حرفيو سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية ومخاوف الترميم والإخلاء والاندثار
كمن أنذرها زلزال بهزة مسبقة جعلت حجارتها تنتفض وتتباعد، تبدو أرضية التكية السليمانية، المعلم الأثري الشهير والفريد وسط دمشق، تنتظر يد العون لتعود إلى سابق عهدها، فيكون نظر زائر سوق المهن اليدوية إلى ما يعرضه أصحاب المحال البديعة، وليس إلى موطئ قدمه مخافة التعثر والسقوط.
على بعد بضعة أمتار من زحام المدينة الذي يبلغ ذروته في منطقة جسر الرئيس، تتكفل مئات القطع الفنية الخشبية والزجاجية والقماشية والجلدية والمعدنية المعروضة في السوق بنقل الزائر إلى عالم مختلف عن الذي كان فيه قبل دقائق.
فتتحرك اليد البشرية لتربط الماضي بالحاضر في مكان وارف الظل، تلك اليد التي أصابها الوهن في كثير من الحرف، وتنتظر الوعود المتواصلة بالترميم والتحسين، وسط مخاوف من إخراج أصحاب المهن من السوق وتحويله إلى مشروع تجاري بحت.
بعض أصحاب المحلات رفض إعطاء تصريح، أو حتى إبداء الرأي بجملة الأخبار التي أشيعت عن إمكانية استثمار المبنى الأثري القديم والسوق، أو عن عملية الترميم التي طال انتظارها ولا تبشر التسريبات عن الطريقة التي ستجري بها، بخير.
بينما أبدى البعض رغبة بالدفاع عن السوق وما يمثله، فقالت السيدة “رفاه عبد الله” لتلفزيون الخبر: “معظم الحرفيين الذين يعملون هنا ورثوا مهنتهم أباً عن جد، وأنا منهم، تشربت حرفة صناعة وتطريز العبايات العربية عن والدي، الذي كان يرفض فكرة أن تقوم ابنته بالعمل في إحدى محلات السوق وبين الرجال”.
وتتابع رفاه: في عام 1972 عرض “يوسف سمارة ” فكرة إقامة سوق يجمع المهن والحرف اليدوية في هذا المكان الأثري، ليتناغم العمل مع طابع المكان، بعد أن قامت الحكومة حينها بإزالة التراب حول التكية وتهيئتها كمكان سياحي”.
وتضيف: “بعد أن شاهد والدي نظام السوق واطمأن إلى عدم وجود واجهة زجاجية كون المحل أثري الطابع بدوره، وافق على عملي هنا، فكنت أول سيدة تفتتح محلاً خاصاً وتعمل فيه، وكان هذا الأمر يسترعي انتبه الزوار والسياح في ذلك الزمن”.
وأكملت عبد الله “كل شيء في هذا السوق هو ثروة يجب الحفاظ عليها، وأصحاب المحال هنا ليسوا تجاراً لكنهم أصحاب موهبة ورثوها وطورها، وهم يعملون أمام الزوار بأيديهم فنرى فيه الموزاييك والأزياء والزجاج والحلي وبأجمل الأشكال وأعرق التصاميم”.
ونوهت عبد الله إلى أن ميزة السوق في تجميعه لهذه الحرف في مكان واحد، ومعظم هذه البضاعة من الممكن تصنيعها آلياً، لكنها تخرج دون روح.
وتبدي السيدة الستينية رغبتها في أن “يتم الإسراع بالترميم الذي بات حاجة ملحة، دون إخلاء الحرفيين لمحالهم، أي بطريقة جزئية”، وتشير إلى الخفسات بين الأعمدة القديمة والتي ازدادت بسبب انحسار المياه الجوفية.
لافتة إلى أنه وبحسب القانون ممنوع على أصحاب المحال القيام بالترميم نظراً لكونه موقع أثري، حتى ولو لتجنب الأخطار القائمة في ظل الوضع الحالي، بحسب السيدة رفاه.
السيدة التي غادرت سوريا في بداية الحرب ولم تستطع أن تبقى أكثر بعيدة عنها أكثر من بضع سنوات، عادت بعدها تاركة عائلتها في بلد آخر عام 2015.
ولم تستطع أن تغالب دمعها وهي تحكي عن اختلاف الأوضاع وأحوال الناس والبلد قبل الحرب وما هي عليه اليوم، واصفة دمشق بعد عودتها “بالمرأة التي شاخت فجأة وظهرت عليها الترهلات بفعل الزمن والتعب”.
وعن الأخبار المتداولة حول استثمار التكية في نشاطات استثمارية رخيصة، قالت السيدة: “تمسك الحرفيون بالمكان رغم كل الصعوبات في الماضي، ونحن نقترح أن توضع هذه الكافتيريات التي يحكى عنها في مكان آخر مثل معرض دمشق الدولي القديم الذي تم إخلاؤه”.
وذكرت السيدة أن “وزير السياحة قام منذ فترة بزيارة السوق ووعدنا أن هذه النشاطات ستكون خارج حرم التكية والسوق الأثري والمسجد”.
وتشرح بحزن كيف تحول اهتمام الأجيال الجديدة نحو كل ما هو تقني وسريع، فتقول “كان لدينا في الماضي 80 فتاة تعمل معنا في الحياكة والتطريز، اليوم ييفضلونأعمالاً أسهل وأقل جهداً، ونخاف على كثير من الصناعات اليدوية من الاندثار”.
وكان مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود كشف مؤخراً أن” المديرية تعمل على إعادة مدينة دمشق إلى قائمة التراث العالمي، لترميم وتأهيل التكية السليمانية وفق المعايير الدولية واستثمارها مثلها مثل أي بناء أثري بالعالم، من خلال إدخال بعض الأمور التخديمية مثل المرافق العامة وإدارة التدفئة والغاز” ، لافتاً إلى أن “كل ذلك سيكون تحت الأرض ولن يتم الإساءة للبناء القائم”.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر