مجلة بريطانية تتحدّث عن شعبية المتة في سوريا.. واختصاصيون يشرحون الفوائد الطبية والمخاطر
نشرت مجلة “كايوس” البريطانية مقالاً لباحثين سوريَين بعنوان “التوثيق الإثني النباتي للاستخدام الشعبي لنبات المتة في سوريا”، إذ تناول الأهمية الشعبية لهذا المشروب العشبي التقليدي في سوريا.
وقال الباحث الدكتور شادي خطيب، لتلفزيون الخبر، إن “هذه الدراسة أنجزت بالتعاون مع الدكتور عمر الجباعي، والجمعية العلمية السورية للأعشاب الطبية والطب التكميلي والتجانسي والتغذية، إذ تعتبر المتة من المشروبات العشبية التقليدية التي تُستهلك بسبب تأثيراتها المنشطة وفوائدها الصحية، وتتمتع بارتباط ثقافي عميق في سوريا”.
وتابع “خطيب”، إن “البحث المنشور يوثّق الممارسات الثقافية والاجتماعية والصحية المحيطة باستخدام المتة في سوريا، بعد أن أدخلها المهاجرون من أمريكا الجنوبية في أوائل القرن العشرين، مع تسليط الضوء على دمجها في العادات المحلية وتحضيرها بالأعشاب”.
وأوضح الباحث الدكتور عمر الجباعي، لتلفزيون الخبر، إنه “تم استكشاف وتوثيق الاستخدامات التقليدية، والممارسات الاجتماعية، وأساليب تحضير المتة بين المستهلكين السوريين، ودراسة الفوائد الصحية والأهمية الثقافية المرتبطة بها، من خلال توزيع استبيان الكتروني على 430 مشاركاً من مختلف المناطق في سوريا”.
وأضاف “الجباعي”، إن “ذلك لجمع بيانات حول عادات استهلاك المتة، الممارسات الاجتماعية، أسباب الاستخدام، التأثيرات المتوقعة، وطرق التحضير التقليدية”.
وتابع “الجباعي”، إنه “تم تحليل البيانات الكمية والنوعية باستخدام برامج إحصائية، كما تم استخدام مؤشر تكرار الاستشهاد النسبي (RFC) لتقييم انتشار الإضافات العشبية في تحضيرات المتة”.
وأردف “الجباعي”، إنه “جرى تعزيز النتائج باستبيانات ميدانية لعدد من المناطق التي تشتهر باستهلاك المتة تقليدياً، مثل القلمون في ريف دمشق، السويداء، درعا، حمص، السلمية والغاب في ريف حماة، اللاذقية، طرطوس، وبعض مناطق ريف حلب”.
وأشار “الجباعي”، إلى أنه “في منطقة القلمون، من المعتاد أن تتشارك المجموعات كوباً واحداً وقشة واحدة أثناء الزيارات الاجتماعية، ترمز إلى الوحدة والصداقة، إذ تُنقع الأوراق لفترة وجيزة في الماء، ثم تُشطف القشة بين المستخدمين”.
ولفت “الجباعي” إلى أنه “في المقابل، تستخدم المناطق الساحلية أكواباً وقشاً فردية، إذ تُنقع الأوراق في الماء البارد قبل إضافة الماء الساخن، بينما في السويداء، يُفضّل تناول المتة كمشروب صباحي، حيث يتمتع المشروب بأهمية ثقافية خاصة في مناطق مثل طرطوس، السويداء، السلمية، والقلمون”.
ماهي الاستخدامات الطبية للمتة؟
من جهته، أوضح عضو الهيئة التدريسية في جامعة “المنارة”، ورئيس الجمعية العلمية السورية للأعشاب الطبية والطب التكميلي والتجانسي والتغذية، الدكتور شادي خطيب، لتلفزيون الخبر، إن “هناك استخدامات طبية كثيرة لمشروب المتة، وفقاً لأحدث الدراسات العلمية”.
وشرح “خطيب”، أن “من هذه الاستخدامات خصائصها المضادة للأكسدة، والتي تحمي الخلايا من الإجهاد التأكسدي، وقد تساعد في الوقاية من تطوّر الأمراض المزمنة، مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية”.
وأضاف الدكتور “خطيب”، إن “تعزيز صحة القلب من الاستخدامات الطبية لمشروب المتة، إذ تُظهر الدراسات أن المتة يمكن أن تساعد في الحفاظ على مستويات صحية من LDL (الكوليسترول الضار) مع زيادة HDL (الكوليسترول الجيد)، وهذا يساهم أيضاً في تحسين صحة القلب”.
وتابع “خطيب”، إن “المتة ترتبط بفوائد فقدان الوزن، إذ تحفّز أكسدة الدهون وتعزز مشاعر الشبع، مما يمكن أن يساعد في إدارة الوزن، وتشير بعض الدراسات إلى أنها يمكن أن تعزز معدلات الاستقلاب أثناء التمرين”.
وأردف “خطيب”، إن “لمشروب المتة خصائص مضادة للالتهابات، إذ تساعد في تقليل الالتهابات بالجسم، مثل التهاب المفاصل والاضطرابات الالتهابية الأُخرى، إضافةً لتعزيز الهضم، إذ كانت تُستخدم تاريخياً للمساعدة في الهضم وتخفيف الانزعاج المعوي، مما يجعلها خياراً ممتازاً لدعم الهضم”.
وأشار “خطيب” إلى أن “للمتة دور في زيادة الوظيفة الإدراكية والمزاج، إذ يمكن أن يحفّز الكافيين الموجود فيها اليقظة العقلية والتركيز والمزاج”.
وبيّن “خطيب”، أن “للمتة خصائص مضادة للميكروبات، إذ تشير بعض الأدلة الأولية إلى امتلاكها قدرات مضادة للجراثيم، وقد تساعد في الوقاية من العدوى البكتيرية والفطرية، كما تشير بعض الأبحاث إلى احتوائها على ميزات مضادة للميكروبات، تشجّع على الحماية من العدوى”.
ولفت “خطيب” إلى أن “الدراسات تُظهر أن المتة يمكن أن تعطّل البكتيريا مثل الايشيريا القولونية، وهي السبب الرئيسي في التهابات المسالك البولية، كما أن لها خصائص مضادة للأكسدة ومضادة للالتهابات قد تساعد في دعم صحة المسالك البولية”.
وأوضح “خطيب”، أن “معظم الأدلة الحالية مستمدة من دراسات مخبرية أو نماذج حيوانية، وهناك حاجة إلى تجارب سريرية أكثر دقة لتأكيد هذه الفوائد على الإنسان”.
وذكر “خطيب”، أن “للمتة فوائد في إدارة مرض السكري، نظراً لأنها قد تعزز حساسية الأنسولين وتتحكّم في مستويات السكر بالدم، وهذا يُعدّ ذا قيمة خاصة للأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني”.
وشرح الدكتور “خطيب”، أن “للمتة خصائص كيميائية وقائية أيضاً، فهناك مؤشرات على أنها قد تمتلك خصائص وقائية كيميائية تساعد في منع الأضرار الخلوية التي قد تسبب السرطانات”.
و “وجدت إحدى الدراسات أن النساء بعد انقطاع الطمث اللاتي استهلكن أكثر من 1 لتر يومياً من منقوع المتة لمدة لا تقل عن 4 سنوات، أظهرن كثافة معدنية للعظام أعلى بنسبة 9.7% في العمود الفقري القطني و 6.2% أكبر في عنق الفخذ، مقارنةً بمجموعة متطابقة من غير الشاربات”، وفق “خطيب”.
وأضاف “خطيب”، إن “هذه النتائج تشير إلى أن استهلاك المتة يمكن أن يؤثر بشكلٍ إيجابي على معايير العظام، ومع ذلك، يبدو أن استهلاك المتة ليس مرتبطاً بانخفاض خطر الكسور ولا يؤثر بشكلٍ واضح على الاستقلاب العظمي”.
وتابع “خطيب”، إن “النتائج أظهرت أن 89.2% من المشاركين يستهلكون المتة بانتظام، وكانت الفوائد الصحية دافعاً رئيسياً لـ60% منهم، كما أظهر الاستبيان أن المتة تستهلك بكميات تزيد عن 200 غرام أسبوعياً عند نسبة كبيرة من العينة المدروسة (51.6%)، ويستخدمها 50% من المشاركين يومياً”.
ولفت الدكتور “خطيب”، إلى أنه “بينما تُستخدم المتة غالباً لخصائصها المدرّة للبول، إلّا أن الأدلة السريرية التي تدعم هذه الفوائد لا تزال غير كافية، قد يساهم شاي المتة في تعزيز الإدرار بسبب محتواه من الكافيين، وهو مدر معروف يعزز وظيفة الكلى، مما يؤدّي إلى زيادة التبوّل، لكن مدى هذا التأثير يتفاوت اعتماداً على جرعة الكافيين”.
و “على الرغم من أن المتة لها العديد من الفوائد الصحية المثبتة، أفاد المشاركون في الاستطلاع بوجود بعض الآثار الملحوظة: 38.5% عانوا من زيادة في التبوّل، و 20% لاحظوا نشاطاً ذهنياً متزايداً، و 24.5% لم يلاحظوا أي تغييرات”، وفق
“خطيب”.
ما المخاطر المحتملة للمتة؟
وأكّد الدكتور “خطيب” على “ضرورة رفع الوعي حول الآثار السلبية المحتملة لمشروب المتة، والتأكيد على أهمية الجرعة الصحيحة منها، وتسليط الضوء على مخاطر التفاعلات مع الأدوية”.
وأضاف “خطيب”، إن “الاستهلاك المتكرر للمتة، خاصةً عند درجات حرارة عالية أو بكميات كبيرة على مدى فترات طويلة، قد يزيد من خطر بعض السرطانات، مثل تلك التي تؤثر على الفم والحلق، بحسب العديد من الدراسات”.
وأوضح “خطيب”، إنه “يجب على الأشخاص الذين يعانون من حالات مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب استشارة مختصي الرعاية الصحية قبل استهلاك المتة، نظراً لمحتواها من الكافيين”.
وأشار الدكتور “خطيب” إلى أن “تناول الكافيين العالي، خاصةً عندما يتزامن مع أدوية مدرّة للبول تخفّض البوتاسيوم، يؤدّي إلى استنفاد البوتاسيوم وزيادة الإدرار”.
طريقة فريدة لاستهلاك المتة في سوريا
قال الباحث الدكتور عمر الجباعي، لتلفزيون الخبر، إنه “يتم تعزيز المتة السورية عادةً بإضافة أعشاب متنوّعة، سواء محلية أو مستوردة، وتشمل الإضافات المحلية: الزهورات الدمشقية، الزعتر البري، الشيح، المردكوش، البابونج، عشبة الليمون، زهر الليمون، الغار، إكليل الجبل، المليسة، الريحان، النعناع، الورد الجوري، الميرمية، وزهرة الماسة”.
وتابع “الجباعي”، إن “الخيارات المستوردة تشمل: الزنجبيل، القرفة، القرنفل، الهال، الشاي الأخضر، والستيفيا”، مشيراً إلى أن “تفضيلات الأعشاب تختلف حسب الأذواق الشخصية، في حين يضيف آخرون الحليب أو الليمون إلى الشراب، والبعض يستخدم عشبة الستيفيا المحلي الطبيعي أو محليات صنعية بديلة”.
و “كشف استطلاع أن 68.6% من مستهلكي المتة المنتظمين من السوريين يفضلون إضافة الأعشاب في تحضيرها، إذ يعكس هذا التقليد المتجذّر في الثقافة السورية، تراثاً غنياً، إذ تُختار الأعشاب ليس فقط للنكهة، ولكن أيضاً لخصائصها المعززة للصحة”، بحسب “الجباعي”.
يُشار إلى أن المتة استقدمت إلى بلاد الشام في مطلع القرن العشرين مع حركة الهجرة إلى أمريكا الجنوبية، إذ جلبها المهاجرون العائدون من هناك، وانتشرت في الشام، خاصةً في سوريا ولبنان، وتصنّف سوريا باعتبارها البلد الأكثر استهلاكاً للمتة خارج أمريكا الجنوبية.
وبحسب “مؤسسة المتة الوطنية الأرجنتينية”، فإن “العديد من السوريين وصلوا إلى الأرجنيتن ما بين 1850 و 1860 و (وقعوا بحب المتة)، وأعادوها معهم إلى بلادهم واعتنقوها كشراب خاص ودمجوها بتقاليدهم، لدرجة أن المناطق المجاورة لهم يعتقدون أن المتة هي تقليد شرق أوسطي”.
و “كان أول تصدير مسجّل للمتة إلى سوريا عام 1936، وتتواتر بكميات كبيرة منذ ذلك الحين، إذ بقيت سوريا ثاني أكبر المستوردين بـ39.6 طن عام 2018″، وفق “مؤسسة المتة الوطنية الأرجنتينية”.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر