لماذا نغفر أفعال “المقدم رؤوف” و”توماس شيلبي” و”جبل شيخ الجبل” في المسلسلات ونستنكرها في الواقع ؟
لعل الصراع بين الخير والشر وقوتهما المتجسدة فينا وبطبيعتنا، والأحداث التي تمر في حياتنا، لن ينتهي يوماً، حيث اعتاد البشر، للميل للخير وتشجيعه والتعاطف معه، والإجماع على احتقار الشر وأدواته.
وبعيداً عن فلسفة الخير والشر وصراعهما، وبالغوص في أعماق النفس البشرية، يظهر السؤال.. لماذا نغفر للأشرار أو للعنف الذي تتقمصه الشخصيات في الأفلام والمسلسلات والروايات ؟ لماذا نحب ان ينجح السارق بسرقة مصرف، أو أن تنجح عصابة بمواجهة الدولة، أو أن يتمكن “الزير سالم” من أخذ ثأره ؟
رؤى أرسوزي، طالبة جامعية، قالت لتلفزيون الخبر: “لأنه في الخيال كل شيء مباح واللاوعي أقوى من الوعي وعلى ما يبدو لا وعينا يحب الأقوى، الأذكى والأوسم، حتى اتبرمجنا بهالطريقة وكثير من مسلسلات الكرتون التي تربينا عليها لا تخلو من العنف”.
وأكملت “والأقوى هو الفائز بالإضافة إلى أن الإنسان فيىالخيال يترك نفسه ولايفكر في طبيعته الحيوانية، والإدراك لديه يكون في حالة غفوة من الواقع الذي يقوم على قواعد أخرى للتفكير”.
أما علي الشيخ، 25 عاماً، شرح لتلفزيون الخبر سبب التعاطف قائلاً: “في الحقيقة نحن لا نشاهد الدوافع والظروف التي دفعت الشخص لتصرف هذه التصرفات “المكروهة” نحن نشاهد هذه التصرفات بتجرد، فنكره هذا الشخص والكره هو الشيء الوحيد الذي يرسخه بالإضافة إلى كثير من الأحكام ماعاد تعرف منها الصح من الغلط” .
وتابع علي “طبعاً غالبية هذه التصرفات تكون ردة فعل لما يشعر ويمر به هذا الشخص وهذا ما لم يحاول أحد الإحساس به”.
وأضاف “أما في المسلسل فأنت لا تتابع هذه الدوافع و الظروف فقط إنما تشعر بها أيضاً لأن المتابع يفهم سير الأحداث والدوافع، حينها غالبية الحالات يتفهما المتابع ويتعاطف معها، حتى لو كان التصرف الذي تقوم به للشخصية خاطئ في المفهوم العام” .
وتحدثت نور القصير، لتلفزيون الخبر عن الأسباب، بالقول: “يمكن لأنه يتم التركيز على إيجابيات هذه الشخصية، أما في الواقع نحن لاونعرف شيء عن السارق مثلاً غير أنه يسرق ولا نعرف شي آخر عن شخصيته”.
وتابعت “حتى لو كان هذا الشيء الإيجابي عبارة عن طموح هذا السارق، كي يصل لما يريد، حيث يلجأ إلى هذه الافعال لتحقيقها، هنا العذاب أو العراقيل التي يمكن أن تعترض طريقه ليصل إلى مايريد يدفعنا للتعاطف معه لا إرادياً”.
أما أسامة حمودي، خريج جامعي، فاختصر الاجابة بجملة “لأننا ببساطة شعب عاطفي، أكثر من أن يكون منطقي وعقلاني”.
ويتفق معظم متابعي الأفلام والمسلسلات على أن السبب هو بانتقاء الشخصية وجمالها، وتصالحها مع ذاتها، إضافة إلى التركيز على إيجابياتها ومعرفة دوافعها ومبرراتها، والتي غالباً ما تشبه ظروف مجتمعاتنا من فقر أو نقص أو قهر.
أما لعلم النفس رأي اختصاصي، يفسر فيه أسباب هذا التعاطف والتبرير في المسلسلات واستنكارها وكرهها في الواقع، حيثةقال أحد الأخصائيين لتلفزيون الخبر: إن “أسباب التبرير ناجمة عن ما يسمى علاقة القهر الشائعة ببلدان العالم الثالث”.
وشرح الأخصائي لتلفزيون الخبر “تنتج هذه الحالة عن أسباب اقتصادية اجتماعية تاريخية ونفسية، وتسبب عقدتين هما عقدة نقص وعقدة عار عند الإنسان المقهور” .
“هذه العقد تدعو صاحبها الى حب هذه الشخصيات الافتراضية في التلفزيون، كنوع من أنواع تخفيف القلق اتجاه عقد النقص، أما كره هذه الشخصيات في الواقع فيكون سببه التخفيف من عقدة العار الناتجة عن عجزه عن مجابهة التسلط”.
ويبقى السؤال الأهم هل سنغفر ل”جبل شيخ الجبل” الحقيقي، وهل سنساعد “الزير سالم” (يلي بحارتنا) بالأخذ بثأره، وهل سندعم “العفيشة” إن عرفنا دوافعهم، أم أننا سنحصر حبنا لهم في المسلسلات فقط ؟
يزن شقرة _ تلفزيون الخبر