سنوات طويلة في بيع البوابير النحاسية الصغيرة، التي تستعمل كزينة أو لأداء خدمات بسيطة مثل تسخين ركوة من القهوة أو ابريق صغير للشاي مثلا، ويقول ابن الخامسة عشر والذي يساعد والده في عمله بأن هذا النوع يعمل بمادة الكحول “السبيرتو” كما يسميها.
ويضيف حذيفة ” الحجم الصغير يبلغ سعره 3000ليرة حالياً، ويحتاج إلى فتيلة رخيصة، ويجب مراعاة ألا يكون الكحول المستخدم مخلوطا بالمياه، الأمر الذي قد يوقف عمله”.
قبل سنوات طويلة كان البابور جزءاً من جهاز العروس في العديد من البلاد المشرقية، وتحتفظ بعضهن أو عائلاتهن بهذه البوابير التي كانت أثاثاً رئيسياً في المنازل، وتحول إلى ما يشبه التحف.
ورافق انتشار البوابير شيوع مهنة “مصلح بابور الكاز”، يجوب الحارات صارخاً بأعلى صوته، ومعلناً أنه يستطيع اصلاح أي بابور في أي مكان حتى لو على أبواب المنازل، وكان سبب خراب هذه البوابير هو انكسار النكاشة داخل ثقب البابور ما يستدعي تغيير الرأس الحارق وجلدة المدك.
ومع عودة استعمال هذه البوابير، يطرح سؤال حول عودة هذه المهنة التي انقرضت، وحلولها كفرصة عمل “جديدة” في ظل قلة فرص العمل لدى السوريين، أو ربما كعمل إضافي للبعض؟ لا يستطيع أحد التكهن.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر