5 حزيران من “النكسة” إلى “الطوفان”
عجت الصحف العربية خصوصاً في مصر وسوريا وفلسطين المحتلة بعشرات “المانشيتات” خلال الأيام التي سبقت اندلاع حرب حزيران 1967، والتي تُبشر باقتراب “معركة التحرير” مع كيان الاحتلال.
وخلقت هذه الحملة الموجهة من الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، حالة معنوية عالية في صفوف الأهالي وصلت لمرحلة النقاش حول ما بعد الانتصار، وعن ماذا سيكون مصير الصهاينة “رميهم في البحر!”، أم السماح لهم بالعودة لبلادهم الأصلية، وذلك كله قبل وقوع الحرب.
وبدأت حرب “الأيام الست”، كما يحلو للصهاينة تسميتها، مع بزوغ فجر 5 حزيران 1967 على عدة جبهات في ذات الوقت، حيث اشتعلت الحدود مع فلسطين المحتلة في سوريا ومصر والأردن.
ونقلت الماكينة الاعلامية العربية بزعامة إذاعة “صوت العرب” المصرية مجريات الحرب، عبر مذيعها الشهير الراحل أحمد سعيد، الذي حملت كلماته طيلة أيام الحرب قداسة لا يشوبها أي تكذيب أو تشكيك.
وأذاعت “صوت العرب” منذ دقائق الحرب الأولى الأغاني الحماسية بصوت عبد الحليم حافظ، وكلمات صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي التي تُمجد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وتبشر الشارع العربي باقتراب الاحتفال بتحرير الأراضي العربية المحتلة.
كما بثت أخباراً عن “إذلال” جيش العدو وتكبيده خسائر فادحة في العتاد والأرواح على جبهات سيناء المصرية والجولان السوري والضفة الغربية التي كانت تحت سيادة الأردن.
علاوة على أخبار، بدأت بإسقاط طائرة وطائرتين للعدو ولم تنتهي بإسقاط العشرات وتدمير مئات الأليات، عدا عن اقتراب الجيوش العربية من حدود القدس وحصار جنود العدو في محيط “تل أبيب”.
“الحقيقة المرة”
وما أن غابت شمس اليوم السادس من أيام الحرب حتى انكشفت الصورة بشكل “مفاجئ” أمام الشعوب العربية والتي توضح تلقي الجيوش العربية لهزيمة كارثية ما نزال نعاني منها حتى اليوم.
وفقد العرب خلال حرب “نكسة حزيران” إضافة لما احتله الصهاينة أيام النكبة، كل من شبه جزير سيناء المصرية والجولان السوري المحتل والضفة الغربية وقطاع غزة، وتضاعفت سيطرة الاحتلال على أراضي فلسطين المحتلة 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب.
ودمر الاحتلال خلال هذه الحرب معظم الأسطول الجوي للدول العربية التي اشتبك معها عدا عن خسائر فادحة في الدبابات والأليات المدرعة، وآلاف الشهداء والجرحى والمهجرين ومئات الأسرى.
وانتشرت بعد الحرب صوراً لجنود مصريين عُزل متروكين كأسرى بيد جيش الاحتلال، بعد صدور قرارات من قيادة الجيش المصري بانسحابات عشوائية من مرابض القتال.
“الحراك السياسي بعد الحرب”
عَقدت جامعة الدول العربية في 29 أب 1967 اجتماعها بالعاصمة السودانية الخرطوم والذي عُرف لاحقاً بقمة “اللاءات الثلاث”، حيث قرر المجتمعون أن “لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه”.
وأصدر مجلس الأمن في 22 تشرين الثاني 1967 قراره الشهير /242/ الذي ينص في المادة الأولى منه بالفقرة (أ) بالترجمة العربية على “انسحاب القوات “الإسرائيلية” من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير”.
وأُسقِطت “ال” التعريف من كلمة “الأراضي” في الترجمة الإنكليزية بهدف المحافظة على الغموض في تفسير القرار، ولإعطاء الفرصة للاحتلال بالمناورة وعدم تنفيذ بنود النص الأصلي، إضافة لفرض القرار إنهاء حالة الحرب وتقديم الاعتراف الضمني بالكيان واعتبار قضية فلسطين “مشكلة لاجئين” فقط.
“حرب الاستنزاف”
بدأت منذ 1 تموز 1967 قوات من العسكريين والمتطوعين في مصر وسوريا والأردن إضافة للفدائيين الفلسطينيين، بتنفيذ عمليات فدائية تستهدف إلحاق الضرر بقوات العدو من جهة، وإيقاف محاولاته للتمدد من جهة أُخرى، واستمرت لمدة 3 سنوات حتى قبول الرئيس المصري جمال عبد الناصر وملك الأردن الحسين بن طلال لما يسمى بـ”مبادرة روجرز” لوقف إطلاق النار.
“من شراكة الهزيمة إلى شراكة النصر”
مرت الذكرى 57 لحرب حزيران على العالم العربي لتمحو أثار الهزيمة التي تعرضت لها الجيوش العربية 1967 خصوصاً في الوجدان الشعبي، فبعد محاولات الكيان وحلفائه منذ سبعينات القرن الماضي تعميم فكرة “فلسطين انتهت إلى غير رجعة”، عادت القضية اليوم لتكون بوصلة كل عربي وحر في العالم خصوصاً بعد معركة “طوفان الأقصى”.
وأثبتت قوى المقاومة في المنطقة اليوم معنى الشراكة الحقيقية بين الشعوب والقوى العسكرية الشريفة لنرى ثبات استثنائي أمام أقوى ماكينة إجرام عبر التاريخ بقيادة “تل أبيب” ومن خلفها الدول الغربية وركب “التطبيع العربي”.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر