حبيب الشرتوني.. محاكمة الفكرة
لم يكن مفاجئاً أن يتم الحكم بالإعدام على حبيب الشرتوني منفذ عملية الاغتيال بحق الرئيس اللبناني المتعامل مع العدو “الإسرائيلي” بشير الجميل في ثمانينيات القرن الماضي.
الغريب والمثير للسخرية هو الحكم على المخطط لعملية التنفيذ نبيل العلم القيادي الراحل في الحزب السوري القومي الاجتماعي، يحكمون على رجل ميت بالإعدام.
إذا تم الحكم على قاتل شخص، بغض النظر عن منصبه، لأنه تعامل مع العدو، كما تم الحكم على رجل ميت، هذه هي العدالة بأقبح صورها تتجلى علناً في هذه المنطقة.
بالطبع من كان وراء إصدار هكذا أحكام لم يضع في حسبانه ردة الفعل على “المسخرة” التي يفعلها، لأن ما قام به يتعدى حدود محاكمة أحدهم لقتله رئيس جمهورية، من إصدر الحكم إنما أصدره بحق فكرة، فكرة أن “اسرائيل” هي العدو.
والنقطة المهمة في هذا الصدد هي قبول أطراف لبنانية بهذه المهزلة، فعلى الشاشات نزل أعضاء في حزب الكتائب اللبناني فرحين بما عدّوه انتصاراً لهم، والمفاجأة الجميلة كانت بتقدم الوزير العوني جبران باسيل صفوف المحتفلين.
التيار الوطني الحر الشريك المسيحي الأساسي لحزب الله، الذي في صميم عقيدته قتال “اسرائيل” والممثل في الحكومة اللبنانية
استقبلت قيادات الحزب الخبر بصمت، وعلى مر الخبر العونيين بفرح عبر عنه، بالإضافة لباسيل، الناشط السابق زياد عبس بقوله “هذه المحطة تاريخية على أمل ان تستمر ولا تستثني كل من ارتكبوا الجرائم في الحرب”، موضحاً أن “موقفي هو موقف أغلبية جمهور التيار الوطني الحر، الذي يدعو للمحاسبة وإلى دولة العدالة.
التيار الوطني الحر يحاول كسب نقاط في صفوف المسيحيين على حساب حرب الكتائب، هو موضوع من النافل ذكره، هذا ليس تبريراً ولكن لبنان بلد التناقضات، حيث هناك شارع باسم بشير الجميل وشارع باسم خالد عداون الذي قتل حلفاء الجميل “عادي”
ولكن يبقى التساؤل الأهم ماذا سيكون رأي حزب الله في حال تم محاكمة من قتل عقل هاشم ؟ عقل هاشم مواطن لبناني وقيادي في أحد أحزابه وتعامل مع “اسرائيل” وقتل بتفجير، فلماذا لا يتم محاكمة قاتليه مثله مثل بشير الجميل ؟
علماً أن موقف الحزب الذي ينتمي له الشرتوني والعلم كان خجولاً على مستوى القيادات التي لا تتنبى ما قام به الشرتوني رسمياً، بل تركته وحيداً، واقتصر الرد السوري القومي الاجتماعي على “همسات” على “فيسبوك” و”تويتر” ومظاهرات من “كم شخص”، من الحزب وخارجه، مؤمنين أن الشرتوني هو فكرة لا يجب أن تموت.
حكم الإعدام بحق الشرتوني هو محاولة للحكم على فكرة وخط، وليش كما يدعي مناصرو الرئيس الذي جاء للحكم على متن دبابة “اسرائيلية”، أنها تطبيق للعدالة، فتطبيق العدالة يقول، بحسب المادة 274 عقوبات في لبنان “كل لبناني دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى مباشرة العدوان على لبنان أو ليوفر لها الوسائل إلى ذلك، عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة، وإذا أفضى فعله إلى نتيجة عوقب بالإعدام”.
ولكي تكتمل فصول “المسرحية الهزلية” أعلن القضاء اللبناني استدعاء الصحفي في جريدة الأخبار اللبنانية أيلي حنا لاستجوابه بخصوص المقابلة التي أجراها مع الشرتوني قبل صدور الحكم بيومين، ليتأكد أن المطلوب ليس رأس الشرتوني، بل كل من يحمل فكرة أن “اسرائيل” هي العدو.
“اسرائيل” كانت وستبقى عدو، والتعامل معها كان وسيبقى خيانة، ولن تفيد اي مسرحية في تغيير هذه الفكرة، ما دام حنظلة يشيح بوجهه عنا، وما دام هناك تسمية “لاجئ فلسطيني”، هو موقف اختصره انطون سعادة بالقول “إن الحياة كلها وقفة عز”، على الأقل في سوريا، سواء أكانت تشهد حربا أم لا، الشرتوني فكرة لا تموت بمسرحية، وخصوصا بهكذا ممثلين سيئين.