المقلي والسانون والقفير .. حرف يدوية تحكي قصة لاذقانية
لم تتحوّل المهن اليدوية في اللاذقية إلى تجارة بقدر ما كانت ولا تزال مصدر لرزق العديد من الأسر التي توارثتها وما زال بعضها يحكي تاريخ مدينة اللاذقية ببحرها وجبلها وريفها.
استطاع أهلها أن يستعيروا من الطبيعة صبغاتها العضوية ليصنعوا منها أدوات تعكس حجم الإبداع الفطري وموهبة “اللاذقانيين” في استثمار موارد البيئة والانتفاع منها لتلبية مستلزمات حياتهم اليومية.
تتميز قرى اللاذقية بحرف يدوية عدة ترتبط بتراث وتاريخ الريف الساحلي الذي يعد إرثاً ثمين لا يزال يورّثه الأجداد للأبناء والأحفاد، ورغم تطور الصناعات إلا انه ما يزال لصناعة القصب رونقها الخاص ولا زال هناك العديد من “اللاذقانيين” يمتهنون هذه الصناعة التي تلاقي رواجاً عند الكثيرين الذين يقصدون اللاذقية “خص نص” لاقتنائها.
في القرى المجاورة للأنهار حيث ينمو القصب, لا يزال هناك أشخاص يمتهنون صناعة القصب سواء بحكم الوراثة أو العادة أو الفقر فإنهم يمتلكون أصابع تروضت باكرا على التفنن بأعواد القصب وتطويعها كيفما أرادوا لينسجوا منها السلال بأنواعها وقناديل الدبق لحفظ الأعواد المستخدمة في صيد الطيور.
كما يستخدم القصب أيضاً لصناعة “السانون” وهي حافظات الأواني الزجاجية الكبيرة وقواعد مقالي الفخار والمكبة لحفظ الطعام, وجميع هذه الصناعات التي كانت تنتج في القرية تباع في المدينة والريف على حد سواء.
ومن أعواد القصب والقش إلى أعواد الريحان التي تصنع منها “القفير” المخصصة لوضع الزيتون والحنطة والسلة أو الكيلة لقطف الزيتون والتين والعنب والمخبزة لحفظ خبز التنور أو الصاج .
إلى جانب القصب والريحان تتربع صناعة الفخار التي تشتهر فيها اللاذقية وتعتبر من الحرف القديمة التي امتهنها أبناء الساحل السوري منذ أقدم العصور, فاللقى الأثرية المكتشفة في منطقة رأس شمرة تدل على عملهم في هذه الصنعة منذ الألف السادس قبل الميلاد.
ويحتل “المقلي” قائمة الصناعات الفخارية, وهو أداة تراثية قديمة قدم التاريخ يزيد عمرها على ثمانية قرون وتعد من أقدم الأدوات المستخدمة في المطبخ السوري حيث تعجنها الأيدي المتشربة من الخير تراب الأرض وبساطة الحياة ومتعة التراث لتضفي على الطعام نكهة الأصالة وطعم الطبيعة التي لا تقاوم.
في قائمة الفخاريات, في المرتبة الثانية بعد “المقلي”, تأتي صناعة “القدور” الكبيرة الشبيهة بـالطناجر، والصحون والمباخر الفخارية.
وفي السياق, قال الباحث في الموروث الشعبي نبيل عجمية لتلفزيون الخبر: “تعد صناعة الفخار والسِّلال واحدة من أعرق الصناعات اليدوية حيث صنعها الإنسان منذ أقدم العصور لاستخدامها أوعية مكملة لحياته ترافقه في حله وترحاله طوال أيام عمره لا يستطيع الاستغناء عنها”.
وتابع عجمية: “مازالت صناعة الفخار في ريف الساحل السوري تحتفظ بتواجدها، حيث يصنعون الأواني الفخارية التي يستخدمها البعض للزينة من جهة والمحافظة على تراث الأجداد من جهة أخرى, بينما يستخدمها آخرون للعودة بنكهة الطعام المصنوع فيها إلى البساطة والطبيعية التي تضفيها عليه خلال مراحل صنعها”.
كما أشار عجمية إلى أن “الحرفيين طوروا صناعة الفخار حيث أدخلوا عليها رسوماً وزركشات تدخل فيها مواد حديثة من ألوان زيتية وإكسسوارات منوعة, كما برعوا في إدخال روح مدينة اللاذقية إلى المنتجات الفخارية من خلال استخدام الصدف البحري لتزيين الأواني”.
وأكد عجمية أن “حرفة تطعيم الخشب بالصدف البحري تعد من أقدم الصناعات اليدوية التراثية في اللاذقية باعتبارها تعتمد على مواد طبيعية مرتبطة بالبيئة البحرية كما تتطلب حسا فنيا يرتكز على ما طبع في ضمائر ووجدان أبناء هذه البيئة الذين يحملون موروثا ثقافيا عريقا أبدعوا بتجسيده حرفيا وفنيا”.
وأردف عجمية: ” كما برع الأجداد بنسج السِّلال من الأعشاب وأوراق النباتات وسيقانها وأعواد الريحان ومواد نباتية أخرى وتصنيع الفخاريات اللازمة لحياتهم اليوميه من مواد معينه من التربة”.
وأردف عجمية: “كما استخدمت في صناعة أشياء أخرى مثل: الدمى والأثاث والقبعات والأقنعة والسروج, أما في وقتنا الحاضر فنجد أن صانعيها قد استخدموا المواد والأساليب نفسها وربما أضيفت إليها الأصباغ فقط”.
أما طبق القش فقد كانت فتيات القرية , بحسب عجمية, “يجتمعن ويذهبن جميعا إلى البيادر لجمع عيدان قصل سنابل القمح بعد موسم الحصاد ثم يحملنها إلى بيوتهن من أجل استخدامها في صناعة أطباق القش التي تحتاج إلى الصبر والجهد حيث يصنعن منها أطباق القش والسلل اللافتة بألوانها ورسوماتها المختلفة والتي تشبه اللوحات الفنية”.
كما أشار عجمية إلى “صناعة الصابون المنزلي التراثية التي مازالت كثير من بيوت الأسر في القرى الريفية تشهد على عملية تحضيرها وصناعتها من مادة زيت الزيتون المترسبة في قعر الأواني من بقايا المؤونة”.
بدافع الترزق أو الهواية أو المحافظة على ارث الأجداد, تتعدد الأسباب ويبقى لسوق الصناعات اليدوية المتوارثة زبائنه الذين يقصدونه من اللاذقية ومن المحافظات الأخرى ليضيفوا إلى منازلهم تحفة فنية لاذقانية تحكي جزءا من تاريخ سوريا.
صفاء إسماعيل – تلفزيون الخبر – اللاذقية