بعد تسويقها درامياً.. اختصاصي نفسي يتحدّث عن ظاهرة حب الطالبة لمعلّمها وآليّة احتوائِها
طرحت الدراما العربية والمحلية في عدة أعمال حكايا حب الطالبات في المدارس والجامعات لأساتذتهن، وذلك في سياق درامي دون التطرق بشكلٍ أكاديمي ومباشر للأسباب التي تؤدّي إلى ذلك، وآليّة المعالجة السليمة التي تجنّب طالبات بهذه الفئة العمرية الآثار السلبية لهذه المشاعر على بنيانهن الوجداني، ودور المعلّم والأسرة.
وتُعدّ ظاهرة تعلّق الطالبات بمعلميهن لدرجة العشق من الظواهر المنتشرة إلى حد كبير، بحسب اختصاصيين نفسيين، وقد تبدو ملحوظة بشدة في مرحلة المراهقة، الفترة التي تبحث فيها الفتاة عن الرجل الكامل، الرزين، والذكي، بالمقارنة مع من تعرفهم ضمن محيطها الاجتماعي ممّن لا يحملون تلك الصفات.
تجارب وآراء
قال مدرّس مادة الرياضيات في إحدى مدارس محافظة طرطوس، جلال (اسم مستعار)، لتلفزيون الخبر “أنا كمدرّس لا أعلم ما يدور في عقل الطالبة من أفكار قد تكون انجذاب أو إعجاب أو حب بغرض الزواج أو غيره.. لكنني على يقين بأن مشاعر الطالبة في هذه المرحلة العمرية، وخصوصاً الثانوية منها، هي مشاعر مختلطة ومتخبّطة، وهذا بدوره يعود إلى عوامل عدة”.
وتابع جلال (43 عاماً) إن “انجذاب الطالبة إلى المعلم قد يكون تعويض للفاقد الأبوي في أسرتها أو قد يرجع إلى شخصية المعلّم وشكله وأسلوبه، خصوصاً إذا ما كان فارق السن ليس كبيراً وغير متزوّج، بالتالي هذا يُثير رغبة الطالبة بالارتباط بهذا المعلّم أو ذاك”.
وأضاف “جلال” أنه “من جهة نفسية قد يعود لغريزة المرأة في التقافز العلوي، الذي يؤدّي بالنتيجة إلى ميل الطالبة لمعلّمها، باعتبار أنها تقر في نفسها أنها أنثى مرغوبة وجميلة، وتعتبر ذلك المعلّم مضموناً كونه حاصل على شهادة علمية، وهو في سن مناسب أو قد يكون مستقراً مادياً، وهو ما ترغب به المرأة بشكلٍ عام لتثبت لقريناتها أنها تفوّقت عليهن في الاختيار”.
وذكر “جلال” مثالاً أنه “أعرف زميلاً ارتبط بطالبته في المرحلة الثانوية وعقد عليها، قبل سنوات، إلّا أن ذلك لم يستمر سوى عام واحد فقط، وسرعان ما تمّ الانفصال”.
وأردف مدرّس الرياضيات حول تجربته “شخصياً تعرّضت لمثل هذه النظرات والإيماءات التي وصلت في بعض الأحيان إلى الاعتراف بالحب والإعجاب، واستطعت في كل مرة احتواءهن وتقدير مشاعرهن تجاهي والمسارعة في إظهار عدم تبادل الشعور لأقطع الطريق على من تريد الاستمرار أو ربما المراهنة”.
“لأنني أرى أن العلاقة بين المدرّس والطالبة لا يجب أن تكتمل على الأقل في هذه المرحلة أو مع تلك الفئة العمرية، لذلك من وجهة نظري يجب أن تنحصر علاقة المعلم بطالباته ضمن الحدود الأخلاقية، ويجب ألّا تتعدى أو تتجاوز أسوار المدرسة أو صفحات الكتاب”، يختم “جلال” حديثه لتلفزيون الخبر.
من جهته، قال علاء (مدرّس لغة عربية) بإحدى مدارس محافظة اللاذقية، لتلفزيون الخبر “لم أتعرّض لهذه المواقف حتّى الآن خلال سنوات عملي، وغالباً مشاعر الطالبات في هذه المرحلة العمرية متخبّطة، فهي تحب شخصية أستاذها، أسلوبه بالحديث، وربما أناقته”، وتابع “لكن الأكيد أن هذه المواقف تحتاج كثيراً من الحذر لاحتوائها ومعالجتها دون أيّ آثار سلبية”.
واستبعد علاء (37 عاماً) أن تميل طالبة لحب أستاذ غير أنيق مثلاً، فظ، أو جدّي وغير مزوح، مبيناً أنه “من الضروري إدراك الجانب الذي أدّى لإعجاب الطالبة بأستاذها لمعرفة الأسلوب الأكثر جدوى لمعالجة الموقف، إذ أن الأسباب تتعدد وتتشابك، وغالباً ما يكون هناك مسببات نفسية أو فقدان عاطفي في حياة الطالبة الأسرية، بالتالي تقع على عاتق المعلّم مسؤولية لاحتواء الحالة وتخطّيها بطريقة مدروسة”.
ماذا يقول علم النفس؟
أوضح اختصاصي علم النفس الصحي، والأستاذ في كلية التربية بجامعة تشرين، الدكتور فؤاد صبيرة، لتلفزيون الخبر إنه “يُعدّ الإعجاب المرحلة الأولى من التعلّق بالمعلم لدى الطالبات البنات، ومن ثم يأتي العشق والحب له، وقد يتطوّر لدرجة الإدمان، إذ تبدأ بالهيام والتفكير والحديث عنه لساعات طويلة خلال اليوم”.
وتابع “صبيرة”: “لدرجة أن الطالبة تُبدي الرغبة في أن ينقضي الوقت بسرعة حتّى يتسنى لها رؤية أستاذها من جديد، الأمر الذي قد يؤثّر على استجاباتها الانفعاليّة والمعرفيّة، ممّا يؤثر لاحقاً على نفسيتها ومن ثم تحصيلها الدراسي”.
وأضاف الاختصاصي: “لذا يكون لا بد في هذه الحالة أن تتنبه الأسرة لهذا الأمر، والبدء بالتواصل مع المعلّم وإخباره بشكلٍ صريح بتعلّق وعشق الطالبة له، والطلب منه مساعدتهم في ضبط الحالة ومساعدة ابنتهم على تجاوز تلك المشاعر، دون أن تترك آثاراً سلبية على بنيانها الوجداني”.
وعن أسباب هذه الظاهرة، أجاب “صبيرة” أن “من أسباب هذه الظاهرة التبلد العاطفي وضعف الاستجابة الانفعاليّة من قبل الأهل أو غياب الأب لسبب أو لآخر، ممّا ينتج عنه فقد الفتاة للمشاعر الأبوية، بالإضافة إلى أشكال القمع ومصادرة آراء الأبناء وعدم السماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم”.
وبيّن اختصاصي علم النفس الصحي أن “للمفرزات السلبية التي تتلقاها الفتيات من تقنيات العالم الافتراضي أثراً سلبياً أيضاً، يتمثل في تهييج وتقليب عواطفهن ومشاعرهن بشكلٍ يُخالف مسارها الصحيح”.
وشرح “صبيرة” أن “للأم دوراً كبيراً في معالجة هذه الظاهرة، وذلك من خلال الحديث الإيجابي مع الابنة دون لوم أو توبيخ لأنها أحبّت وعشقت معلّمها، الذي هو أكبر منها سناً، والهدف هو تلافي الإصابة بصدمة عاطفية وجدانية ينتج عنها أعراض سلبية على مستوى الفكر والسلوك”.
وفسّر “صبيرة” أن “ذلك يكون من خلال توعيتها حول هذا الموضوع بشكلٍ غير مباشر، كالحديث مثلاً عن الحياة الزوجية وصفات شريك الحياة المناسب.. وغير ذلك”.
ولفت الاختصاصي إلى أن “للأب دوراً مهماً ومركزياً أيضاً في مساعدة الابنة، ذلك من خلال الحديث اليومي والمتواصل معها، وإخبارها باستمرار بأنه الداعم والمساند لها في كل زمان ومكان، كي تشعر بالأمان والطمأنينة والتعويض، ممّا يعزز ثقتها بنفسها أكثر، وقد يكون ذلك من خلال الخروج المتكرر معها من وقتٍ لآخر”.
وأشار الدكتور “صبيرة” إلى “ضرورة ملء أوقات فراغ الابنة بالأنشطة والهوايات المتنوّعة، ممّا يعوّضها ويخفف بشكلٍ تدريجي من انشغالها بالتفكير بمعلّمها”.
وينظر علم النفس إلى ظاهرة إعجاب البنات بالمعلم على أنها “من علامات التطوّر النمائي النفسي والعاطفي، إذ تشكّل كل فتاة في فكرها وخيالها أنموذجاً للرجل أو الشريك المثالي المستقبلي، ومن ثم إسقاط هذا التصوّر على الرجال الذين يتواجدون في محيطها الاجتماعي أو الافتراضي”، وفق الاختصاصي.
وبيّن “صبيرة” أنه “غالباً ما يتم اختيار المعلّم أو الأستاذ من قبل الطالبات لأن فتح قنوات للتواصل اليومي معه يكون أسهل بكثير من غيره، بالإضافة إلى أنه يتسم بالمقبوليّة الاجتماعية”.
يُشار إلى أن “التعلّق والإعجاب أو العشق للمعلّم لا يستمر لفترة طويلة عموماً، إذ يقل ويتلاشى مع مرور الوقت، بالتوازي مع استمرارية عملية النضج النفسي والاجتماعي والانفعالي للإناث، وفيها تصبح أقل خياليّة وأكثر ارتباطاً بالواقع والقيم الاجتماعية السائدة”، بحسب “صبيرة”.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر