مزارعو الحمضيات في اللاذقية.. حكاية مآس لا تنتهي فصولها بتسويق محاصيلهم
يعيش مزارعو الحمضيات في محافظة اللاذقية كما كل عام في هذه الأيام، حالة من القلق، تبدأ بالتفكير بتعب أيام عام كامل من الجهد والعرق، وصولاً إلى “هل سنجني ثمرات هذا التعب”؟، ولاتنتهي بالخوف من تأثير موجة الصقيع الحالية التي تتأثر فيها البلاد.
مأساتنا سنوية..
أوضح أحد المزارعين من منطقة الرويمية بريف اللاذقية في تصريح لتلفزيون الخبر أن “زراعتنا خاسرة منذ سنوات، وفي كل موسم نراهن على المجهول نعمل ونسعى لتعويض خسائر العام السابق، لكن تكون الصدمة أكبر بأن نراكم الديون، وفي أحسن الأحوال بنطلع “راس بعب” أي ان الانتاج يعادل التكلفة”.
وأضاف المزارع ” باتت قصتنا مملة لمن يتابع، فكل عام نتعب ونتكلف وبموسم القطاف وفي فترة القطاف تكون العبرة، لكنا كما المعتاد نتعلق بهواجس أفكارنا ونأمل بتحققها بالعام الجديد، لكننا “متل اللي عم يدور على إبرة بكومة قش” فالضغوطات كبيرة والمردود يكاد يكون معدوم”.
ولفت مزارع آخر من البهلولية بريف اللاذقية إلى أن “هذا العام وعلى اعتبار أن الانتاج أقل من السابق كنا نأمل أن يعود علينا بربح مقبول، لكن تكاليف التسويق باتت تشكل عبئاً على التاجر أو المسوّق، فيتحكم بالأسعار، وبالتالي تكون الخسائر من نصبينا لأن التاجر يحافظ على ربحه، وفي حال خسر فخسارته من نسبة الربح التي يحددها وليس من رأس ماله كما حالنا”.
وبيّن مزارع آخر من العمرونية بريف اللاذقية أنه “لا يستطيع تسويق محصوله لأن تكاليف النقل وأجور عمال القطاف، والتوضيب والفرز، وأسعار شرائح التوضيب والصناديق الحقلية تحتاج لرأس مال لانملكه في ظل خسائرنا المتتالية”.
وأشار مزارع من ريف جبلة خلال حديثه لتلفزيون الخبر إلى “أن عاداتنا الزراعية تغيّرت بعد بدء الحرب بعدة أعوام، نتيجة نقص مستلزمات الانتاج وبشكل خاص الأسمدة، إضافة إلى غلاء أسعارها، والعوامل المناخية التي بات تأثيرها كبيراً “.
وأوضح المزارع أن “زراعة الحمضيات تحتاج إلى عناصر أساسية تبدأ بالتقليم وحراثة البستان مرتين على الأقل في العام، كذلك العامل الأهم هو الأسمدة بأنواعها من فوسفات وأزوت وبوتاس، وهذه العناصر مجتمعة تلعب دوراً مركزياً في زيادة الانتاج وتحسين جودته”.
وبيّن المزارع أنه “حالياً توجد أنواع كثيرة من الأسمدة في السوق، وتختلف نسبة العناصر الموجودة فيها، لكن أغلب المزارعين تقتصر على شراء نوع واحد من أو نوعين لأن أسعار مرتفعة جداً ، ولا قدرة لمعظمنا على شرائها لأن الإنتاج لا يمكن أن يغطي تكاليف التقليم والري والحراثة وما إلى ذلك”.
“التسويق له ناسه”
من جهته، بيّن تاجر الحمضيات زياد ديب خلال حديثه لتلفزيون الخبر أن هذا العام يمكن القول أنه ” جيد من ناحية ربحهم كتجار كون هذا العام الانتاج قليل نوعا ما”، مشيراً إلى أنهم يدفعون سعر الكيلو على الشجر ما بين 3000 ليرة و5000 آلاف لمعظم الأنواع باستثناء الماوردي والذي يبدأ من 7000 آلاف ليرة وما فوق في حال كانت الثمرة جيدة من حيث الحجم والملمس”.
وأشار “ديب” إلى أن ” كل كيلو يكلّف من عمال ونقل وفرز وما إلى ذلك 1200 ليرة سورية، وأن كل كيلو يباع بأقل من 4500 إلى 5000 يعتبر خاسراً، لكن نحن نضمن ربحنا كوننا جهة وسيطة بين المنتج والمستهلك، في حين أن حسابات المزارعين تختلف عن حساباتنا، وهم يجدون أنه خاسرون مع هذه الأرقام بسب الكلف الكبيرة من ثمن الاسمده الذي لا يتناسب مع مواسمهم وأوضاعهم يضاف إلى ذلك كلف الري بسبب غلاء المحروقات”.
ولفت “ديب” إلى أنهم “خلال عملهم وتنقلهم بين مناطق كثيرة وجدوا أن المزارعين يتجهون إلى زراعة الفواكه الاستوائية بشكل كبير، مع العلم أن زراعتها مكلفة جداً إلا أنها ومع ذلك تحقق ربحاً كبيراً يعود بالفائدة على المزارع”.
خطوات حكومية
من جهته، بيّن الدكتور حيدر شاهين مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة لتلفزيون الخبر أن “هناك جهود كبيرة تبذلها وزارة الزراعة للنهوض بواقع الحمضيات والارتقاء به كونه محصول استراتيجي ويشكل قاطرة الإنتاج الأولى وعامل الاستقرار الأول في الساحل السوري”.
ولفت “شاهين” إلى أن “الموسم هذا العام مبشر من حيث الإنتاج وجودة الثمار وخلوها من الأثر المتبقي للمبيدات، وهذه الميزة تكسب المنتج قيمة مضافة وقدرة على المنافسة خارجياً، حيث يقدر الإنتاج الزراعي هذا العام ب 688 ألف طن، موزعة على أربع مجموعات وهي الحامض 95 ألف طن، والبرتقال 438 ألف طن، الليمون الهندي 35 ألف طن، و مجموعة اليوسفي 118 ألف طن، وتأتي اللاذقية في المرتبة الأولى بالانتاج حوالي 540 ألف طن، تليها طرطوس حوالي 147 ألف طن”.
وأضاف مدير مكتب الحمضيات أنه “تم وضع خطة متكاملة لتسويق الحمضيات وإيصالها للأسواق الخارجية وبالتالي تحقيق العدالة في الأسعار والاستقرار في السوق المحلية، وعدم حدوث الاختناقات وخاصة في وقت الذروة وهي تتألف من عدة نقاط”.
وتتمثل الخطة وفق شاهين ” بتكليف المؤسسة السورية للتجارة بشراء 20 ألف طن من الإنتاج خاصة خلال فترة ذروة الإنتاج، والإعلان عن أسعار الشراء حسب النوع والصنف والمواصفات، ومنح المؤسسة السورية للتجارة سلفة 7 مليارات كحد أدنى لتعزيز قدرتها على تسويق الإنتاج”.
“إضافة لتمديد تخفيض السعر الاسترشادي للبراد أو حاوية الحمضيات إلى 2000 دولار بدلاً من 8000 دولار، وتمديد العمل بقرار تخفيض البدلات المرفئية المترتبة على المنتجات الزراعية المصدرة ذات المنشأ السوري بنسبة 75%، و تأمين المحروقات لمراكز الفرز والتوضيب وخاصة خلال فترة ذروة الإنتاج” بحسب “شاهين”.
كذلك” قيام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات بإقرار دعم تصديري بنسبة 25% من كلف الشحن البري، والبحري خلال الفترة من 1 / 11 / 2024 وحتى 28 / 2 / 2025 (فترة ذروة الإنتاج)، وبنسبة 10 % خلال الفترة من 1 / 3 / 2024 وحتى 30 / 5 / 2025.”
وأضاف “شاهين” أن الخطة تضمنت “السماح لمصدري العبوات البلاستيكية من العراق والمحافظات الأخرى والسماح للبرادات المحملة بالحمضيات العائدة من العراق بتعبئة خزانتها من مادة المازوت”.
كما “تستمر وزارة الزراعة بالعمل في برنامج الاعتمادية، وتقديم الغراس مجاناً للمزارعين لاستبدال أشجار الحمضيات الهرمة شرط التقيد بالخارطة الصنفية ومسافات الزراعة، واستكمال إجراءات المسح الشامل لكافة حقول الحمضيات في محافظتي اللاذقية وطرطوس بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء وهيئة الاستشعار عن بعد” وفق المدير.
ولفت الدكتور “شاهين ” إلى أن “الوزارة معنية بالمحافظة على مزارعي الحمضيات وعلى بساتينهم من حيث تأمين مستلزمات العمل الزراعي من مازوت زراعي مدعوم والأسمدة وتأمين الكهرباء للمناطق التي لا يوجد فيها ري حكومي”.
وختم الدكتور حيدر شاهين حديثه أن “إحداث مكتب الحمضيات بوزارة الزراعة هو بهدف الإشراف الفني على هذا المحصول الحيوي وتقديم النصائح العلمية والفنية وعلى مدار الأسبوع من كوادر المكتب الموجودة لخدمة الإخوة المزارعين، و أيضاً القيام بجولات ميدانية للحقول والبساتين والكشف والتحري عن الأمراض والآفات، وشرح كيفية التعامل معها بشكل علمي في حال وجودها”.
“حبر على ورق”
وأوضح عدد من المزارعين الذين استطلع تلفزيون الخبر أرائهم حول آلية التسويق الحكومية والخطوات المتخذة للتخفيف عنهم، أكدوا “أنها “حبراً على ورق” لأن الكمية التي تستجرها المؤسسة لا تشكل نسبة تذكر من انتاجنا، إضافة إلى أننا نشتري معظم حاجتنا من الأسمدة من السوق الحرة”.
ولفت المزارعون إلى أن كل شجرة تحتاج إلى 3 كيلو غرام من السماد بأبسط الأحوال وهذه الكمية ثمنها بأقل الأحول 100 ألف ليرة سورية، فعن أي دعم يتحدثون؟.”
وأشار المزارعون إلى أنهم “محكومون بمحاصيلهم نتيجة عوامل عديدة كالتربة و موقع أرضهم وتأثير المناخ، وما تربوا عليه منذ أيام أجدادهم، وبالأمل الذي يبحثون عليه كل عام ليضمد جيوبهم المليئة بالثقوب” على حد وصفهم.
شذى بدّور _ تلفزيون الخبر