العناوين الرئيسيةحواديت

ما هي حكاية “يوم الأربعاء” عند الحماصنة؟ .. من المؤكد أنك سألت نفسك

أن تكون حمصيّاً فهذا يعني حكماً أنك شخص ظريفٌ وخفيف الظل، تحفظ النكات، وتطلِقها ولو على نفسك، وتعرف أن الآخرين يقولون أن لديك يوم مميز هو “يوم الأربعاء” بمثابة يوم عيد “يجن” فيه الحماصنة، وتضحك معهم على ما تعتبره مجرد “نكتة”.

 

وتعددت الروايات عن حقيقة هذا اليوم، أولها تاريخي ارتبط بالغزو المغولي للبلاد العربية، واحتلالهم بغداد والموصل، وتقول الرواية أن سكان حمص شعروا بالخطر وقرروا الاستفادة من إجراء كان متبعاً أيامها، وهو الحَجْر على المجانين والخوف منهم خشية انتقال جنونهم إلى العقلاء.

 

فاجتمع الحماصنة، وفق الرواية، وقرروا التظاهر بالجنون، وصادف قيامهم بهذا التكتيك مع وصول المغول إلى حمص في يوم الأربعاء، فتراجعوا عن المدينة خوفاً من انتقال الجنون، فانتصر الحماصنة يومها لكن صيتهم ذاع أن سكان حمص قد جنوا جميعاً.

 

أما الرواية الثانية فهي إسلامية، مع اتباع المسلمين عادة أن يصلوا صلاة الجمعة ثم يتجهون للفتوحات في الأيام التي تليها، ويقال أن الحماصنة أسرعوا للقيام بهذا العمل بإحدى المعارك الدفاعية، وسبّقوا صلاة الجمعة إلى يوم الأربعاء، فذاع صيتهم أيضا بالجنون .

 

وآخر الروايات “فانتازية” متخيّلة تعود لعصور قديمة مع حكم ملكٌ لمدينة حمص يدعى “شمس”، والذي كان يحتفل في كل يوم أربعاء ويدعو كبار المملكة إلى قصره، فارتبط يوم الاربعاء بالمدينة.

 

ما هي الحقيقة؟

 

والحقيقة، وفق عدة مصادر تاريخية بينها رواية الإمام “ابن كثير” أن الحماصنة كانوا شجعاناً، لم يكونوا بحاجة للدهاء وتمثيل الجنون لإيقاف المغول، فبعد انطلاق القائد المغولي “منكوتمر” بجيشه من الأناضول بقوام 100 ألف جندي، كان الحماصنة بانتظاره، ووقعت معركة فاصلة بين المماليك بقيادة السلطان قلاوون، وجيش المغول .

 

والتحم الجيشان صباح يوم الخميس في شهر تشرين الثاني عام 1281 في حمص، وكاد المغول ينتصرون بعد هزيمة ميسرة جيش المماليك بقيادة سنقر الأشقر وتخلخلت صفوف الجيش المملوكي واقترب من الهزيمة، لكن السلطان قلاوون ثبت في أرض المعركة وحث الجنود على الثبات واستطاع قلب المعركة لصالحه.

 

وأصيب “منكوتمر” في المعركة وانسحب قلب الجيش الذي يقوده بعد انعزال ميمنة جيشه وانشغالها بحصاد الغنائم من ميسرة جيش المماليك المهزومة.

 

وانتصر المماليك في المعركة انتصاراً ساحقاً وطاردوا ميمنة الجيش المغولي، التي لم ينجُ منها إلا أقلّ من عشرين مقاتلاً، أمّا “منكوتمر” فقد توفي متأثراً بجراحه بعد فترة وجيزة.

 

ويعتبر العديد من المؤرخين أن معركة حمص عام 1281، إحدى أكبر وأهم المعارك ضد المغول اللذين لو انتصروا في هذه المعركة لكانت الشام ومصر لقمة سائغة لهم، وحققوا ما عجز عنه جيش كامل بعد هزيمتهم في معركة عين جالوت قبل ثلاثة عقود.

 

فالحماصنة إذاً، أوقفوا جيش المغول الساحق، واستمروا بخفة الظل والحنكة، فالأوقية حمص وحدها تزن 250 غراماً مختلفة عن بقية المدن، ونهرها العاصي يخالف منطق الأنهار العابرة لسوريا.

 

ويمكن القول أن ارتباط حمص بيوم الأربعاء بات وثيقاً وأصبح أحد معالمها كساعتها، وفريق الكرامة المنتمي لها، على أمل أن يعود يوم الأربعاء السعيد مع بهتان بسمة سكانها في ظل الحرب وانعكاساتها التي قتلت خفة دمهم كل أيام الأسبوع.

 

الجدير بالذكر أن للحماصنة لهجة خاصة تميزهم عن باقي المحافظات، وإذا كان تفخيم الجيم في حلب ومد آخر الحروف في دمشق يميز سكان المدينتين، فإن ضم أول حرف في الكلمة هو امتياز حمصي خالص، يمكنك التعرف على ساكنها لمجرد قوله إنه من “حومص”.

 

عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى