71 عاماً و”نكبات” .. من الأجداد إلى الأحفاد: “فلسطين إلنا”
هون دارنا وحاكورتنا وسجراتنا ومعصرتنا.. بعدنا بعشر سجرات دار أبو العبد إهل جدك.. “، تعود روان، شابة فلسطينية من مخيم اليرموك بدمشق، إلى أكثر الأحاديث التي كانت تدور على لسان جدتها التي توفيت عن ٧٠ عاماً قبل عشر سنوات.
وتتابع الشابة، بنبرة شوق إلى الكثير مما سلف، في حديث مع تلفزيون الخبر “كثيرا ما كانت تصلنا صورا لفلسطين ولقريتنا من مقربين وأصدقاء يتداولونها بحسرة، ممحصين بحال قراهم تحت وطئة الاحتلال”.
مردفة “كانت نظرات جدتي ويداها المرتجفتان ترويان الكثير بينما كانت تقلّب تلك الصور وكأن “الجاعونة”، قريتها في فلسطين، سلبت البارحة.
أما جد روان الذي توفي في السنة الرابعة من عمر الحرب في سوريا عن ثمانين عاماً، فتروي الشابة عنه أنه “ترك منزله في مخيم اليرموك حاملاً في حقيبة جلدية صغيرة بيده وثائق ملكية ومفتاح لداره هناك في فلسطين، توفي الجد بينما بقيت محفوظاته مع ولده الأكبر.
يرى كثيرون أن جيل النكبة الذي رحل في معظمه عن عالمنا أخذ معه حلم الأرض والأحقية بها، لكن إذا ما احتك هؤلاء بالأجيال المتعاقبة والأحفاد حتى أصغرهم سيلحظون أن طفلاً فلسطيناً صغيراً يقول: “ياريتني بفلسطين لأحمل حجر وأرميه ع اليهود”.
و اليهود هنا بحسب ما يتم تداوله من تسمية بين الكبار من الفلسطينيين، أما عن أطفال الداخل في فلسطين فيكفي الإمعان في قصة الشهيد الطفل فارس عودة، كمثال.
وعن التوثيق، “القدس، عكا، حيفا، يافا، صفد، طولكرم، أريحا، جنين، نابلس، قلقيلة، و بيت لحم، وأكثر من تلك، مدنٌ فلسطينية تشرد منها أهلها وسلبت منهم بالقوة في الخامس عشر من أيار 1948.
فموقع فلسطين الاستراتيجي، وتربعها في قلب الوطن العربي، وتاريخها الحافل بالحضارات وأرضها التي كانت مهد الرسالات، وطبيعتها.. كل ذلك جعلها عرضة لأن “تنظر بريطانيا بعين العطف على عصابات “بني صهيون” و تقدمها لهم بحسب الوعد المشؤوم بلفور.
و تعود كلمة الصهيونية إلى المفردة العبرية “سيون” وتعني تلال القدس، والحركة الصهيونية ولدت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بهدف إقامة دولة يهودية مستقلة في فلسطين.
حيث اعتمدت هذه الحركة على الترويج لفكرة أن فلسطين “أرض الميعاد” كوسيلة للتأثير في اليهود وجذبهم لها، وكثرت المؤتمرات والقرارات، إلى أن أُعلن عن دولة يهودية على أرض فلسطين.
حَمل الفلسطينيون نكبتهم، وخرجوا من بلادهم مرغمين تحت قوة العدو وجبروته، مشردين لاجئين إلى شتى أصقاع الارض، بينما سقط آلاف الشهداء ممن تشبثوا بجذور بياراتهم في سبيل البقاء، وتوجه من غادر إلى البلدان المجاورة، وكانت سوريا الحاضن الأكبر للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين ولحركة المقاومة الفلسطينية.
وتوالت الأعوام على ذكرى النكبة، وحملت بين طياتها أنواعاً كثيرة من المقاومة، وأشهر أطفال فلسطين حجارتهم في وجه دبابات الهمجية “الإسرائيلية”، ولم تقتصر المقاومة على من يواجهون آلة الحرب “الإسرائيلية” فقط بل وأبدع الفلسطينيون ممن هم خلف قضبان الاحتلال “الإسرائيلي” بحركات المقاومة.
فالأيدي الخمائل التي كبلتها سلاسل الاحتلال وزعت الكرامة على كل متخاذلٍ وناسٍ لقضيته، وبائع .. ومع تعدد الفصائل الفلسطينية تعددت في المقابل انقساماتها لتبقى المقاومة هي القديسة .. مقاومة بالحجر بالسلاح بالقلم.
وفي العامين الأخيرين تجلت المقاومة بأكثر أشكالها صمودا وعنفوانا وإصرار تحت اسم “مسيرات العودة وكسر الحصار” والتي اشتعلت شرارتها في 30 آذار 2018.
حيث وصل عدد شهداء هذه المسيرات منذ انطلاقها إلى 274 شهيداً، إضافة إلى إصابة أكثر من 30 ألفاً بجروح مختلفة وحالات اختناق بالغاز، وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية تزامناً مع يوم الأرض الماضي.
ومازال المقاومون وأصحاب الحق يجمعون عنفوانهم وإصرارهم ليرشقوه غضباً وصمودا في كل جمعة، ولسان حالهم يردد “نحن أصحاب هذه الأرض”.
تساؤلات عدة تراود الشابة روان اليوم .. تقول بعبارات متفرقة غير منتظمة: “إذا ما وقفت أمام ضريحي جدي وجدتي بماذا سأقابل أقصوصاتهم تلك .. ما حال “البلاد” الذي سأحدثهم عنه ..” تردف خاتمة “لأبعد مكان وزمان فلسطين إلنا والقدس عربية”.
روان السيد – تلفزيون الخبر