هل تعلم أن التدمريين كانوا يحضرون الحفلات ببطاقات خاصة؟
في إحدى زوايا الجناح التدمري في المتحف الوطني، يثير الانتباه قطع صغيرة مزخرفة وملونة ومحفور عليها نقوش مختلفة، وتشير بطاقة التعريف عنها إلى أنها نوع من البطاقات الخاصة أو التأشيرات، التي كان يستخدمها أهل الحضارة التدمرية لدخول الأماكن الترفيهية وحضور الحفلات والمناسبات الخاصة.
ويقول الباحث السوري “بشار خليف” لأحد المواقع التاريخية “إن دخول الإنسان العادي إلى أي منشأة ذات طابع ترفيهي، مثل المسارح أو حلبات المصارعة، أو حتى حضور جنازات الشخصيات العامة، كان يتم استخدام نظام “التأشيرة”، التي تشبه في أيامنا هذه “بطاقات الدخول” إلى منشآت مشابهة بأشكالها المختلفة”.
وكلمة التأشيرة (Tessera) باللاتينية تعني التذكرة المصنوعة من الفخار المشوي أو البرونز، ولا يعرف من الذي اقتبسها من الآخر التدمريون أم الرومان، لأنها كانت أيضاً مستخدمة من قبل الرومان في “روما” خصوصاً، ولكن التدمريين كانوا يستخدمونها كتذاكر لحضور “المرزح”، بما يتضمنه من مسرحيات طقوسية وغير طقوسية، وجنازات وأفراح وأي نوع من الحفلات الخاصة.
صنعت التأشيرة أو بطاقة الدخول من مواد مختلفة، في الورشات الخاصة بتصنيع النقود المعدنية، أو في أفران الشوي الفخارية الكثيرة، وكانت تستخدم لمختلف الأغراض كما هو الحال في زماننا، فالدخول إلى أية “مؤسسة” بالتعبير المعاصر يستلزم هذا النوع من البطاقات.
حتى الدخول إلى بيوت الدعارة ونقل البضائع عبر الأنهار في القوارب، وبعضها كان يستخدم كعطاء من قبل الملوك والوزراء للفقراء لمقايضته بالطعام، وفقاً لما ذكره كتاب “Romain Tessera”.
وتعود ظاهرة استخدام هذه “التأشيرات” إلى فترات غير معروفة تماماً، ولكن تاريخها في “تدمر” كما تدل اللقى الأثرية يعود إلى العهد الروماني، منذ وصلها “الإسكندر الكبير” حوالي 30 عاماً قبل الميلاد، وأعطاها استقلالها، حيث بدأ سطوع نجم “تدمر”، كما تذكر دائرة المعارف البريطانية.
ويقول الباحث “خليف”: بعض هذه التأشيرات تصور الإله “بل” يحمل بيده غصناً أو غصنين من أوراق الشجر، وتعطيه صورة المسيح الذي يمسح بالزيت، كما تصور تأشيرة أخرى، أرسلها كهنة “بل” شجرة جذعها كثير العقد، وورقها مملوء بالحبات، وهي ليست سوى حبات زيتون، ولا بد أن هذه التأشيرة كانت ترسل لاحتفالات لها علاقة بالزيتون.
كما عثر أيضاً على هذه التأشيرات في مختلف المناطق الحضارية السورية، ومن نماذجها التدمرية تأشيرة خاصة لحضور حفل جنازة شخص تدمري يبدو أنه كان من الشخصيات المهمة.
ويوضح الباحث “خليف ” أن القبعة التي يرتديها الرجل تشير إلى أنه من أعضاء مجلس الشيوخ التدمري، وليس كاهناً كما يقول بعض علماء الآثار الغربيين، لأن الكاهن في “تدمر” كان يرتدي قبعة لباد مخروطية بيضاء.
على التأشيرة مكتوب عبارة: “لمعن عبداس”، من الواضح أن اسم الرجل “معن”، وكنيته “عبداس” التي تنتهي بحرف “السامخ” إشارة إلى التصريف اليوناني أو الروماني للاسم.
تعددت مواضيع وأشكال البطاقات، كما كان هناك طقس خاص في “تدمر” يسمى “الوليمة” لا يدخله إلا الكهنة الكبار وعلية القوم، والدخول إلى هذه الوليمة يتم ببطاقات صغيرة من الفخار، وقلما تكون من المعدن أو الزجاج، وعليها صورة الرب أو رمزه واسم مقدم الوليمة ورموز شتى، وتحمل البطاقة في بعض الأحيان كمية الطعام والشراب المخصص لكل ضيف.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر