الأضواء والأنظار نحو أسواق حلب الأثرية.. كيف بَدَت وماذا بعد الترميم؟
يحتفي أهالي حلب بافتتاح المجموعة الثانية من أسواق المدينة القديمة، الممتدّة على طول الشارع المستقيم وفروعه، لتنضم إلى الأسواق المرمّمة مسبقاً، وهي السقطية1، ساحة الفستق، وسوق الحرير.
وشملت المجموعة الثانية ترميم أربعة أسواق أثرية، أولهم سوق الحدّادين المجاور للجامع الأموي، ويضم 36 محلاً، سوق الحِبال وفيه 57 محلاً، سوق السقطية 2 ويشمل 30 محلاً، وسوق الأحمدية الذي يشمل 19 محلاً، ليصبح بذلك عدد المحلّات المرمّمة ما بين المجموعة الأولى والثانية 274 محلاً تجارياً أثرياً.
وبلغت نسبة تفعيل المحلات التجارية في الأسواق المرمّمة 83%، حسب ما أوضح مدير التنظيم المجتمعي في الأمانة السورية للتنمية، أحمد كبّة، في حديثه لتلفزيون الخبر.
تغيّر جزئي يفرض نفسه على الأسواق المرمّمة رغم الالتزام بالمعايير الآثارية..
يلتزم المعماريون، منفذو أعمال الترميم، والآثاريون المشرفون على التنفيذ، بإعادة الأسواق الأثرية كما كانت عليه معمارياً، لكن تغيّر جزئي في وظيفة الأسواق الأثرية فرض نفسه بحكم الزمن والظروف وتضاؤل ممارسة بعض المهن.
إذ رغم وجود جهة معنية بالموافقة على تغيير وظيفة المحل أو نوعية الأصناف المُباعة فيه، سوق السقطية على سبيل المثال، والذي كان يشتهر ببيع اللحوم، بات يشهد تغيّراً ملحوظاً في وظيفة محلّاته، حيث بدأ بعض أصحابها ببيع أصناف مختلفة غير اللحوم، كالضيافة والتوابل والصابون والشرقيات، ويعزو البعض ذلك إلى غلاء أسعار اللحوم كواحدٍ من الأسباب.
أما سوق الحدّادين، والذي كان يشتهر قديماً بصناعة سروج الخيل، ثم تحوّل إلى صناعة الفؤوس والأزاميل والمسامير، أُدخِلت إلى محالّه مختلف الأصناف التجارية كالألبسة والأقمشة والمكسّرات والضيافة.
حبل الرزق لم ينقطع في سوق الحِبال..
اشتهر سوق الحِبال ببيع مختلف أنواع الحِبال التي كانت تستخدم قديماً لربط المواشي، ورغم اختلاف استخداماته في وقتنا الحالي، إلا أن الحبل مازال مطلوباً في عدّة مجالات، كالكشافة مثلاً، الذين مازالوا يستخدمون مختلف أنواع الحِبال في أعمالهم الكشفية.
وفي هذا السياق يشير أحمد كبة، مدير التنظيم المجتمعي في الأمانة السورية للتنمية، خلال حديثه لتلفزيون الخبر، إلى أن: “تغّير جزئي حدث بنوعية خيوط الحبال المصنّعة، كحبال النايلون أو تلك المصنوعة من البلاستيك، إلى جانب إدخال خيوط صيد السمك، والمكرمية المستخدمة في حمل أحواض الزرع المعلّقة”.
تحدّ وهاجس يلازم المعماريون والآثاريون..
وتشكل إعادة الأسواق الأثرية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، أولى أولويات أصحاب الحس الآثاري، المدركين لقيمة الأماكن التي يجري ترميمها، وهو تحدّ يواجهه منفذو أعمال الترميم، ويراقب مجرياته عن كثب كل من الآثاريين والمشرفين على أعمال الترميم.
فهل عادت أسواق حلب الأثرية إلى ما كانت عليه قبل الحرب من الناحية العمرانية؟ سؤال وجهه تلفزيون الخبر لمدير التنظيم المجتمعي في الأمانة السورية للتنمية أحمد كبّة.
وبيّن “كبّة” في حديثه لتلفزيون الخبر أن: “وجود المخططات التنظيمية ساعد بإعادة الأسواق الأثرية إلى ما كانت عليه قبل الحرب، بنسبة دقيقة جداً”.
وأوضخ “كبّة” أن: “الأسواق الأثرية المرمّمة عادت أفضل مما كانت عليه من الناحية العمرانية، حيث تمّت إزالة المخالفات والتجاوزات الموجودة مسبقاً في بعض المحلّات التجارية، إذ لا يتم ترميم المحل إلا بإزالة المخالفة فيه، إن وجدت”.
وفي سياق متّصل، يرى الباحث في التاريخ والآثار والتراث المهندس عبدالله حجار أن: ” هناك تغييرات عمرانية بسيطة ليست ظاهرية ولا تؤثر من الناحية العمرانية والآثارية، يمكن التساهل بها”.
وأوضح أن: “ترميم الأماكن الأثرية المدمّرة، يتطلب أموالاً ضخمة وتقنيات متطورة إضافة إلى متّسع من الزمن، لكن منفذو ومشرفو أعمال الترميم استطاعوا إعادة الأماكن الأثرية وفقاً للمعايير بنسبة عالية جداً، نظراً لوجود المخططات والصور المأخوذة مسبقاً وبالرغم من الإمكانيات المحدودة”.
ونوّه الباحث “حجار”، إلى الضرر الكبير الذي شهدته حلب القديمة في نظامها العمراني مع تشييد الأبنية ذات الطوابق المرتفعة، موضحاً أن: “طبيعة البيوتات في حلب القديمة لا تتجاوز الطابقين، ووجود أبنية ذات 6 طوابق، كما هو الحال في طلعة خان الوزير مثلاً، من شأنه أن يلغي خصوصية سكان البيوت القديمة، مما ينعكس على قرار عودتهم للسكن في بيوتهم القديمة”.
ما كان يُباع في القاهرة خلال شهر.. يُباع في أسواق حلب بيوم واحد
ويشرح الباحث في التاريخ والآثار والتراث أن: “الأسواق الممتدّة على طول 750 متراً تضم سبعة أسواق وهي سوق باب انطاكية، سوق خان التتن، سوق البهرمية أو الأحمدية أو ما يعرف بـ الجلبي، سوق السقطية 1و2، يليه سوق العطارين، وسوق العبي، وصولاً إلى سوق الزرب المواجه لقلعة حلب.
وتتوزّع الأسواق الأثرية الأخرى، بعرض 300 متر، بمجموع 37 سوق و22 خان، أكبرهم خان الجمرك، وهذه المنطقة هي ما تُعرف بـ المدينة.
وأضاف “حجار” أن: ” أسواق حلب الأثرية تشكّل بمجموع أطوالها 12 كم، أطول أسواق العالم”.
ولفت إلى أن: “ما كان يُباع في القاهرة خلال شهر، كان يُباع في أسواق حلب خلال يوم واحد، وذلك قبل فتح قناة السويس 1869”.
ماذا بعد المجموعة الثانية..؟
كشف مدير التنظيم المجتمعي في الأمانة السورية للتنمية، أحمد كبّة، في حديثه لتلفزيون الخبر عن الخطة المستقبلية لترميم أسواق حلب الأثرية مبيّناً أنه: “تم توقيع اتفاقية ترميم سوق الزرب الذي يضمّ 72 محلاً، فيما بدأت أعمال ترميم سوق المحمَص الشمالي ويشمل 24 محلاً، يضاف إليه عدد من المحلّات في الشوارع الفرعية المحيطة، ليصبح عدد المحلات التي يتم ترميمها في هذا الجزء 36 محلاً”.
وأضاف أن: “أعمال الترميم قد بدأت في سوق العبي منذ حوالي أسبوعين، ويشمل 57 محلاً، إلى جانب الأعمال الجارية في سوق الخيش وفيه 48 محلاً، والعمل متواصل في هذه الأسواق حالياً، وصولاً لترميم جميع أسواق الشارع المستقيم، الذي يشكّل نقطة وصل ما بين باب جنين وقلعة حلب”.
وأشار “كبّة” إلى أن: “سوق العطارين هو أكثر أسواق المدينة القديمة ضرراً على الإطلاق، إذ أنه مدمّر بالكامل، وسيتم الوصول إلى ترميمه تدريجياً”.
بعد إعادة الحجر.. من يُعيد البشر؟
يشير الباحث في التاريخ والآثار والتراث المهندس عبد الله حجار في حديثه لتلفزيون الخبر، إلى أن: “حيوية الأسواق الأثرية مرهونة بعودة سكان حلب القديمة إلى بيوتهم لتشهد المنطقة انتعاشاً ملموساً”.
من جهته، يرى مدير التنظيم المجتمعي في الأمانة السورية للتنمية، أحمد كبّة أن: إعادة ترميم وافتتاح المعالم الدينية في حلب القديمة من شأنه أن يسهم في عودة الحركة التجارية إلى أسواق حلب القديمة بحيويتها المعهودة”.
أما على الصعيد الخدمي، اتخذت محافظة حلب في اجتماعها الأخير مع المعنيين بالمدينة القديمة، مجموعة من الخطوات التنفيذية لتسهيل عودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى أسواق حلب الأثرية، حسب ما نشرت عبر صفحتها الرسمية.
وأبرز تلك الخطوات، إلغاء المواقف المأجورة من المحاور المؤدية للأسواق الأثرية، وتغذية الأسواق بالكهرباء من الساعة 10 صباحاً حتى الـ 7 مساءً، وتزويد الأسواق المرمّمة بالهاتف والانترنت، والسماح بتركيب المكيفات ضمن معايير محددة، إضافة إلى تخصيص نقطة حراسة شرطية جوالة ضمن الأسواق من الساعة 8 مساءً وحتى الـ 8 صباحاً.
وأعلنت محافظة حلب عن تعديل مسار خط القلعة من ساحة الجامعة إلى السبع بحرات وباب الحديد انتهاءً بساحة الملح، وأيضاً عدد من خطوط نقل الريفين الشرقي والجنوبي إلى باب انطاكية والسبع بحرات، إضافة إلى إجراءات أخرى تهدف إلى تنشيط حركة أسواق المدينة القديمة.
يذكر أن مشاريع ترميم أسواق حلب الأثرية تجري بالتشاركية والتعاون ما بين المجتمع المحلّي، محافظة حلب، مجلس المدينة، الأمانة السورية للتنمية، وغيرها من المؤسسات الثقافية والوزارات المعنية، وشركاء آخرين.
نغم قدسية – تلفزيون الخبر