العناوين الرئيسيةمجتمع

التجهيل السياسي في المجتمعات: كيف يهدد مستقبل الأوطان؟

عُرف عن نظام حزب البعث في سوريا استخدم سياسات ممنهجة لتجهيل المواطنين سياسيا، من خلال التحكم في التعليم والإعلام وقمع الحريات.

 

وهذه السياسات لم تكن فقط تهدف إلى تعزيز سيطرة النظام، بل أيضا إلى منع أي تحول ديمقراطي أو مشاركة سياسية حقيقية، مما ترك آثارا طويلة الأمد على المجتمع السوري.

 

التجهيل السياسي يعدو كونه مجرد مشكلة فردية، بل هو أزمة مجتمعية تهدد مستقبل الأمم. في بلد كسوريا يتسم بالتعقيد والتحديات المتزايدة، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن يتمتع الأفراد بوعي سياسي يمكنهم من فهم القضايا العامة والمشاركة في صنع القرار، وبدون هذا الوعي، تصبح المجتمعات عرضة للاستغلال والتفكك، مما يعيق تقدمها وازدهارها.

 

لذا، فإن مواجهة التجهيل السياسي تتطلب جهودا مشتركة من الحكومات، والمؤسسات التعليمية، والإعلام، والمجتمع المدني، وذلك من خلال تعزيز الوعي السياسي الذي يمكننا بناء مجتمعات ديمقراطية ومستقرة، قادرة على مواجهة التحديات وخلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

 

وفي وقت يتسم بسرعة تدفق المعلومات واتساع نطاق التواصل، يبدو من المفارقة أن نجد مجتمعات تعاني من “التجهيل السياسي”، وهو مصطلح يشير إلى نقص الوعي والمعرفة بالشؤون السياسية والاجتماعية التي تؤثر مباشرة على حياة الأفراد.

 

التجهيل السياسي ليس مجرد جهل بالمفاهيم السياسية، بل هو انفصال عن الواقع السياسي وعدم القدرة على فهم أو تحليل الأحداث التي تشكل مستقبل المجتمع. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تتفاقم في ظل التحديات المعاصرة، مما يجعلها تهديدًا خطيرًا للديمقراطية والاستقرار الاجتماعي.

 

ما هو التجهيل السياسي؟

 

التجهيل السياسي هو حالة من اللامبالاة أو الجهل بالشؤون السياسية، حيث يفتقر الأفراد إلى المعرفة الأساسية بالأنظمة السياسية، والحقوق والواجبات المدنية، والقضايا العامة التي تؤثر على حياتهم اليومية.

 

هذا النقص في الوعي يمكن أن يكون نتيجة لعوامل متعددة، منها:

 

ضعف النظام التعليمي: عندما لا تعطي المناهج الدراسية الأولوية للتربية المدنية والسياسية، يخرج الطلاب دون فهم أساسي لكيفية عمل الحكومات والمؤسسات السياسية.

 

الإعلام المسيطر عليه أو غير المسؤول: في بعض الأحيان، يساهم الإعلام في تشويه الحقائق أو تقديم معلومات مضللة، مما يعزز الجهل بدلا من المعرفة، وقد يكون الإعلام يخضع بالتبعية للسلطة، فيقدم ما يخدمها في عملية التجهيل.

 

الاستبداد السياسي: في الأنظمة الاستبدادية، يتم حجب المعلومات وتقييد الحريات، مما يمنع المواطنين من الوصول إلى المعرفة السياسية.

 

الانشغال بالحياة اليومية: في المجتمعات الفقيرة أو التي تعاني من أزمات اقتصادية، قد ينشغل الأفراد بتأمين لقمة العيش على حساب الاهتمام بالشؤون العامة.

 

مخاطر التجهيل السياسي على المجتمعات

 

تآكل الديمقراطية: الديمقراطية تعتمد على مشاركة مواطنين واعين وقادرين على اتخاذ قرارات مستنيرة، عندما ينتشر التجهيل السياسي، يصبح من السهل التلاعب بالرأي العام، مما يؤدي إلى انتخاب قادة غير أكفاء أو فاسدين، هذا يضعف المؤسسات الديمقراطية ويهدد استقرار الأنظمة السياسية.

 

انتشار الفساد: في غياب الوعي السياسي، يصعب على المواطنين مراقبة أداء الحكومات ومحاسبة المسؤولين، هذا يخلق بيئة خصبة للفساد، حيث يمكن للسياسيين والبيروقراطيين استغلال مناصبهم دون خوف من المحاسبة.

 

التفكك الاجتماعي: عندما يفتقر الأفراد إلى فهم القضايا المشتركة، يصبح من الصعب بناء توافق وطني حول السياسات العامة، هذا يمكن أن يؤدي إلى انقسامات اجتماعية وطائفية، مما يهدد تماسك المجتمع.

 

ضعف المشاركة المدنية: التجهيل السياسي يؤدي إلى انخفاض معدلات المشاركة في الانتخابات والأنشطة المدنية الأخرى. عندما لا يشارك المواطنون في صنع القرار، تفقد السياسات العامة شرعيتها وفعاليتها.

 

تأثيرات اقتصادية سلبية: السياسات الاقتصادية الفاشلة غالبا ما تكون نتيجة لسوء الإدارة السياسية، في غياب الوعي السياسي، يصعب على المواطنين الضغط من أجل سياسات تعزز النمو الاقتصادي وتقلل من الفقر.

 

تزايد التطرف: الجهل السياسي يمكن أن يخلق فراغا معرفيا يملؤه المتطرفون بأفكارهم الخطيرة، عندما لا يفهم الأفراد تعقيدات القضايا السياسية، يصبحون أكثر عرضة للتأثر بالخطابات الشعبوية أو المتطرفة.

 

دور نظام حزب البعث في سوريا بالتجهيل السياسي الممنهج

 

منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا عام 1963، وخاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم في عام 1970، تم تنفيذ سياسات ممنهجة تهدف إلى تقليص الوعي السياسي لدى المواطنين وتعزيز السيطرة الأيديولوجية للحزب.

 

وفقا لتقارير حقوقية وبحثية، استخدم النظام أساليب متعددة لضمان بقاء المواطنين في حالة من التجهيل السياسي، بما في ذلك التحكم في المناهج التعليمية، وقمع الحريات الإعلامية، وتقييد الحوار العام، وتم تصميم هذه السياسات لضمان ولاء المواطنين للنظام ومنع أي شكل من أشكال المعارضة المنظمة.

 

السيطرة على التعليم والإعلام

 

أشارت تقارير اليونسكو ومنظمات حقوقية إلى أن نظام البعث قام بتوجيه المناهج التعليمية لتعزيز أيديولوجية حزب البعث، مع إهمال تعليم مفاهيم الديمقراطية والحقوق المدنية.

 

ووفقا لدراسات عدة تم تحويل المدارس والجامعات إلى أدوات لتلقين الولاء للنظام، بدلا من كونها مراكز لتعزيز التفكير النقدي والوعي السياسي.

 

بالإضافة إلى ذلك، سيطر النظام على وسائل الإعلام، مما أدى إلى غياب أي نقاش سياسي حر أو متنوع، هذا التلاعب بالمعلومات ساهم في خلق جيل من المواطنين يفتقر إلى الفهم العميق للشؤون السياسية خارج الإطار الذي يحدده النظام.

 

قمع الحريات وتأثيرها على الوعي السياسي

 

استخدم النظام السوري أجهزة أمنية قوية لقمع أي محاولات لتعزيز الوعي السياسي خارج الإطار الرسمي، وتم حظر الأحزاب السياسية المستقلة، وتم سجن أو تصفية النشطاء والمعارضين ممن لم يغادروا مناطق سيطرته.

 

أدى هذا القمع إلى خوف عام من المشاركة السياسية، مما عزز حالة التجهيل السياسي، كما أشارت دراسة أجرتها “جامعة أكسفورد” في عام 2018، فإن الخوف من الاعتقال أو التعذيب جعل المواطنين يتجنبون أي نقاش سياسي جاد، مما أدى إلى تراجع الوعي السياسي بشكل عام.

 

أسباب تفاقم التجهيل السياسي

 

1- تضخم المعلومات: في عصر الإنترنت، يتعرض الأفراد لكميات هائلة من المعلومات، لكن ليس كلها دقيقة أو موثوقة هذا يمكن أن يؤدي إلى “تلوث المعلومات”، حيث يصعب على الناس التمييز بين الحقائق والأكاذيب.

 

2- الخوارزميات التكنولوجية: منصات التواصل الاجتماعي تعتمد على خوارزميات تعزز المحتوى الذي يتوافق مع آراء المستخدمين الحالية، مما يخلق “غرف صدى” تعزز الجهل بدلا من توسيع الآفاق.

 

3- التراجع في التعليم المدني: في العديد من الدول، تم إهمال التربية المدنية في المناهج الدراسية، مما يترك الأجيال الجديدة دون فهم أساسي للديمقراطية والحقوق المدنية.

 

4- الاستقطاب السياسي: عندما تصبح المجتمعات مستقطبة، يتراجع الحوار البناء ويتم استبداله بالصراعات الأيديولوجية، مما يعزز الجهل السياسي.

 

كيف يمكن مواجهة التجهيل السياسي؟

 

1- تعزيز التربية المدنية: يجب إعادة إدخال التربية المدنية في المناهج الدراسية، مع التركيز على تعليم الطلاب كيفية عمل الأنظمة السياسية، وحقوقهم وواجباتهم كمواطنين.

 

2- تحسين جودة الإعلام: يجب تشجيع الإعلام على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة، ودعم الصحافة الاستقصائية التي تكشف الفساد وتسلط الضوء على القضايا العامة.

 

3- تشجيع المشاركة المدنية: يجب تعزيز ثقافة المشاركة المدنية من خلال تشجيع الأفراد على التصويت، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، والانخراط في الحوارات العامة.

 

4- مكافحة التضليل الإعلامي: يجب تعليم الأفراد كيفية التحقق من المعلومات ومكافحة الأخبار الكاذبة، سواء من خلال التعليم أو الحملات التوعوية.

 

5- تعزيز الشفافية: يجب على الحكومات أن تكون أكثر شفافية في قراراتها وسياساتها، مما يسمح للمواطنين بفهم كيفية تأثير هذه القرارات على حياتهم.

 

6- دعم المنظمات غير الحكومية: يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تلعب دورا مهما في تعزيز الوعي السياسي من خلال برامج التوعية وورش العمل.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى