محافظة حلب تكتشف تقصير بلدية حلب “فجأة” .. ما سر قرار مجلس المحافظة الأخير؟
اشتهرت مدينة حلب عبر تاريخها الثري بامتلاكها سمات فريدة ميزتها عن قريناتها من المدن، فهي من أقدم المدن المأهولة بالسكان عبر التاريخ، وتقع على مفترق طرق تجارية متعددة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وتعاقب على حكمها الحيثيون والآشوريون والعرب والمغول والمماليك والعثمانيون.
وفي الوقت الحالي، تعرضت حلب لحرب شرسة وهمجية، طالت البشر والحجر فيها، واحتل معظم ريفها، وأكثر من نصف أحياء مدينتها من قبل متطرفين لرفضها الخروج على الدولة السورية والمشاركة فيما أطلق عليه “الثورة السورية”.
وتعرض سكان المدينة للقصف العشوائي على مدى أكثر من أربع سنوات بقذائف الهاون، والصواريخ، ووصل الأمر بالمسلحين لملئ “قازانات الحمام” بالمواد المتفجرة وقصف سكان المدينة بها بشكل عشوائي، بسبب مساندتهم لدولتهم، واتهموا بالخيانة والكفر.
ماذا حدث بعد تحرير المدينة؟
رغم التضحيات المقدسة التي قدمها الجيش العربي السوري، لتحرير مدينة حلب من الإرهاب، والذي تمثل بطرد المسلحين منها أواخر العام 2016 م، إلا أن الخدمات التي تبعت التحرير لم ترتق لمستوى التضحيات، ولا تزال المدينة حتى اليوم تعاني من ضعف الخدمات من المياه للكهرباء لتجارة الأمبيرات والفساد وفوضى السلاح، وممارسات المتنفذين.
ونشرنا في تلفزيون الخبر عشرات الأخبار والتقارير بهذا الصدد، وعدد كبير من الفضائح التي تورط فيها مسؤولين مؤتمنين على المدينة، أو بالأحرى كان من المفترض أن يكونوا كذلك.
ما مناسبة الحديث الآن؟
قبل أيام، وخلال انعقاد جلسة مجلس محافظة حلب للدورة العادية الخامسة لعام 2024م ، تناقلت وسائل إعلام وصفحات إخبارية و”فيسبوكرز” تسريباً غريباً حول اقتراح اتخذ بالإجماع بـ” إعفاء رئيس مجلس مدينة حلب بسبب ضعف الأداء الوظيفي، وانتشار مخالفات البناء، وسوء حالة النظافة، والتعاطي السلبي مع المواطنين وهدر المال العام”.
لماذا يعد هذا القرار “غريباً” ؟
كل مافي القرار يبدو غريباً، فرئيس مجلس مدينة حلب، معد المدلجي، يتولى هذا المنصب منذ عام 2018 م، يعني منذ أكثر من ست سنوات، ليكتشفوا اليوم “فجأة” أن أداءه ضعيف، وما إلى ذلك من بقية ما ورد في المقترح.
كما أن تسريب الخبر لكل من هب ودب من وسائل الإعلام وصفحات السوشال ميديا، التي اعتبرته سبقاً دون أن تتوقف قليلاً لتفكر بالتوقيت والطريقة، وخاصة تاريخ المدينة (غير الصحي) بالتعامل مع الصحافة وصعوبة الحصول على المعلومة فيها.
هل يعني ذلك أن القرار في غير محله؟
حكماً رئيس مجلس المدينة كغيره من المسؤولين القائمين على واقع المدينة الخدمي اليوم مقصر، وربما أكثر، لكن الأمر يستحق الوقوف عنده، والبحث بحيثياته، كي لا يبق تداول الخبر مجرد “اجترار”.
ويحق لأي متابع أن يسأل مجلس المحافظة الموقر “ هل قام بمحاسبة رئيس مجلس المدينة عند انهيار بناء مخالف حديث حي الصالحين بتاريخ 28/8/2020 والذي أودى بحياة أسرة كاملة تحت الانقاض؟”.
وأين كان المجلس عند “انهيار بناء حي الفردوس بتاريخ 7/9/2022، بعد أن كان البناء مشمعاً، وتم فك الشمع من قبل المتعهد وبالتواطئ مع فاسدين في مجلس المدينة، أدى إلى إزهاق أرواح 14 شخصاً” .
وأين المجلس من “انتشار المئات من المخالفات، والبسطات، ومشكلة الأسواق، والمخالفات المالية لمجلس المدينة التي وصلت حد وجودها على شبكة الانترنت، لم يعذب أي مسؤول نفسه بالبحث عنها والتحقيق فيها، على مدى سنوات”.
وهل اكتشف المجلس “فجأة” بعد ست سنوات تقصير رئيس مجلس المدينة، عندما سرت شائعات بترشيحه لمقعد وزاري، يطمح له مسؤول آخر كبير في حلب؟.
يرى الصحفي الحلبي رضا الباشا في تصريح لتلفزيون الخبر، أن المكتب التنفيذي لمجلس المدينة يعاني حالة من “الترهّل”، مشيراً إلى أن الخدمات في المدينة وصلت لحالة “يندى لها الجبين” .
ويؤكد “الباشا” أن المحافظ يتحمل إلى جانب رئيس مجلس المدينة المسؤولية في المخالفات، وتراجع الأداء الخدمي، كونه شريكاً في تعيين عدد من المسؤولين في مجلس المدينة.
ما دلالة التوقيت اليوم؟
يكشف الصحفي الحلبي، والمتابع لأخبار المدينة، صهيب المصري لتلفزيون الخبر أنه “في الفترة الأخيرة، تم تداول اسم رئيس مجلس المدينة، ومسؤول آخر كبير في حلب، كوزيرين قادمين ضمن التشكيلة الحكومية القادمة”.
ويتابع “المصري” أنه “ على الرغم من صوابية القرار المقترح بالإعفاء إلا أنه لا يخرج من كونه عملية حرق أوراق خلال هذه الفترة”.
هل هذه حلب التي ضحينا جميعاً من أجلها؟
لا يختلف اثنان على الواقع المتردي لواحدة من أعرق مدن التاريخ، وعلى الرغم من التوصيات المستمرة بالمدينة التي كانت حتى الأمس القريب عاصمة الاقتصاد الوطني، لا يزال مسؤولوها دون مستوى التضحيات التي قدمتها.
فهل يجب أن يسأل مجلس المحافظة عن توقيت اتخاذه لهذا الاقتراح وسكوته طيلة الفترة السابقة؟ ويحاسب، أم يجب أن يحاسب المجلس البلدي المقصر على ما وجهه له مجلس المحافظة؟ وهل يجب أن يتم البحث في قضية “ما ورائيات” القرار، وإذا ثبت وجود مثل هذه الأسباب محاسبة المسؤولين عنها.
مهما ستكون الأجوبة على الأسئلة السابقة، هناك ثابت وحيد، وهو أن تضحيات المدينة تستحق مسؤولين أفضل، وتستحق أن ترتاح منهم.
تلفزيون الخبر