العناوين الرئيسيةمجتمع

زواج السوريين عن بعد .. “عاطفة الويب” في البيت الافتراضي 

غيرت الحرب في سوريا الكثير من عادات سكانها، بما فيها من مفاهيم وأسماء وتقسيمات وصفات وتقاليد، حتى نسفت ما اعتبر ثابتاً، وزعزعت ما كان راسخاً في بعض الأحيان.

 

وأصبحت ظاهرة “الزواج عن بعد” إحدى “الموضات” المنشترة حديثاً، سيّما بعد موجة “الهجرة الكبرى”، وبشكل خاص منذ عام 2014 وما تلاها، وانتشار السوريين في شتى أصقاع الأرض بمختلف اتجاهاتها.

 

وبات التقدم للزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي حالة جديدة يلجأ إليها الشباب السوري بعد هجرة الملايين منهم، واستقرارهم في بلاد اللجوء أو الإقامة والعمل على حد سواء.

 

وإن غدا الشباب السوري داخل البلاد عاجزاً بمعظمه عن تأمين مستلزمات الزواج بدءاً من المنزل وصولاً إلى تكاليف للحياة اليومية، فإن أسباباً أخرى دفعت المقيمين خارج سوريا للزواج افتراضياً عبر الشبكة.

 

من التعارف وحتى عقد القران

تحدثت فاطمة (اسم مستعار، من سكان حي العباسية بمدينة حمص) لتلفزيون الخبر عن تجربة الزواج عبر الانترنت، بدءاً من مرحلة التعارف، وحتى إتمام عقد قرانها على شاب مقيم في ألمانيا.

 

وقالت الشابة البالغة من العمر 26 عاماً إنه: “لم يخطر في بالي يوماً أن أتزوج عبر الانترنت، وإقامة إجراءات ذلك عبر شاشة موبايل لا تتجاوز مساحتها كف اليد الواحدة”.

 

وأضافت فاطمة: “أتممنا كافة الإجراءات بعد خطوبة استمرت لعامين كانت عبر الانترنت أيضاً، بعد أن اتفق ذوينا على عرض الموضوع علينا جراء مشكلة كبيرة وهي عدم استطاعة زوجي العودة إلى سوريا”.

 

وأردفت فاطمة: “يعمل زوجي في إحدى معامل مدينة “فرانكفورت”، وكان أنهى إجراءات لم الشمل أيضاً، وتبقى علي الانتظار فترة من الزمن كي يرسل الفيزا وأسافر للسكن معه”.

 

ولا تخفي فاطمة بعض المخاوف من اختلاف الواقع عن ذلك الذي طبع في خيالها، من حيث الشكل والتصرفات والتعامل، كون الجميع يظهر بأفضل الصفات والمعاملة الحسنة عن بعد، آملة ألا تكون تجربة الزواج عن بعد قراراً سيئاً تندم عليه لاحقاً، حسب قولها.

 

 شاب آخر وحكاية مشابهة

 

يقطن وحيداً في ضواحي العاصمة الألمانية برلين، وجد علي (35 عاماً، من مدينة طرطوس) نفسه مستعداً للزواج بعد 7 سنوات من العمل في مكتب تمريض، واستطاعته تأمين دخل مناسب لفتح منزل مستقل، لكنه عجز عن إيجاد “بنت الحلال”، حسب تعبيره.

 

“غادرتُ سوريا بالبلم عبر البحر ضمن موجة الهجرة الكبرى عام 2015 وشفت الموت مية مرة”، يقول علي، ووصلت إلى ألمانيا بعد صعوبات كبيرة، وعبوري آلاف الأميال عبر البحر والغابات، لأبدأ مرحلة جديدة ومختلفة كلياً عما خبرته في بلادي”.

 

وروى علي لتلفزيون الخبر حكاية زواجه الافتراضي، قائلاً: “لم أجد الزوجة التي أريد في ألمانيا رغم وجود عدد كبير من السوريات هنا، فطلبت من والدتي البحث عن عروس من طرطوس، وهو ما تحقق لاحقاً”.

 

“شفتها شاشة وتزوجنا شاشة”، يكمل علي، وذلك بعد الاتفاق والراحة النفسية والقبول من قبلنا نحن الاثنين، وموافقة أسرتينا على جميع التفاصيل بما فيها المهر وعقد القران، وكانت على الواقع أجمل بكثير من الصورة، وتكلل زواجنا بحياة سعيدة للعام الثالث على التوالي”.

 

 فرحة ناقصة

 

لا تخفي لمى (28 عاماً) شعوراً متناقضاً بداخلها بعد إتمام عقد قرانها عبر الإنترنت، إذ أنها ورغم ارتداء المحبس وتدلي الطرحة من رأسها، لكن غياب شريكها كان طاغياً بتأثيره على مشاعر الفرح المؤقتة، حسب قولها.

 

وقالت الشابة التي تنحدر من ريف سلمية لتلفزيون الخبر: “عرضت صديقة والدتي صورة لي على شاب يقيم في تركيا، وعلى الرغم من عدم معرفتي بهذا التفصيل إلا لاحقاً، فإن معاملته الجيدة لي جعلتني أنسى مصادرتهم لرأيي ومشاعري باختيار شريكي”.

 

“كانت الفرحة منقوصة”، تشير لمى، رغم إقامة حفل زفاف وارتدائي فستاناً أبيض كما في الحكايات، لكن غياب زوجي وبعده عني جعلني أبكي في تلك اللحظات، ربما لأن كل فتاة تحلم بالتقاط صور تذكارية مع شريكها لتبقى مرافقة لها طوال حياتها، وهذا ما كان مفقوداً”.

 

 التعارف افتراضياً داخل سوريا

 

لا يقتصر التعارف عبر الانترنت على المقيمين خارج سوريا، إذ أنه وبحكم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير واستخدامها معظم فترات اليوم، فإنها باتت إحدى أكثر أماكن التعارف والحب والزواج أيضاً.

 

تروي ديانا حكاية زواجها من شاب في جبلة أثناء تواجدها في دمشق، مضيفة أنها تعرفت عليه عبر “فيسبوك”، ومن ثم بدأت علاقة حب لفترة وجيزة قبل أن يقررا الزواج.

 

وقالت ديانا لتلفزيون الخبر: “كانت علاقة وردية إن صح التعبير، مليئة بالحب والتفاهم في عامها الأول، لكن الحقيقة انكشفت لاحقاً وتحولت الحياة إلى جحيم مع ظهور الخلافات معه ومع أهله، لينتهي الأمر بالطلاق”.

 

“المظاهر بتغش”، تعبر ديانا عن رأيها بالتعارف عبر الانترنت، إذ لم تتوقع حجم الاختلافات مع زوجها، فكان “فيسبوك” فخاً ومصيدة أوقعت بها كما حال الكثيرين، حسب تعبيرها.

 

رحلة محفوفة بالمخاطر

 

تبدي حنان (25 عاماً) خوفها من خوض تجربة الزواج عبر الانترنت، على الرغم من الضغوط الهائلة المفروضة اجتماعياً، كونها تقيم في منطقة تأخذ بالعادات والتقاليد كثيراً، وتعتبر تأخر الفتاة بالزواج وصمة عار يجب التخلص منها بأسرع وقت ممكن، حسب قولها.

 

وأضافت الشابة التي أنهت دراسة مناهج التدريس بجامعة البعث بأن: “إحدى صديقاتي خاضت تجربة مماثلة لكنها انتهت بشكل غير مبشر، إذ تزوجت إلكترونياً لمدة سنتين دون قدرة زوجها على إرسال فيزا لها ما دفعهما للانفصال”.

 

“تسمّى عليها أنها متزوجة”، تردف حنان، فما حصل مع صديقتها تكرر عدة مرات مع أخريات، الأمر الذي يُلصق بالفتاة اتهامات لا وجود لها، لكنها تزوجت وتطلقت فأصبحت “علكة بتم الناس”، حسب تعبيرها.

 

مهرب اجتماعي فرضته الحرب

بيّن أخصائي علم الاجتماع رامي جمعة لتلفزيون الخبر أن: “الحرب المستمرة منذ نحو عقد ونصف فرضت متغيّرات كبرى أدت إلى تبدل العادات والتقاليد التي لازمت مجتمعنا، خاصة في مسألة الخطوبة والزواج”.

 

وأشار “جمعة” إلى أن: “معظم الاسر باتت تتساهل بمتطلبات الزواج ومنها الذهب والمنزل ومختلف الكماليات يضاف إليها الزواج عن بعد، الذي أصبح حلاً للبعض في ظل الأوضاع الاقتصادية تارة ومهرباً للفتيات من شبح العنوسة”.

 

وأضاف أخصائي علم الاجتماع بأن: “الحرب أدت لوفاة عدد كبير من الشباب، ودفعت عدداً أكبر للهجرة، في حين يواجه من تبقى في البلاد صعوبات تحمّل تكاليف الزواج، وتحول تأمين المنزل إلى حلم صعب المنال، فضلاً عن تكاليف المهر والزفاف”.

 

ولفت رامي إلى أن: “نسبة العنوسة في البلاد ارتفعت مع عزوف الشبان عن الارتباط، لتقترب من 70%، حسب آخر بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية،إذ يوجد نحو 3 ملايين فتاة سورية عازبة تجاوزن سن الـ30 عاماً”، بحسب الأخصائي.

 

منظور الشرع

تبين الأرقام التي توثقها المحاكم الشرعية السورية حجم تعاظم ظاهرة “الزواج عبر الإنترنت”، الذي يؤكد الشرع صحته وفق شروط محددة يُبنى عليها عقد الزواج ويُسجّل في المحكمة.

 

ورأى القاضي الشرعي الأول في دمشق “محمود المعراوي” في لقاء صحفي أن الزواج عبر الإنترنت، الذي يتم في حضور شاهدين مدركين ووالد الزوجة، يعد زواجاً صحيحاً وجائز شرعاً، باعتبار أن الفقهاء أجازوا الزواج عبر المراسلة.

 

ويشير “المعراوي” إلى صحة زواج المراسلة، وهو أن يرسل الراغب في الزواج رسالة إلى الفتاة أو والدها يطلب فيها الزواج من الفتاة، ثم تقرأ الرسالة مباشرة وتجيب الفتاة أو يجيب والدها بالقبول.

 

وبحسب القاضي “المعراوي”، فإن “نسبة عقود الزواج خارج سوريا، التي تتم عبر الوكالات، وصلت إلى 50% من مجمل العقود التي تعقد في المحكمة الشرعية، بعدد يومي يبلغ نحو 60 عقداً”.

 

ماذا يقول القانون؟

بين المحامي رامي جلبوط لتلفزيون الخبر أنه: “من الناحية الشرعية فإن الزواج عند المسلمين هو عقد كأي عقد آخر أركانه الإيجاب والقبول والولاية في مجلس العقد، ومن شروط صحته الشهود وتسمية المهر، وينص القانون على أن عقد الزواج يجب يعقد أمام المحكمة الشرعية ليكون قانونياً وشرعياً”.

وأضاف المحامي “جلبوط” بأن: “القانون لم يتطرق إلى ما يخص الزواج عبر الانترنت، لذلك فالأمر متروك لتقدير القاضي الشرعي إذا تأكد من صحة وتوافر شروط العقد”.

 

وضرب المحامي “جلبوط” مثالاً واقعياً، عندما اتصلنا مع والد العروس المقيم في أمريكا، فوافق القاضي على الزواج بعد التأكد من هويته وموافقته على جميع التفاصيل، لذلك فهي من صلاحيات القاضي واختصاصه لقبول اتمام اجراءات العقد أو رفضها”.

 

ولفت “جلبوط” إلى أن: “القضاة يتساهلون بالموافقة على عقد الزواج نظراً لوجود عدد كبير من السوريين خارج البلاد، وبنفس الوقت يحرصون على التثبت من هوية الشخص المتقدم للزواج، وأن يكون موافقاً على المهر، وعندها يمكن إتمام العقد وتثبيته في المحكمة الشرعية دون أي مشاكل”.

 

وأشار “جلبوط” إلى أنه: “لا يمكن للمحامي إتمام عقد الزواج لأن ذلك ممنوع عليه ويعتبر زلة مسلكية يحاسب عليها أمام نقابة المحامين، وفي حال قيام شيخ بذلك فإن ذلك العقد يكون شرعياً، لكنه غير قانوني لأنه لم يتم أمام المحكمة الشرعية”.

 

وتابع “جلبوط”: “إن المشاكل والمعوقات شائعة في حالات الزواج عبر الانترنت لأنه في كثير من الأحيان لا يوجد وثيقة تثبت هوية الشهود أو عدم تواجدهم في مجلس العقد أثناء تبادل ألفاظ الزواج أو عند الاتفاق على المهر أو لأسباب كثيرة غير ذلك”.

 

وشدد “جلبوط” قائلاً: “أعيد الاشارة مجدداً الى أن الزواج عبر الانترنت غير قانوني لأنه يتم أمام المحكمة الشرعية، وإن كان من الممكن لاحقاً تثبيته عبر رفع دعوى تثبيت الزواج أمام المحكمة الشرعية”.

 

ونوه “جلبوط قائلاً: “برأيي الشخصي فإن الزواج مسالة مهمة وخطيرة، خصوصاً وأن الشباب الصغار في السن لا يكونون مدركين لقيمته وتأثيره على الحياة، لذلك من الأفضل إتمام الزواج في حال كان أحد العروسين مسافراً عبر تنظيم سند توكيل بالزواج لأنني أكون حينها متأكداً من هوية الشخص”.

 

ورأى المحامي “جلبوط” أنه: “من الأفضل حصر موضوع الزواج عبر الانترنت للحد الادنى ولحالات الضرورة التي لا يمكن بغيرها إتمام الزواج، لأننا لا نضمن في حال كان الزواج تقليدياً بأن هذا الشخص هو نفسه مع تطور التقنيات الحديثة”.

 

وتابع “جلبوط”: “للموضوع محاذيره مع إمكانية تزييف الملامح والهوية وإتمام العقد مع شخص مختلف ومغاير للحقيقة، خصوصاً أنه لم يتم أمام المحكمة الشرعية وبطرق أخرى مثل الزواج العرفي، وبالتالي حصر الزواج أونلاين ضمن نطاق الحاجة القصوى”.

 

خدمات مأجورة

 

تصدرت امرأة تدعى أم لؤي حديث “السوشال ميديا” في الآونة الأخيرة بسبب خدمتها المتاحة، وهي مساعدة الكثير من الأشخاص في التعرف واختيار الشريك المناسب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي

 

وبدأت القصة عندما كانت أم لؤي تعمل في تصوير الأعراس في الأردن، كان يطلب منها من قبل السيدات فتيات للزواج حسب نظرتها وخبرتها بسبب مجال عملها الواسع.

 

وانتقلت بعدها إلى أمريكا، وطورت من خدمتها وأنشأت موقعاً خاصاً، باسم زواج العرب في أمريكا، لتقديم الدعم الكامل للأشخاص المستعدين للزواج حيث أنه الموقع الأول من نوعه.

 

ويقدم موقع أم لؤي ثلاث خدمات تبدأ بتعبئة استمارة الزواج والمواصفات والشروط الخاصة التي تريدها في شريك الحياة، كما تنشر طلب الراغب في الزواج على حساباتها مقابل رسوم تزيد عن 100$، والأخيرة هي استشارة شخصية منها عبر مكالمة هاتفية، بحسب ما تم تداوله.

 

ويبقى الزواج عبر الانترنت أحد حلول الراغبين بذلك في عقد عابر للمسافات والقارات في بعض الأحيان، بينما يرزح السواد الأعظم من الشباب السوري في البلاد -أو من تبقى منه- تحت أعباء مالية ضخمة يعجز عن مواجهتها.

 

ويعد الذهب أولى تلك الأعباء مع وصول سعر الغرام الواحد لأكثر من مليون ليرة، يضاف إليها ارتفاع أسعار المنازل إلى أرقام فلكية وتكاليف حياة تتطلب الملايين شهرياً بينما تتنطاير الآلاف من جيبه لينتهي الراتب خلال أيام معدودة بعد شراء المسلتزمات “من قريبو”.

 

عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى