العناوين الرئيسيةمن كل شارع

“يا شمس خُذي سنّ الحمار واعطني سنّ الغزال”.. إحدى تعويذات الطفولة الخالدة 

طالما كان التوجه إلى عيادة طبيب الأسنان آخر حلول الشخص الذي يعاني آلاماً لا يمكن تحملها، إذ يلجأ لهذا القرار عند انتهاء حلول الأرض -كما يقال- من أصناف طب الأعشاب والمسكنات محدودة التأثير زمنياً.

ولا تخلو أي زيارة لطبيب الأسنان من عبارات التأنيب والملاحظات بسبب الإهمال، دون القدرة على الرد وإيجاد الاجوبة المقنعة إلا فيما ندر، والتي يغلب على معظمها في سوريا عدم توفر القدرة المالية، ليبدأ بعدها استخدام أدوات الحفر بصوتها المرعب للكثيرين.

وترتبط أولى ذكريات الإنسان فيما يتعلق بأسنانه إلى تساقط اللبنية منها بفترة طفولته وتحديداً في سن السادسة أو السابعة، مع “كذبة بيضاء” صدقها من أهله، واختصرت بعبارة “يا شمس.. يا شمس.. خذي سن الحمار وأعطني سن الغزال”.

وإذ ساد اعتقاد ممزوج ببراءة الطفولة أنّ الأسنان التي ستحلّ مكان السابقة، تكون أجمل ودائمة البياض والقوة كنصب تذكاري لن يتزحزح، ليعرف بعد ذلك تسوّس هذه الأسنان التي وثق بها “عالعمياني” والوجع الناجم عنه.

 

اعتقدت أنني سأتحول إلى غزال

 

يضحك دانيال (28 عاماً) عند سرده لذكريات تساقط أسنانه اللبنية، مستغرباً: “اعتقدت طويلاً أنني سأتحول إلى غزال، وإلا لماذا طلبت والدتي مني ترديد عبارة يا شمس خذي سن الحمار واعطني سن الغزال، مع تساؤل مستمر عن عدد أسنان الحمير التي دستها في الشوارع”.

وأضاف الشاب الذي يعمل في محل تجاري لبيع الملابس: “كانت الصدمة الكبرى حينها أنني لم أتحول إلى غزال، إذ انتظرت طويلاً تحولي الجميل، والمضحك في الأمر أن أسناني في حالة تسوس دائم منذ تلك الفترة”.

 

حكاية أخرى بطلتها الجنيّة

 

تروي حنان (35 عاماً) حكاية أخرى مع تعويذات الطفولة، أقل حيرة وأكثر إيجابية في تخيّلها، ولعل ذلك مرتبط بحكم أنها أنثى، فهي التي تكون أكثر رقة من الشباب في ملابسها ومهنتها المنشودة ومختلف تفاصيل حياتها، حسب تعبيرها.

وقالت حنان (ربة منزل) لتلفزيون الخبر: “رددت غيبياً العبارة المرتبطة بالحمار والغزال بعد طلب أمي، وكنت حينها في عمر الست سنوات أنفذ ما يُطلب مني دون تحليل أو تفكير، وسط انتظار وشوق لرؤية الجنية القادمة لتأخد السن وتضع مكانه 50 ليرة، كانت حينها من جيب والدي”.

 

عادة مستمرة حتى اليوم

 

يؤكد صلاح (38 عاماً) لتلفزيون الخبر أن: “عبارة الاسنان تلك ما تزال تستخدم حتى يومنا هذا، وإن كانت بشكل أقل مقارنة مع الأجيال السابقة، إذ أنني أخبرتها لأبنائي الثلاثة وصدقوها كما فعلت عندما كنت طفلاً”.

وأضاف صلاح (موظف) بأن: “بعض عاداتنا ظلت مستمرة ومنها تحفير الأطفال على الاهتمام بأسنانهم، مع عرض المكافآت المالية وتركها تحت الوسادة ليجدوها صباحاً كتذكار من الجنية المفترضة”.

 

الفأر والجنية ودفع الرسوم.. حكايات في الثقافات الأخرى

 

تعتبر جنية الأسنان شخصية من “الفنتازيا” المرتبطة بفترة الطفولة المبكرة، ويُشاع أنه عندما يفقد الطفل سنه ويضعه تحت الوسادة، فإن جنية الأسنان تزوره ليلاً وتستبدله بهدية صغيرة.

وكان التقليد في أوروبا قديماً هو دفن السِن اللبني عند وقوعها، ليقوم الآباء عادة بوضع هدية أو مبلغ من المال تحت وسادة الطفل، لكن يُشترط على الطفل أن يترك السِن كمكافأة، ويترك بعض الآباء آثاراً براقة على الأرض لتكون بمثابة غبار الجنية.

 

بينما ظهرت في أوروبا الشمالية عادة تُسمى برسم الأسنان، وهو رسم يتم دفعه عند سقوط أول سِنة للطفل، وسُجلت هذه العادة قديماً منذ قصائد “إيدا”، والتي تُعد أقدم سجل كتابي للدول الاسكندنافية بين العادات الأوروبية الشمالية.

 

وأثبتت الأبحاث أن الإيمان بالجنية قد يبعث الراحة على الطفل الذي يمر بتجربة مخيفة أو ألم إثر فقدان سِنته، الذي عادةً ما يكتشف أن جنية الأسنان شخصية خيالية في سن الخامسة أو السابعة، رابطاً وجودها بوجود الشخصيات الخيالية الأخرى التي تأتي بالهدايا، مثل بابا نويل وأرنب الفصح.

 

وتنصح المؤلفة والكاتبة الأمريكية “فيكي لانسكي” الآباء بأن يقولوا لأطفالهم أن جنية الأسنان تدفع الكثير للسِن السليمة أكثر مما تعطيه للسِن المسوّس، وطبقاً لما تنصح به “فيكي” تترك بعض الأُسر للطفل ملاحظة صغيرة مع الهدية تمدح فيها العادات الصحية للعناية بالأسنان.

 

أما في الثقافة الإسبانية، فيوجد “إلهادا ديل دينتي” أي جنية الأسنان، و فأر يُدعى “راتونسيتو بيري”، وهو رمز شعبي موجود أيضاً في الثقافات الأمريكية الخاصة بمتحدثي الإسبانية، مثله مثل جنية الأسنان.

 

وبدأت أسطورة الفأر في مدريد عام 1894، إذ يترك الطفل السِن الذي سقط تحت الوسادة فيأتي الفأر ويستبدله بهدية، حتى إنه تم استخدام فأر الاسنان هذا من قبل شركة “كولجيت” في التسويق لمنتجها في فنزويلا وإسبانيا.

 

وعادةً ما تستبدل جنية الأسنان في إيطاليا بفأر صغير، وتُطلق فرنسا والمناطق التي تتحدث بالفرنسية في بلجيكا على هذه الشخصية لا “بوتيت سوريس” أي الفأر الصغير، ويأتي تقليد مماثل من الأراضي المنخفضة الوسطى بإسكتلندا لشخصية الفأر الجني، وهو فأر جني أبيض يشتري أسنان الأطفال بالعملات.

 

بينما تختلف التقاليد في آسيا كثيراً، مثل الهند واليابان وكوريا وفيتنام، فعندما يسقط سن الطفل يلقيها إلى الأعلى نحو السطح إذا كانت من الفك السُفلي، أما إذا كانت من الفك العُلوي فيلقيها إلى مكانٍ ما تحت الطابق.

 

ويقوم الطفل في أثناء فعل ذلك بالصياح طالباً سِن الفأر، ويستند هذا التقليد إلى حقيقة أن أسنان الفأر تعيش مدى الحياة وهذه ميزة تتمتع بها جميع القوارض.

 

يذكر أنه قبل زمن ليس ببعيد، لم يكن الحفاظ على الأسنان في الفم هو المهم، بل التخلّص من الألم، فكان القلع هو الحل الأنسب والأوفر لدى الكثيرين رغم الآلام المصاحبة نتيجة عدم تقدم طب الأسنان.

 

واعتاد الناس فيما مضى استخدام القرنفل كمسكن للآلام على سبيل المثال، قبل أن يستعاض عنه بإبرة البنج حالياً، ليبقى صوت (الخربر) هو المنغّص الوحيد لزيارة الطبيب، صوتٌ ينخر السن والدماغ معاً، ويثير الرعب لكل من تذكره عند سماع الإسم المستعار لآلة الحفر تلك.

 

عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى