ملتقى “الإدارة المحلية في مرحلة التعافي المبكر”.. حوارات حول الأدوار الاجتماعية والاقتصادية
أقامت “حركة البناء الوطني” ملتقى امتد على مدار يومين، تحت عنوان “الإدارة المحلية في مرحلة التعافي المبكر”، في مقر الحركة بدمشق.
وشارك في الملتقى مجموعة من الخبراء والأكاديميين والناشطين في مجالات اجتماعية واقتصادية، مثلوا المسارين الأوليين للملتقى الذي سيكمل جلساته ضمن السياقات الإدارية والمالية والسياسية لاحقاً.
واستقطب الملتقى مجموعة من السوريين المغتربين، أو من المتواجدين في مناطق شرق وشمال غرب سوريا، عبر الانترنت وقدموا مشاركات ومداخلات واسعة حول تجارب المجالس المحلية المختلفة.
وقدمت الحركة خلال الجلسات، بمشاركة عدد من الباحثين، مجموعة أبحاث متصلة، درست واقع المجتمعات المحلية إبان الدخول في مرحلة التعافي ومعرفة التحديات المتعلقة بالانتقال لهذه المرحلة وتفعيل العمل عليها بالشراكة مع المجتمع المحلي والإدارة المحلية.
الأدوار الاجتماعية للمجالس المحلية
تضمن اليوم الأول من الملتقى أربع جلسات حوارية متعلقة بالدور الاجتماعي للمجالس المحلية في إطار الشراكة المجتمعية، وارتباط عملية التنمية بنمط التخطيط التنموي ومدى إشراك الحوامل الاجتماعية في جهود التنمية.
وركزت الجلسات ضمن الإشكاليات ومن بعدها التوصيات المطروحة على ضرورة وجود مرحلة تمهيدية لما بعد مرحلة الإغاثة وهي التعافي المبكر والتي ترتكز على إعادة بناء العلاقات الاجتماعية المتهدمة خلال سنوات الحرب، وإعادة بناء منظومة العلاقات الاقتصادية من جهة أخرى.
وأجمع المشاركون على إشكاليات عدة منها ممانعة المشاركة من المجتمع والمجالس “غياب وضوح السياسات المشاركة، تغيب القانون وقلة الوعي به، نزعة مجتمعية للهروب من المبادرة، أزمة تمثيل تمتد من الانتخابات للصلاحيات، قلة الثقة بالمؤسسات المحلية لجهة مركزية القرارات”.
وطرحت الجلسات كذلك مبادئ بناء التماسك والعدالة الاجتماعية وما يتعلق فيها من غياب المصلحة الاجتماعية والصلح الأهلي، وضيق مساحة ودور وسطاء المجتمع المدني، والتفاوت التنموي بين المحافظات)، فيما تمثلت الإشكاليات المتعلقة بمبدأ الرقابة بضعف العلاقة بين المجالس المحلية والإعلام وقصور المشاركة في الانتخابات وعدم وجود تفويض بالصلاحيات بدلاً من نقلها.
وحول الإشكاليات الاجتماعية المطروحة ولاسيما فيما يتعلق بانعدام الثقة بين المجتمع والمجالس المحلية، بين الباحث والصحفي والمشارك في الملتقى كمال شاهين لتلفزيون الخبر أن “العامل الأساسي في صحة حياة أي مجتمع هو اختياره الصحيح لممثليه في الهيئات المحلية و التشريعية وهذا حق كفله له الدستور، بالتالي التدخل السلطوي في هذه العمليات يؤدي إلى حصول خلل في بنية المجالس الناتجة ومنها المجالس المحلية”.
وتابع “شاهين”: “ويؤدي كذلك إلى تأثير من جهة واحدة على عملها وآلياته وخططه وتصوراته للتنمية المحلية او الإقليمية”.
وأضاف “شاهين” أنه “عندما تكون فرص التمثيل غير متوازنة او سليمة فإن هذا يترك تأثيره على العدالة الاجتماعية وعلى التماسك المجتمعي ويتسبب باضطرابات مجتمعية تؤدي إلى ضعف المجالس المحلية وعدم قدرتها على القيادة والتشارك مع المجتمع وتتسبب هذه العمليات غير الصحيحة في الانتخابات بإنتاج مجالس محلية مشوهة او قليلة الفاعلية”.
دور المجالس في تفعيل الاستثمار المحلي
ناقش اليوم الثاني من المتلقى الجوانب الاقتصادية لعمل مجالس الإدارة المحلية، وكيفية إدارتها، وعلاقتها بالقطاع الخاص.
وتناولت الجلسات الثلاث الخاصة بهذا المسار مبادئ متعددة من بينها مبدأ الاستثمار الأمثل للموارد المحلية والذي ظهر عنها إشكاليات، أبرزها غياب البيانات، والموارد غير المستثمرة أو المعروفة للمجالس المحلية أساساً، إضافة لتداخل الصلاحيات مع الأجهزة المحلية والمركز، وعدم مواءمة الاستثمار المحلي مع الخطة الإقليمية.
وطرح أثناء الحوار مبدأ المجالس المحفزة للقطاع الخاص والذي نتج عنه إشكاليات تتعلق بضعف الثقة المعززة بالتشريعات، وعدم وضوح دور القضاء بحل المنازعات، وضعف الحوكمة للطرفين، والعقوبات.
التعافي المبكر.. لماذا الآن؟
وحول طرح ملتقى متعلق بعملية التعافي المبكر حالياً، قال رئيس حركة البناء الوطني، أنس جودة، لتلفزيون الخبر: “أرى أن الإطار العام في الوقت الراهن يساعد بالتعافي من ناحية الظرف الدولي والظرف السياسي والاستقرار الذي رافق انتهاء العمليات العسكرية الكبيرة، كذلك الضغوط الدولية الكبيرة لتغيير نظام العقوبات المفروض على سوريا، فالظرف الإجمالي مساعد لمثل هكذا طروحات”.
وتابع “جودة” عن الملتقى: “المهمة الأساسية التي نعمل عليها هي الوصول إلى سياسات واضحة اقتصادياً اجتماعياً سياسياً ادارياً، وإدراك شكل العلاقات الجديد في البلاد، ويتم ذلك من خلال خلق السياسات وبناءها بالمشاركة وتحشيد الطاقات الاجتماعية متمثلة بالجهود البحثية وشكل الجلسات الحوارية التي جرت خلال الملتقى”.
وأكمل “جودة”: “واستكمال خطوات الملتقى بين إداري ومالي ووصولاً للسياسة يلحق بعده خطوات مناصرة طويلة للسياسات بكل الدوائر الممكنة”.
وأكد “جودة”: “لا يقتصر عملنا على إصدار ورقة بحثية على سبيل المثال وليس من أهدافنا، بل ما نحاول الوصول إليه فعلياً هو تطبيق السياسات التي نناصر عليها على أرض الواقع، وهي عمليات طويلة وصعبة لاسيما مع وجود مقاومة كبيرة للتغيير ضمن مجتمعنا”.
وأشار “جودة” إلى أن “الحديث عن التعافي اليوم لا بد أن يكون شاملاً للتعافي السياسي الاقتصادي الاجتماعي الإداري بشكل كامل كون أن سوريا كانت بلد حرب، فالتعافي معناه بداية طريق بناء السلام من جديد، ومنه هذه التوصيات التي ستتم بلورتها مع المسارات اللاحقة يمكن أن تصيغ سياسات يمكن العمل عليها”.
الإدارة المحلية.. تشريعات وقوانين
صدر المرسوم التشريعي رقم 107 الخاص بالإدارة المحلية سنة 2011، وهي نسخة محدثة من القانون الصادر عام 1971.
وكرس القانون اعتبار المجالس المحلية كهيئات ممثلة للمجتمع المحلي التي انتخبها بشكل مباشر وأعطى للوحدة الإدارية الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وحدد صلاحيات واضحة للمجالس المنتخبة بمستوياتها كافة مجالس المحافظات والمدن والبلدان والبلديات، وبالتالي تطبيق مبدأ اللامركزية في الإدارة.
ومنح القانون صلاحيات واسعة للمجالس المحلية أهمها توسيع المشاركة المجتمعية بين المجالس المحلية والمجتمع المحلي لخلق تنمية مستدامة والانتقال من فكر الخدمات إلى الفكر التنموي.
وبعد اندلاع الحرب، لم يتم العمل بالقانون حتى عام 2018 والذي جرت فيه أول انتخابات لمجالس الإدارة المحلية بعد المرسوم، وتنافس حينها حوالي 40 ألف مرشح على 18 ألف مقعد تقريباً.
واستمرت دورة تلك المجالس حتى عام 2022، والذي جرت فيه انتخابات جديدة، شارك فيها 60 ألف مرشح مقابل أكثر من 19 ألف مقعد، وفقاً للإحصاءات الرسمية.
من هي “حركة البناء الوطني”؟
حركة البناء الوطني هي حركة مدنية اجتماعية، تأسست أواخر عام 2015، تعمل على بناء الهوية السورية الجامعة عبر استنهاض المجتمع السوري ضمن مقومات الشراكة والعدالة والتنمية، وفقاً لموقعها الرسمي.
الجدير بالذكر أن الحركة مستمرة في الملتقى ضمن جلسات لاحقة، تضم المسارات المالية والإدارية والسياسية المتعلقة بالمجالس المحلية والتعافي المبكر.