فلاش

الحسينية .. رحلة الى المخيم الفلسطيني المنسي جنوب العاصمة دمشق

يقع مخيم الحسينية في أقصى ريف دمشق الجنوبي بمقربة من طريق السويداء، على رقعة جغرافية تبلغ 3 كم بجوار بلدة السيدة زينب ذات المكانة الروحية و الثقافية، و يتوسط مجموعة من البلدات التي أخذت عن الريف بؤسه و شقاءه.

عندما وصلت لعنة الحرب الى المخيم غادره سكانه الى البلدات المجاورة حيث بقوا هناك ثلاث سنوات، وارتضوا العودة اليه في أيلول 2015 مرغمين هربا من الموت البطيء الذي رافق النزوح و الإقامة في مراكز الإيواء و المنازل المشتركة.

لم يسلم المخيم بعد عودة سكانه اليه من جاهلية الماضي فظلم الماضي ما زال يقاسم الأهالي يوميات حياتهم، بدءا من الاستيقاظ في الصباح الباكر، ليس من أجل الاستماع لفيروز تغني على ضفاف فنجان قهوة، بل من أجل لحاق ركب الحياة و الرزق .

فالمخيم يعاني من مأساة حقيقية في المواصلات التي تعد المقامرة الأكبر للسكان فتارة تستغرق الرحلة للعاصمة ساعتان و تارة أخرى لا تتجاوز ذات المسافة مدة النصف ساعة ، تارة تكون ” السرافيس ” بانتظارهم و تارة أخرى يستقلون عربات خصصت للمواشي .

و مرورا بمنازلهم التي سرقت بكل ما تحتويه من تعب السنين، فمعظم المنازل سرقت، وليس انتهاءا بعدم وجود أي مركز قادر على استقبال الحالات الاسعافية في المخيم.

أما عن التعليم في المخيم فهو في حالة يرثى لها، فمتوسط عدد الطلاب في الصف الواحد يصل الى 55 طالبا، و طلاب المخيم ليسوا كغيرهم ، فهم حرموا من مقاعد الدراسة لمدة عام كامل.

و عندما يحين دور الحديث عن الكهرباء فهي أم المصائب ، فالتقنين يصل في كثير من الأحيان الى عشر ساعات.

لا تستغرب حين تسمع الأمهات تحذر أبنائها من الجرذان والأفاعي، فهي منتشرة بكثرة في المخيم و تقيم وسط أكوام من الدمار الناجم عن الحرب، هذا الركام أصبح معلما أساسيا في المخيم بعد سنة من عودة الأهالي إليه.

هذا حال المخيم اليوم ، المخيم الذي قدم الشهيد تلو الآخر في شتى معارك سوريا ، المخيم الذي يعد اليوم أكبر تجمع لمن بقي من لاجئين فلسطينيين في سوريا، فلم يعد المخيم الوطن الصغير الذي لطالما حلم أهله بالعودة إليه، ” ففيه تقتل الحياة ألف مرة” حسب تعبير أحد قاطنيه لتلفزيون الخبر .

انشق شباب المخيم على أنفسهم ، فجزء يسعى للبقاء في المخيم دون دخول او خروج ، و قسم آخر يسعى جاهدا للخروج دون عودة ، ففي الغالب الأعم يصف السكان المخيم بالسجن الكبير او بالقرية التي استبعدت من خطط التنمية للمنظمات الدولية .

المنظمات التي اكتفت بالاطلاع على وجع السكان وأخذ بعض الصور للأضرار، و قدمت القليل من الخدمات و المساعدات التي لا ترقى لحجم المأساة و الوجع.

و على سبيل المثال لا الحصر أطلق المدير الأجنبي و المدراء العرب في الأونروا المنظمة المسؤولة عن شؤون الفلسطينيين في سوريا وعودا للسكان اوصلتها للقمر ، لكن هذه الوعود لم تتنفذ و ذهبت أدراج الرياح.

و يتساءل الأهالي هل سقط المخيم سهوا أو أسقط عمدا من أجندة الفصائل الفلسطينية التي تتكلم باسم هذا المخيم و تقيم على ارضه المهرجانات المركزية الطنانة الرنانة.

و تتهاوى على أبواب المخيم خطابات قادة الفصائل و إنسانية المنظمات الدولية ، فمع تهالك الخدمات في المخيم بات الأهالي يرتضون السكن في أي مكان خارج المخيم دون الاكتراث الى المجتمع الفلسطيني و ضرورة الحفاظ عليه .

فمعظم النخب لم تعد الى المخيم ، و من عاد منهم يخطط اليوم للمغادرة و بهذا نشهد تهاوي المخيمات واحدة تلو الأخرى و تصدع حق العودة شيئا فشيئا.
ويتضح اليوم بعد عام من عودة الأهالي الى المخيم ان الفصائل و المؤسسات و المنظمات و على رأسها الأونروا لم تغير نظرتها الى المخيم على انه درجة ثالثة او رابعة او حتى خامسة لأسباب تتصل بمصالحهم و أجنداتهم.

 

                                                                                             ماهر محيلان – تلفزيون الخبر – دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى