العناوين الرئيسيةموجوعين

آلاف المرضى بلا علاج .. من يضمد جراح السوريين النفسية؟

تعرض السوري خلال العقد الأخير، للعديد من الصدمات النفسية، نتيجة تأثيرات الحرب وما تبعها من دمار في الممتلكات، وفقدان للأعزاء سواء سفراً أو موتاً، عدا عن الوضع الاقتصادي المتردي الذي أثقل كاهله بأعباء ما أنزل الله بها من سلطان، كل ذلك جعله محبطاً فاقداً للأمل في المستقبل.

ومع انتهاء الأعمال العسكرية بشكل شبه تام، وإعادة الاستقرار والأمان لأجزاء واسعة من الأرض السورية، تكون البلاد تجاوزت الحرب بمنطق السلاح، لكن يبقى السؤال الأهم كيف نستطيع إعادة بناء الإنسان السوري، الذي مر عليه ما لم يمر على غيره من الشعوب، لناحية الوجع والإرهاب والويلات، وتعرضه لأبشع حالات الإجرام والتآمر؟.

 

وبالمنطق السليم، حينما يصل الإنسان لسلامه الداخلي، يستطيع أن يكون عنصراً فاعلاً في صفوف مجتمعه، قادراً على العمل لأجل بناء بلده، لكن في ظل الحالة السورية هذا الأمر غير وارد، نتيجة ما يصاحب الوضع الداخلي من تخبطات جعلت المواطن يعاني من صدمات واضطرابات نفسية على كافة الأصعدة، والخطر هنا أن النسبة الأكبر منها غير مشخص بشكل فعلي وعملي.

 

أرقام واحصائيات

حسب بيانات الاحتياجات الخاصة بالصحة النفسية، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، يجب أن يكون هناك 100 طبيب لكل مليون نسمة، وفي سوريا حوالي 20 مليون نسمة ما يعني ضرورة وجود ألفي طبيب في الحد الأدنى.

 

ووفق الصحة العالمية في الحالات الطبيعية يكون هناك ما بين 1 إلى 2 % من المواطنين مصابين باضطرابات نفسية شديدة، وفي الأزمات ترتفع النسبة لتصبح 4%، أما الاضطرابات النفسية المتوسطة، مثل الاكتئاب والقلق، فنسبها العالمية أكبر.

 

وكشفت وزارة الصحة بحسب تقرير صادر عنها في 2020، أن هناك أكثر من 4 مليون شخص يحتاجون للاستشفاء من الأمراض النفسية الشديدة ومتوسطة الشدة في البلاد نتيجة الحرب، 40% منهم يعانون اضطرابات القلق بأشكالها المختلفة (مخاوف مرضية، وساوس، وهن نفسي، قلق عصابي، اضطرابات جسمية المظهر)، و18% يعانون الاكتئاب و42% يعانون متلازمات وأعراضاً نفسية متنوعة.

 

وتابعت الوزارة، أنها بحاجة حوالي ألفي طبيب نفسي لتغطية الحاجة المتزايدة، بالمقابل يوجد في سوريا 90 طبيباً أخصائياً نفسياً فقط، ما يُغطي 10% من حاجة المرضى، وهذا حتى تاريخ 2020، بينما في أرقام 2022 بلغ عدد الأطباء النفسيين، 45 طبيباً موزعين على كامل الخارطة ما يعني ارتفاع نسب المرضى ونقص أعداد الأطباء.

 

وروى “سامر” وهو طالب في كلية الحقوق بجامعة دمشق لتلفزيون الخبر قصة معاناة والدته مع الاكتئاب “أمي تعاني من الاكتئاب منذ 16 عاماً”.

 

وتابع “خلال الحرب ازداد وضعها سوءاً، ليس بسبب الأوضاع المأساوية فقط، بل بسبب غياب الكوادر الطبية الجيدة ونقص الدواء، اليوم تتواصل مع طبيبها المهاجر، والعلاج عبر الإنترنت ليس بذات النجاعة كالتواصل المباشر مع الطبيب، لكن أهم خطوة في العلاج هي الثقة بالطبيب والأطباء المقيمين في البلاد اليوم همهم الأول قيمة الكشفية”.

 

بدورها تحدثت “آمال” وهي خريجة كلية الفنون جميلة لتلفزيون الخبر “هناك خوف دائم ينتابني من كل شيء، يمنعني عن العمل والفرح والحلم، أحاول التفريغ عن مخاوفي من خلال الرسم، لكن تبقى جرعات الخوف أعلى، وحتى الدواء العلاجي لا ينفع، بدأ ذلك بعد تفجير القزاز 2012، الصوت، مشاهد النيران، أصوات الأطفال، كل هذا جعلني حبيسة المنزل لأسابيع، ومع مرور الوقت تحسن الأمر لكني لم أعد لنشاطي السابق”.

 

وقال “أبو حسين” وهو والد لطفلين في العقد الخامس من عمره لتلفزيون الخبر “عم ضل عصّب على ولادي، وما عم اتحاكى ومزاجي معكّر بشكل مستمر، بسمع بيقولوا هاد الشي اكتئاب، بس هون بدها طبيب يشخّص، وأنا بخاف روح على الدكتور، بكرا بصيروا بيقولوا جن أبو حسين، وبيعاملوني كأني مجنون، وأنا ما بدي هل سمعة لهيك بضل باخود مهدئ لحتى ربك يفرجها”.

 

وأكد طبيب الأمراض النفسية “محمد طهراني” لتلفزيون الخبر، أن “أغلب الاضطرابات النفسية وراثية، والبيئة تلعب دور المحرض لظهور الاضطراب، وفي بيئة دولة مثل سوريا خلال الحرب وما بعدها، تكون أرض خصبة لظهور الاضطرابات النفسية”.

وتابع “طهراني” أنه “نتيجة تبعات الحرب، تشرّبنا ثقافات عُنفية لم تكن موجودة، إضافة لتغير أساليب التربية، وأفكار الجيل والأوضاع الاقتصادية، فأصبحنا نحيا في بيئة سامة على جميع الأصعدة، إضافة لغياب ثقافة التواصل مع طبيب نفسي”.

وأكمل “طهراني” أنه نحن مازلنا نتعامل مع المرض النفسي بأسلوب شبيه لما يُقدم في درامانا التلفزيونية، أو بأسلوب سري خوفاً من التعليقات المجتمعية، مع نقص كوادر الطب النفسي وارتفاع تعرفة المعاينة، كل ذلك أدى لضعف ثقافة العلاج النفسي”.

وحول أهم شريحة يجب العمل معها لتجاوز الأزمات النفسية أجاب “طهراني” أن “الأجيال الجديدة هم أكثر فئة من الممكن العمل عليها بموضوع العلاج النفسي، فالأجيال الكبيرة من الصعب إقناعها بالتواصل مع الطبيب، الأهم حالياً هم فئة ما بين 15 و25 عاماً”.

 

وبخصوص سؤال، على من يقع عبئ إيجاد حل للاضطرابات النفسية؟، أوضح “طهراني” أن “الأطباء والمعالجين النفسيين لهم دور في عملية بناء الفرد بعد تعرضه لصدمات نفسية، لكن دورهم يقتصر على الشخص الذي يتواصل معهم، وهناك صعوبة بإجبار شخص ما على مراجعة طبيب نفسي وهو لا يرغب بذلك”.

 

وأضاف “طهراني”: “هناك حالات كالفصام وثنائي القطب بحاجة للعلاج الأولي ضمن مشافي، لذلك دور المجتمع والجهات العامة أهم بكثير من الطبيب هنا، عبر الدعم والتوعية”.

 

وعن وجود احصائيات تتعلق بنسبة الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع السوري بسبب الحرب، بين “طهراني” أنه “لا يمكن تحديد احصائية دقيقة في هذا الخصوص، لكن من ممكن القول إن حالات الاكتئاب، والقلق، والاضطرابات شخصية، والفصام، وثنائي القطب، واضطرابات المزاج، موجودة بكثرة بين أفراد مجتمعنا”.

 

يذكر أن منظمة الصحة العالمية أشارت في تقرير صادر عام 2017، إلى أن سوري واحد من بين 30 سورياً يعاني من حالة صحية نفسية وخيمة، ويعاني شخص واحد من بين 10 أشخاص من حالة صحية نفسية تتراوح بين الخفيفة والمعتدلة نتيجة التعرض طويل الأمد للعنف.

 

جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى