مكاتب المراسلة الجامعية ..بين “سرطان يفتك بالتعليم” و”الضرورة في ظل الظروف”

تنتشر مكاتب المراسلة في محيط الجامعات السورية، ويعتمد عليها الطلاب اعتمادا كليا، ويتعاظم دورها تدريجيا، حتى بدت وكأنها جامعات موازية ومستقلة لها كوادرها الخاصة بها، وتتباين الآراء حولها بين مدافع عن وجودها وإنتاجها، ومشكك في محتواها ودورها في العملية التعليمية.

ويعد الدكتور أحمد العيسى، رئيس قسم اللغة الإنكليزية في جامعة تشرين، أبرز منتقدي هذه الظاهرة، ولطالما انتقد دورها “السلبي” برأيه، أثناء محاضراته الجامعية أو من خلال منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويذكر الدكتور أحمد، في حديث لتلفزيون الخبر، أن “مكاتب المراسلة تحولت إلى سرطان يفتك بالتعليم الجامعي، وهي خطر يهدد الجامعات السورية الحكومية والخاصة، كونها بدأت تحل محلها”.

وأوضح العيسى أن “مكاتب المراسلة توهم الطلاب أن محاضراتها هي نتاج أساتذة الجامعة، بينما في الواقع هي تفريغ لمحاضرات الأساتذة المسجلة من قبل مراسليها، حتى أن بعضهم يحذف نقاطا هامة في المحاضرات بغية استغلالها لنفسه، كما إن بعضهم يكتبها دون أن يحضر المحاضرات”.

وتحدث الدكتور عن حالات وقعت فيها المكتبات بأخطاء طباعية قاتلة، تشوه سمعة الأساتذة الجامعيين، مبينا “أن 143 طالب سنة رابعة في طرطوس رسبوا في مادة يدرسها، بسبب خطأ نقلوه من نوط المراسلة في جملة من ملحمة “الإلياذة”.

وأشار العيسى إلى وجه آخر لمشكلة مكاتب المراسلة، تتمثل ببيع حلقات البحث ومشاريع التخرج جاهزة، وأضاف “عندما يقبل المعيد حلقات بحث متطابقة من طلاب مختلفين، هذا يعني أن له مصلحة كبيرة في قبولها، وربما هو الذي كتب هذه الحلقات وسلمها للمكتبة باتفاق معها على تقاسم الأرباح”.

وأوضح العيسى أن الطالب الجامعي ملزم وفقا للائحة الداخلية لكلية الآداب بتحقيق نسبة دوام لا تقل عن 75%، ولكن بسبب الظروف الراهنة من غلاء الأجور وصعوبة المواصلات تغض الكلية النظر عن تطبيق الطلاب لهذا الشرط، مما يشجعهم على العزوف عن الحضور والاكتفاء بنوط مكاتب المراسلة”.

وأشار العيسى إلى أن “عمل مكاتب المراسلة غير قانوني، ويجب إغلاقها كما حصل في الثمانينيات، ولكن للأسف يبدو أنها مدعومة وهنالك جهات مستفيدة من عملها”، كما ينوي بصفته رئيسا لقسم اللغة الإنكليزية، “جمع نوط المراسلة واعتمادها كوثائق وأدلة تدين مكاتب المراسلة، لتقديمها للمكتب القانوني للجامعة بهدف رفع دعوى على مكاتب المراسلة”.

مبينا أن الهدف الرئيسي من هذه الخطوة ليس تعويض الأساتذة عن خسائرهم المادية، بل حماية الطلاب والعملية التعليمية في الجامعات السورية.

ومن جانبهم يرى أصحاب المكاتب أن الطلاب يلجؤون إلى المحاضرات والملخصات بسبب عدم وجود كتب جامعية لأغلب المقررات، وجمودها إن وجدت.

وتحدث المهندس اسماعيل خيربك صاحب مكتبة اليراع المختصة بهندسة “الهمك” لتلفزيون الخبر، أن “المكتبة تسعى لخدمة الطلاب الذين تمنعهم الظروف عن الحضور، من خلال الاعتماد على طلاب متفوقين في الكلية، يقومون بتسجيل المحاضرات لصالحهم، ويتم تدقيقها وصياغتها من قبل معيد في الكلية”.

وأردف “أن الخطأ وارد وعند وقوعه يتم الإشارة إليه في محاضرات لاحقة، ونفى تقديم المكتبة لحلقات البحث ومشاريع التخرج، لافتا أنه من الأفضل أن يقوم كل أستاذ جامعي بتجهيز نوطة جامعية وتسليمها للمكتبة، كما يفعل بعض الأساتذة المتعاونين معنا”.

وبحسب موظفة في مكتبة الشرق المختصة بالحقوق “أغلبية الطلاب تعتمد على ملخصات للمواد أكثر من الكتب والمحاضرات، ومرد ذلك برأيها يعود لصعوبة الكتب وجمود محتواها، مضيفة أنه لم تردنا أي شكوى سواء من الطلاب أو الأساتذة الجامعيين، وأنه عند اكتشاف غياب المراسل عن أحد المحاضرات أو ارتكابه أخطاء قاتلة، يتم الاستغناء عن خدماته”.

وتباينت آراء الطلاب بين مؤيد لفكرة المكاتب ومعارض لها، فتقول ريما (طالبة سنة رابعة أدب انكليزي) “أنا ضد مكاتب المراسلة كمبدأ من حيث السرقة الفكرية وعدم الدقة واحتفاظ الناقل ببعض المعلومات في المحاضرات لنفسه، لكنها حل بديل عندما لا يتوافر شرح للمقرر من دكتور المادة”.

وتضيف “التزامي بعمل خاص يمنعني من الدوام في الجامعة، مما يفرض عليَ الاعتماد على مكاتب المراسلة وملخصاتها المختصرة جدا، في ظل غياب مصدر موثوق من المؤسسة التعليمية، وهذا ما يرتب عليَ أعباء مالية في كل فصل جامعي”.

وتحدثت هزار (طالبة سنة ثالثة تربية) “عن مشاكل تمنع الطلاب من حضور المحاضرات، أهمها أن معظمهم يسكنون في قرى ومدن بعيدة، ويعانون من صعوبة في المواصلات، ومن يحضر لا يجد مكانا في الصفوف الأمامية بسهولة ليصغي بوضوح للأستاذ الجامعي كي يتابع معه”.

وتابعت: “عندما أحضر أجد مشكلة في التوفيق بين الاستماع للأستاذ وكتابة ما يقوله، فأحاول أن أفهم كلام الدكتور، وأقوم بدراستها نظريا من خلال النوط التي قد تحتوي أخطاء املائية يمكن اكتشافها وتلافيها”.

وبينت حلا الشماع (خريجة إعلام) أن “من مشاكل نوط المراسلة أن الأساتذة الجامعيين يتعمدون وضع أسئلة امتحانية من خارجها، بقصد معرفة من يلتزم بحضور مقرراته، مما يؤثر سلبا على معدلات الطلاب”.

وتعتقد رهف قاسم (ماجستير إعلام) أن “الحصول على معدل عالي مرتبط، بالاستماع للمحاضرات وكتابتها وراء الأستاذ الجامعي ولو كانت في كليات نظرية، وأن قمة الاستهتار هو الاعتماد الكلي على نتاج وتلخيص الغير، وبرغم أن بعض الطلاب تمنعهم الظروف الالتزام بالحضور، إلا أن بعضهم لا يحضر استهتارا بالمقررات”.

يذكر أن معظم الجامعات السورية تغيب عن التصنيفات الأكاديمية العالمية، وتحتل مواقع متأخرة عن دول الجوار والعالم، بحسب دراسة أعدّها مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” بنيسان الماضي، مبينا أن “إهمال البحث العلمي، يأتي في مقدمة الأسباب التي أدت لتراجع أو غياب معظم مؤسسات التعليم العالي السورية من التصنيفات الأكاديمية”.

جاد ونوس – تلفزيون الخبر