العناوين الرئيسيةمجتمع

الحاجة إلى الكهرباء وانعكاساتها المادية والنفسية على السوريين

ارتفعت الحاجة إلى الكهرباء لتحتل المرتبة الثالثة على قائمة أولويات الحاجات الملحة لدى السوريين اعتباراً من العام 2021 على الأقل، وذلك مباشرةً بعد الحاجة إلى الغذاء التي احتلّت المرتبة الأولى، والحاجة إلى الدعم المعيشي التي احتلّت المرتبة الثانية.

 

واعتمد ترتيب أولويات الاحتياجات هذا على معلومات إحصائية، بحسب ما أفاد به 47% من المقيمين في سوريا، و 39% من العائدين بعد التهجير، و 37% من النازحين داخلياً القاطنين خارج مخيمات النزوح الداخلي في سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “قاسيون” عن تقرير صادر لـ”الفريق القُطري للاستجابة الإنسانية في سوريا” التابع للأمم المتحدة، في آذار 2022، فما أبرز انعكاسات الحاجة إلى الكهرباء المادية والنفسية على السوريين؟.

 

ذكرت تقارير عواقب عدة تترتب على خدمات أساسية وحيوية للمواطنين بسبب القطع الكهربائي الطويل الذي تشهده سوريا، وفي رأس القائمة كان التأثير على التزوّد بالمياه للأغراض المختلفة: “انقطاعات الكهرباء أثرت على كل من إنتاج وتوزيع مياه الشرب في البلد…”.

 

واضطر هذا الأمر المواطن إلى شراء المياه بتكاليف باهظة وخاصةً في الأرياف، لا سيما أن تزويد المياه إلى المنازل عبر شبكة المياه الحكومية انخفض في بعض المناطق إلى مرة واحدة فقط كل 15 يوماً.

 

وإضافةً للمياه، من المجالات الهامة الأخرى التي تضررت بسبب قطع الكهرباء وغيابها: التعليم، الصحة، الأمن الغذائي والزراعة، والسكن اللائق (إذ قالت تقديرات أممية إن قرابة 6 ملايين سوري داخل البلاد بحاجة لدعم يتعلّق بتأمين المأوى).

 

هذا إضافةً للتأثير على الاتصالات واللوجستيات الأخرى، وخاصة بحالات الطوارئ، هذه الملامح العامة للتأثيرات المادية المباشرة، لكن هناك أيضاً تأثيرات نفسية لانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، رصدت بعضها صحيفة “قاسيون” في تقرير، بالاعتماد على الدراسات النفسية العالمية.

 

التوتر النفسي

 

تذكر عدة مصادر للأدبيات العلمية النفسية المنشورة حقيقةً من الحقائق التي قد يكون السوريون اليوم من بين أكثر شعوب العالم دراية وتجربة بها، ألا وهي أنّ العيش دون وسائل الحياة العصرية الحديثة، وخاصة دون كهرباء، أو مع كهرباء شحيحة بالكاد تكفي لتشغيل متطلبات هذه الحياة، يمكن أن يؤدّي إلى الكثير من الكرب النفسي والأمراض النفسية.

 

ومن الأجهزة الكهربائية الضرورية للعيش في الطور الأدنى من الحضارة في القرن الحادي والعشرين أجهزة مثل: البراد – الغسالة – المروحة – السخان – الفرن الكهربائي – الخلّاط – التلفاز – الإضاءة الكهربائية – الكمبيوتر.. الخ.

 

وعلى سبيل المثال، درست إحدى المنشورات العلمية النفسية تأثير انقطاع التيار الكهربائي بعد إعصار “كاترينا” الذي ضرب بورتو ريكو في أيلول 2017 وتسبب بانقطاعات كهربائية لأسابيع.

 

ومما لاحظته الدراسة انتشار القلق بين الناس لأسباب مثل الخوف على تلف الأطعمة وفسادها دون تبريد، عدم الوصول الكافي للمياه سواء للشرب أو للاستحمام والنظافة، وتعطّل الأعمال وإقفال أماكن العمل، مما جعل العائلات العاملة في توتر نفسي شديد بسبب فقدان الأجور.

 

فكيف هي التأثيرات إذاً في بلد يُعاني من غياب الكهرباء لسنوات ما عدا سويعات منها يومياً؟ وخاصةً أنّ البدائل التي تُعرض على الناس هي الخصخصة والخدمة السيئة الباهظة مع السعي لمزيد من نهبهم وإرهاقهم بتكاليف فوق استطاعة الأغلبية العظمى منهم، بحسب “قاسيون”.

 

العزلة الاجتماعية

 

تقول دراسات نفسية أيضاً إنّ فئة المسنين معرّضون بشكلٍ أكبر للمخاطر من جرّاء الانقطاعات الكهربائية الطويلة (انقطاع الطاقة الذي يسبب انقطاع التواصل قد يسبب العزلة الاجتماعية، وخاصةً لدى المسنين، ويسبب التوتر الذهني).

 

وسواء بالنسبة للمسنين أو الشباب والنساء والأطفال في المناطق النائية، يكون هناك خوف من فقدان التواصل الاجتماعي، عدا عن مخاوف التعرّض لمخاطر أمنية واعتداءات، كالسرقة أو هجوم جسدي أو الجريمة عموماً وغير ذلك.

 

إدمان المخدرات

 

كان لافتاً للانتباه بشكلٍ خاص أنّ إحدى الدراسات النفسية أفردت فقرة خاصة من الفقرات التي عددتها لعواقب قطع التيار الكهربائي لفترات طويلة لإحدى المشكلات الاجتماعية التي يمكن أن تتفاقم بسببها، ألا وهي إدمان المخدرات.

 

تقول إحدى الدراسات، إنه “من دون كهرباء، تصبح نشاطات الناس الترفيهية أو الممتعة محدودة، إذ يتم قطع سبلٍ شائعة للتسلية والاسترخاء، مثل التلفاز أو الانترنت أحياناً والألعاب وغيرها.. وفي بعض الأحيان وبدلاً من العثور على بدائل صحية، ينزلق الناس الذين يمرون بانقطاعات طويلة للتيار الكهربائي إلى أنماط من إدمان المواد المخدرة”.

 

وأضافت الدراسة، أنه “حتى الذين يكون لديهم مشكلات إدمانها مسبقاً وتخلّصوا منها، قد يعودون بهذه الظروف إلى الإدمان من جديد، وتزداد حالتهم سوءاً، وتبيّن الدراسات بالفعل زيادة الحالات الإسعافية في المستشفيات الناجمة عن إدمان المخدرات، خلال فترات الانقطاع الشامل للتيار الكهربائي”.

 

اضطرابات المزاج

 

يتأثر الناس الذين يعانون من اضطرابات المزاج بشكلٍ كبير بانقطاعات الطاقة، وأحد الأسباب يتعلّق بأنّ ضوء الشمس الطبيعي بالأساس يعمل كواحدٍ من أفضل محسّنات المزاج، ويبدو أن البشر المتحضّرين في عصر ما بعد الكهرباء باتوا يربطون تحسّن المزاج أيضاً بالأنوار الاصطناعية الكهربائية في منازلهم أو أماكن أنشطتهم وأعمالهم.

 

مما يعطي رافعة عاطفية مهمة لكثير من الأشخاص قد تنتشلهم من الوقوع في الاكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى، فمن دون أنوار كهربائية، قد يُعاني المرضى المصابون بالأصل باضطرابات المزاج، من تفاقم حالتهم سوءاً، والميل إلى الغمّ والقلق والاكتئاب.

 

يُذكر أنه بحسب بيانات البنك الدولي، فإن الفجوة بين تأمين الحكومة للكهرباء وتزايد حاجة المستهلكين لها كانت في تزايد بالأساس حتى قبل الأزمة، وبينما كانت نسبة “كهربة البلاد” أي التغطية بالخدمة في سوريا هي 93% عام 2010، ونسبة الوصول إليها 100% في المناطق الحضرية، و83% في الأرياف، فإن الوضع تدهور بشكلٍ كبير بحلول العام 2021 (آخر عام درسه التقرير المذكور).

 

وصار استهلاك الكهرباء من مولدات الحكومة (القطاع العام) %15 فقط مما كان عليه عام 2010، وفق التقرير، وبحسب تقييم الاحتياجات متعدد القطاعات (MSNA) الصادر عن الأمم المتحدة أيضاً عام 2021 فإن 59% من العائلات المستطلعة في سوريا، قالت إن “المتاح وسطياً من الكهرباء بات أقل من 8 ساعات يومياً”.

 

وقال 30% منهم بأنها “أقل حتى من ساعتين يومياً”، (بالنسبة لهذين الرقمين لم يذكر التقرير مصدر الكهرباء إن كانت من القطاع العام أم الخاص أم من كليهما معاً).

 

يُذكر أن فطرة التأقلم لدى الإنسان، أجبرت السوريين على ابتكار أساليبهم الخاصة لمحاربة الظلام، إلّا أن أزمة الانقطاع هذه ألقت بظلالها على معيشتهم اليومية بثقل كبير، لتغدو أحد أسباب الارتفاع الجنوني للأسعار، نتيجة لانخفاض الإنتاج وتوقف الورش والمنشآت الصناعية عن العمل، ولم يسلم القطاع الزراعي أيضاً من تبعاتها، خاصةً مع فقدان المحروقات المرافق لغياب الكهرباء.

تلفزيون الخبر 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى