الساجر وونوس وشربتجي وعبد الحميد.. جمعهم الإبداع والتجديد والرحيل في ذكرى النكبة
حُكم على ٱيار أن يكون شهر رحيل المبدعين في سوريا حيث حمل بين أيامه رحيل أعلام فنية وإبداعية على صعيد المسرح والسينما والدراما يصعب أن تلد الأيام بمثلهم كثيراً مثل عرابي المسرح السوري سعد الله ونوس وفواز الساجر وعراب السينما عبد اللطيف عبد الحميد وشيخ كار الدراما المخرج هشام شربتجي.
وللمفارقة فإن موعد وفاة الأربعة جاء تزامناً مع ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني ليُكمل ٱيار قهره للأرض والجمال والإبداع والفن.
فواز الساجر.. عراب التجديد في المسرح السوري
“مع مجيئه ولدت الرؤية المسرحية في المسرح السوري.. وحرر قدرة الممثل ناقلاً المسرح السوري من مرحلة الإخراج المنفذ إلى الإخراج المبدع” بهذه الكلمات وصف الراحل سعد الله ونوس المخرج المسرحي فواز الساجر خلال شهادة قدمها عنه بذكرى رحيله.
ولفت “الساجر” الأنظار إليه في دمشق بعد أن قدم عام 1975 مسرحية “نكون أو لا نكون” المبنية على نصوص مسرحية لكل من ممدوح عدوان ورياض عصمت وأوزوالد دراكون مع فرقة المسرح الجامعي بدمشق حيث شارك هذا العرض باسم سوريا في الدورة 6 لمهرجان دمشق المسرحي.
واستمر “الساجر” بالعمل مع فرقة المسرح الجامعي بدمشق ليقدم عام 1976 مسرحية للكاتب المصري محمود دياب بعنوان “رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلم” ليرسم وفرقته الجامعية من خلالها الخطوات الأساسية للمسرح الجامعي الذي كان يعج بالمواهب التي تحولت لنجوم لاحقاً.
وفي عام 1978 أوفد الساجر إلى اليابان لمدة 6 أشهر للاطلاع على التجربة اليابانية في المسرح ليشتغل بعدها مسرحية الكاتب الألماني برتولت برشت “توراندوت مؤتمر غاسلي الأدمغة” إلا أنها مُنعت من العرض بيوم تقديم البروفة الجنرال.
وفي العام 1980 قدم مسرحية “ثلاث حكايات” عن ثلاثية الكاتب أوزوالد دراكون وهي “ضربة شمس وحكاية صديقنا بانشو والرجل الذي صار كلباً” وعُرضت في تونس.
وفي عام 1982 سافر إلى موسكو لدراسة الدكتوراه في المسرح وحضّر رسالته عن “الممثل في مسرح ستانسلافسكي” والذي نال عليها درجة الدكتوراه ليعود في العام 1987 إلى دمشق ويعيّن مدرساً لمادة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية.
وقدم آخر مسرحياته على خشبة المسرح القومي عام 1988 بعنوان “سكان الكهف” للكاتب الأمريكي وليم سارويان لتشكل هذه المسرحية علامة فارقة بتاريخ المسرح السوري.
وتخرج على يد الساجر كبار نجوم سوريا اليوم مثل أبطال مسرحية “رسول من قرية تميرة” عباس النوري وندى الحمصي ونذير سرحان وفيلدا سمور وسلوم حداد وبسام كوسا ورشيد عساف إضافة إلى طلاب آخرين كأيمن زيدان وغسان مسعود وفارس الحلو ودلع الرحبي.
ووجدت قصاصة ورق في حقيبة الساجر بُعيد وفاته في 16 آيار 1988 عن عمر يناهز 40 عاماً كُتب عليها “هذا هو عصر الضيق أكلنا ضيق شرابنا ضيق مرتبنا ضيق مضجعنا ضيق.. عالمنا ضيق مصيرنا ضيق… موتنا ضيق قبرنا ضيق… الضيق الضيق! افتحوا الأبواب والنوافذ.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الأرض والسماء.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الكون.. سيقتلنا الضيق! الضيق.. الضيق”.
سعد الله ونوس.. المثقف الحالم
آمن “ونوس” بأهمية المسرح في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية على أرض الواقع فتناولت مسرحياته دوماً نقداً سياسياً واجتماعياً معالجةً علاقة المواطن والسلطة والخيبات العربية.
وحمل “ونوس” في مسرحه هموم الشعوب متخذاً عبر كتاباته صفة المحرض نحو التحرر وكسر الخطوط الحمراء وهو ما بدى جلياً في مسرحيات “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” عام 1968 و”الفيل يا ملك الزمان” عام 1969 و”مغامرة رأس المملوك جابر” 1971 و”الملك هو الملك” 1977.
أسس عام 1977 مع رفيق دربه المخرج السوري فواز الساجر فرقة المسرح التجريبي التي شكلت منعطفاً في تاريخ المسرح السوري والعربي ليقدما “يوميات مجنون” عام 1979 و”رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة” بذات العام.
وساهم مع “الساجر” عام 1977 بتأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يهدف لإنشاء أكاديمية ثقافية تُخرج اختصاصيين في مختلف مجالات الفن المسرحي وقدم عبره مسرحية تخرج الدفعة الأولى منه عام 1981 بعنوان “سهرة مع أبي خليل القباني” من إخراج فواز الساجر.
وكلفه المعهد الدولي للمسرح التابع لليونيسكو عام 1996 بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي التي ألقاها على خشبة مسرح الحمراء في دمشق وألقيت بلغات عدة في مسارح العالم، حيث قال فيها عبارته الشهيرة “نحن محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”.
وتوفي الراحل سعد الله ونوس متأثراً بمرض سرطان البلعوم والكبد في مشفى الشامي بدمشق بتاريخ 15 أيار من عام 1997.
هشام شربتجي.. صانع الفرح وشيخ الكار
ابن حي المهاجرين في دمشق والذي ولد في سنة النكبة في الثاني من آذار 1948 صاحب الفضل في نقل اللهجة السورية والأعمال الدرامية إلى العالم العربي من خلال أعماله التي تميزت بخفة الظل.
وتدين أسماء كبيرة في الوسط الفني السوري للراحل بالفضل في صناعتها واكتشاف موهبتها كما يحسب له أعمال كثيرة محفورة في ذاكرة السوريين.
ومن أهم أعماله “مرايا” بأجزائه الأولى “سلسلة النجوم 5و6و7و8″ و”يوميات مدير عام” و”يوميات جميل وهناء” و”أسرار المدينة” و”رجال تحت الطربوش” و”بقعة ضوء” و”أيامنا الحلوة” و”أحلام أبو الهنا” و”طاش ما طاش” و”أنت عمري”.
وتوفي “شيخ الكار” أو “أبو رشا” كما يلقبه محبوه لكونه والد المخرجة رشا شربتجي عن عمر يناهز 75 عاماً في 16 ٱيار 2023 بعد عناء طويل مع المرض ودفن في مدينة دمشق.
عبد اللطيف عبد الحميد.. العلامة الفارقة في السينما السورية
توفي الأربعاء المخرج السينمائي السوري القدير عبد اللطيف عبد الحميد عن عمرٍ ناهز 70 عاماً بعد عقودٍ من الإبداع في مجال الإخراج السينمائي حيث يُعتبر علامة فارقة في تاريخ السينما السورية.
عمل الراحل ممثلاً وموسيقياً ومخرجاً ومغنياً في المسرح الطلابي ومسرح المركز الثقافي كما درس الأدب العربي بجامعة تشرين قبل أن يوفَد إلى موسكو وتخرّج من المعهد العالي للسينما في موسكو عام 1981.
وتفرغ “عبد الحميد” في مؤسسة السينما السورية كمخرج منذ بداية عام 1982 وألف وأخرج جميع أفلامه وأشهرها “ليالي ابن آوى” عام 1988 و”رسائل شفهية” 1991 ونال عليهما العديد من الجوائز المحلية والعربية والإقليمية إضافة لأفلام “ما يطلبه المستمعون” و”قمران وزيتونة” و”نسيم الروح” و”صعود المطر” و”أنا وأبي وأمي وأنت” و”الطريق”.
وتميّزت سينما “عبد الحميد” بالبساطة والعفوية وقدرتها على دخول قلوب المشاهدين، ولوّنها المخرج العبقري بالصبغة الريفية لتصنع علامة فارقة في السينما السورية.
جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر