قد تكون مقدمة لإجراءات تشريعية .. “نظرية الانعدام و حالاته” للقاضي المستشار كمال جنيات
تصدى المستشار كمال جنيات لمسألة أحدثت وتحدث أرباكاً في مسيرة التقاضي أمام المحاكم السورية، فقد سكت المشرع السوري وتردد كما بين الاستاذ المستشار أمام حالات متعددة الأوجه للانعدام، مع كل ما يحمله مفهوم الانعدام من أهمية وتأثير في تحصين تصرفات غير قانونية وهدر للحقوق في كثير من الحالات.
وأقام المستشار كمال جنيات محاضرة بعنوان “نظرية الانعدام و حالاته”، تحدث فيها عن تعريف “الانعدام” في القضاء وحالاته.
وقال إن “الانعدام لا يمكن تسميته بالدعوى، بل هو نظرية تولد آثاراً مختلفة توجب وضع قواعد مختلفة عن قواعد الدعاوى”.
وأوضح جنيات سبب تسمية “الانعدام” بـ”النظرية”، حيث أنه لا يحمل شروط الدعوى، وقال في ذلك “الانعدام والعدم سواء، فلا يرتب أي أثر، ولا تصححه الإجازة، ولا يسري عليه الزمن، ويمكن إثارته كدفع والامتناع عن تنفيذه وإنكار الحكم الصادر لأنه ليس بحكم، ويمكن تقديمه كدعوى مبتدئة”.
وأشار إلى أنه ضمن التشريعات السورية، لم يتسنَ لأي تشريع أن يضع أسساً لها أو يقننها ضمن تعريفات، وأرجع السبب في ذلك لـ”احتمالية وجود حالات متعددة وشائكة”.
ولفت إلى ضرورة تطوير هذه النظرية وصولاً إلى تحقيق العدالة، مشيراً إلى أن ذلك “يتطلب جرأة من القضاء”، حيث أن من وضع أسس نظرية “الانعدام” هو الفقه، ومن طورها هو القضاء.
وأشار جنيات إلى دور القضاء والفقه المصري في وضع أسس وأركان نظرية “الانعدام” ووضع تعريف شامل وقوي على عكس الفقه السوري، حيث “تطرق القضاء السوري للنظرية ووضع تعريف وحالات لها، ولكنه تذبذب في جوانب أخرى أهمها (حالة الانعدام المتعلقة بالعيب الذي يشوب الخصومة وفي مواجهة شخص ميت)”.
وأوضح القاضي أن “كافة الأحكام في الانعدام التي صدرت عن القضاء السوري تعلقت بالحكم الصادر معدوماً، بينما اتجه القضاء والفقه المصري لتقرير انعدام الإجراء إلى النحو الذي لم يجز تصحيحه”.
وقام بطرح الحالات التي لم تصل فيها الإجراءات لمرحلة الانعدام، أولها “هناك إجراءات إذا خولفت ترتب البطلان، وبالتالي يمكن أن يتحصن هذا البطلان بالانبرام”، موضحاً أن هذه الحالة ممكن أن تكون كمعيار للتفريق بين الانعدام والبطلان.
وفي الحالة الثانية “هناك إجراءات إذا خولفت ترتب البطلان، ولكن هذا البطلان ممكن أن يتوقف على حضور مَن تقرر لمصلحته البطلان، أو على إجازته له، أو على تحقيق الغاية من الإجراء”.
وذكر المستشار جنيات تعريف الانعدام في معرض القرار الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة النقض رقم 34/أساس3 لعام 1992، وقال “هو أن يفقد الحكم ركناً من أركانه الأساسية، يعتبر حينها معدوماً”.
وتابع “فيتعين ما يلي: أولاً: أن يكون الحكم صادر عن جهة قضائية مختصة وممن يملك ولاية القضاء، ثانياً: أن تكون المحكمة مشكلة تشكيلاً صحيحاً، ثالثاً: أن يصدر في خصومة قائمة بين طرفين تتوافر فيهما أهلية التقاضي (إقامة دعوى على ميت)، وأن تكون منعقدة أصولاً، رابعاً: أن يكون القرار مكتوباً ومتضمناً بياناته الأساسية.
وأوضح بشكل مقتضب البنود الأربعة، مستفيضاً بتفاصيل البند الثالث من القرار، حيث قال فيه أن “كل حكم يجب أن يصدر بمواجهة شخص لا يعتبر صحيحاً إذا لم تعلن إليه صحيفة الدعوى، وفي حال لم تعلن إليه أو أعلنت بشكل خاطئ فالخصومة لم تنعقد، وبذلك لم يعد هناك حكم قضائي”.
وأضاف “ممكن ألا تصل الخصومة إلى شخص المدعى عليه في حال ورود سند تبليغ موقع تزويراً، فإذا أثبت هذا التزوير ممكن أن يدعي بالانعدام”.
وحول أهلية المدعى عليه قال “أكثر حالة أوردها الفقه أنه يجب أن تقام الدعوى بمواجهة من يملك أهلية التقاضي”، وطرح مثال على ذلك: (تقديم دعوى ضد ميت) حيث يعتبر الفقه أن الميت لا يملك أهلية التقاضي.
وذكر جنيات أن “من يملك أهلية التقاضي هو الشخص الطبيعي، وبحسب القانون المدني فإن الشخص الطبيعي تبدأ أهليته للتقاضي من ولادته وتنتهي بوفاته”.
وشدد على أهمية “الاجتهاد في معرض نظرية الانعدام وتطويرها لإجازة تصحيح الدعوى إذا أقيمت على ميت ابتداءً”، مشيراً إلى جواز مخاصمة من كان يتوجب اختصامه ابتداءً كـ”التركة” (ورثة الميت)، في حال قدمت دعوى ابتداءً على ميت وتبين من خلال مذكرة الدعوى أنه ميت”.
وأشار إلى “دور المحكمة في دعاوى الانعدام، حيث إنه “يلحق الحكم ولا يلحق الدعوى، أي لا يجوز للمحكمة أن تقرر أمر معدوم وتكتفي، بل عليها أن تفصل في النزاع الذي بدأ بأمر معدوم على ضوء الأدلة والدفوع المطروحة”.
ووجه كلمة للهيئة العامة لمحكمة النقض في ختام محاضرته، حيث قال “أتمنى أن تقبل اجتهادنا الذي أصبح مستقر في الغرفة العقارية، حيث قَبِلنا تصحيح الخصومة إذا أقيمت الدعوى على ميت، وتبين أنه متوفى في مرحلة الدرجة الأولى”.
يشار إلى أن الانعدام ممكن أن يقع على الاجراء القضائي الشكلي أو الموضوع أثناء التقاضي أو قد يقع على القرار نفسه، ويمكن تصوره في عدد غير محدود من التصرفات والاجراءات جميعها لا يوجد موقف واضح للمشرع تجاهها وتعتمد بالدرجة الاولى على جرأة القاضي واستعداده للتصدي للمسألة المعروضة أمامه.
ولعل محاضرة الاستاذ المستشار تكون مقدمة لاجراءات تشريعية تتناول الانعدام بمزيد من التفصيل وبما يتناسب مع خطورته وتأثيره على الحقوق.
رغد موسى – تلفزيون الخبر