صديقة الإنسان عدوة غذائه .. كل ما تريد معرفته عن العلاقة بين الشمس والإنسان
لطالما تناقلنا العبارة القائلة ” البيت الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب” ومما لا شك فيه صحة هذا القول تماما، فلا يخفى على أحد الدور الأساسي الذي تلعبه أشعة الشمس في حياة الإنسان، وغالباً تم صياغة تلك العبارة بشكلها الأدبي المعبّر لتعزيز هذا الدور في أذهاننا أي ببساطة يمكنك الاستغناء عن العديد من المشاكل الصحية إذا ما قضيت وقتاً بسيطاً تحت أشعة الشمس، كما أن العديد من الدراسات أشارت إلى دور الشمس والتعرض لها في الحالة النفسية والمزاجية للإنسان، فلقد أصبحت قضية سكان البلاد “الضبابية” والتي تغيب عنها الشمس أياماً واسابيعاً وفي بعض الحالات شهوراً، ومعاناتهم مع الاكتئاب والحاجة الدائمة لتناول أقراص فيتامين D قضية شائعة نتداولها جميعاً.
يمكن تلخيص الفوائد التي نحصل عليها من التعرض للشمس بالنقاط الرئيسية التالية:
تحسين جودة النوم: التعرض للضوء الطبيعي يساعد في تنظيم إيقاع الجسم وزيادة إفراز هرمون الميلاتونين، مما يحسن النوم ويقلل من الاكتئاب والمشكلات النفسية.
تقوية العظام: أشعة الشمس الصباحية تساعد في تقوية العظام من خلال تزويدها بفيتامين D.
زيادة متوسط العمر: الأشخاص الأكثر تعرضًا للشمس في الصباح الباكر يعيشون لفترة أطول ويتمتعون بصحة أفضل.
تقوية جهاز المناعة: التعرض للشمس يحفز إنتاج خلايا الدم البيضاء ويعزز صحة جهاز المناعة.
الحد من زيادة الوزن: تقليل مستوى الكورتيزول في الجسم يساهم في الحد من زيادة الوزن.
لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار التعرض للشمس أمراً ضرورياً؟!
لا شك في أن أفضل نهجٍ يمكن اتباعه في الحياة هو الاعتدال، وهذا ما ينطبق على أيضاً على موضوع التعرض للشمس أو كما نسميها بالعامية “التشمس”..!
فيمكن أن يتسبب التواجد تحت اشعة الشمس لفترات طويلة بمشاكل صحية عديدة، حيث تعتبر الأشعة الفوق بنفسجية والتي تشكل نسبة 13% من مكونات شعاع الشمس، أحد أبرز مسببات مرض سرطان الجلد.
الجدير بالذكر أن هنالك طرق أخرى غير التعرض المباشر لأشعة الشمس تجعل منها تهديداً حقيقياً لصحتنا وصحة من نحب وخصوصاً أطفالنا. أبرز تلك الطرق هو تعريض المنتجات الغذائية بمختلف أنواعها لأشعة الشمس المباشرة، والتي تعتبر مشكلة حقيقية في فضاء العمليات الانتاجية اللامتناهي وركن أساسي من أركان العلاقة الجيدة بين المنتج والمستهلك. وهنا يبرز مفهوم يعتبر من المفاهيم الأساسية في عالم الصناعات كافة وعلى وجه التحديد الغذائية وهو مفهوم “التخزين الجيد”.
ما هو التخزين الجيد ولماذا يعد شرط أساسي من شروط ضمان جودة المنتج؟!
كما ذكرنا سابقاً، في فضاء العمليات الصناعة والإنتاجية اللامتناهي تبرز مفاهيم عديدة تحكم عملية التصنيع لأي منتج كان سواء غذائي أوطبي أو حتى صناعي، الهدف الرئيسي من هذه المفاهيم هو وضع قواعد او ضوابط إنتاجية تضمن سلامة المنتج وتحقيقه للأهداف المرجوة منه على أتم وجه.
تُعرف هذه المفاهيم بمعايير الجودة او ممارسات التصنيع الجيد، وهي عبارة عن عدة بنود او شروط يلزم تطبيقها والتقيد بها أثناء الإنتاج بدءاً من المواد الأولية وهي بشكلها الخام حتى الوصول لحالة المنتج النهائي وتخزينه وتسويقه، تختلف تلك الشروط باختلاف المنتج المراد تصنيعه ولكل منتج عملية تصنيع معينة مما يعني وجود معايير جودة تصنيع معينة.
أحد أبرز هذه المفاهيم هو مفهوم “التخزين الجيد” والذي يمكن تعريفه ببساطة بأنه مجموعة المعايير المطبقة والتي يتم مراعاتها حين القيام بتخزين المنتجات قبل طرحها في الأسواق وتقديمها للمستهلكين. حيث يمكن ايضاً لمعايير التخزين أن تختلف وتتنوع متطلباتها باختلاف المنتج المراد تخزينه والاحتفاظ به، فيمكن ان تنطوي هذه المعايير على عوامل محددة من درجة حرارة ورطوبة وحتى عقامة في مكان التخزين.
في حالة الصناعات الغذائية، وفي سياق الحديث عن التخزين، يعتبر العامل الأساسي المشترك بين جميع الأصناف هو التخزين في مكان بارد وجاف وبعيداً عن أشعة الشمس، فيمكن وببساطة قراءة هذه العبارة على كل العبوات او المغلفات المعبأة بمواد غذائية.
وهنا يبرز السؤال الأهم، لم يشترط التخزين الجيد الابتعاد عن أشعة الشمس؟!
يمكن اعتبار نسبة المواد الغذائية المعبأة او المغلفة بعبوات او أغلفة بلاستيكية نسبة عالية تقارب 80% من نسبة البضائع الغذائية المتواجدة في الأسواق، وهنا تجدر الإشارة للعلاقة المضطربة بين البلاستيك وأشعة الشمس.
فيعتبر تأثير أشعة الشمس على الأغذية والمشروبات المحفوظة في عبوات او اغلفة بلاستيكية شفافة او عاتمة موضوعًا هامًا للصحة والسلامة حيث:
– تخزين الأغذية والمشروبات في عبوات بلاستيكية شفافة تحت أشعة الشمس يعرضها لتحلل مكونات العلب البلاستيكية.
– يمكن أن يؤدي ذلك إلى دخول مواد كيميائية خطيرة من العبوات إلى المياه والعصائر، مما يشكل خطرًا على صحة المستهلكين.
– تحول الأغذية المخزنة في العبوات البلاستيكية إلى أماكن خصبة لنمو البكتيريا وتصبح متلوثة ميكروبيًا وتحتوي على مواد سامة.
بالتالي يمكن اعتبار الأصناف الغذائية التي لا تحقق أهم معيار من معايير التخزين الجيد الا وهو الابتعاد عن أشعة الشمس، أصنافاً غذائية لا تستوف معايير السلامة، وينطبق عليها فحوى العبارة التي غالباً ما تدون على الأغلفة “المنتج ليس مسؤول عن سوء التخزين” لذا وبما ان المُنتج أخلى مسؤوليته عن جودة منتجه في حال لم يخزن جيداً، فمن الطبيعي اعتبار تلك العملية الا وهي التخزين عملية محورية ومهمة في ضمان جودة وسلامة الغذاء المقدم لنا.
يتفاوت الضرر الحاصل نتيجة تعرض المنتجات الغذائية لأشعة الشمس المباشرة بين نوع وآخر من المنتجات، وعلى سبيل المثال يمكننا الحديث عن المنتج الأهم والأكثر تداولاً في حياتنا الغذائية اليومية ألا وهو “زيت الزيتون” والذي يعتبر من اكثر الأوساط الغذائية حساسية اتجاه الشمس، فيمكن حتى للتعرض غير المباشر –أي التعرض للضوء فقط- أن يؤدي لما يُعرف بتدهور المواصفات الحسية والكيميائية للزيت.
كيف يمكن لضوء الشمس أو اشعتها أن تؤثر سلباً على زيت الزيتون؟
تؤثر أشعة الشمس على الزيوت الغذائية مثل زيت الزيتون بطرق مختلفة. يحتوي زيت الزيتون على أحماض دهنية غير مشبعة، والتعرض للضوء، خاصة ضوء الشمس، يمكن أن يؤدي إلى الأكسدة الضوئية. هذه العملية تعني تفاعل الضوء مع الأكسجين المنحل في الزيت، مما يؤدي إلى تكوين الجذور الحرة (أحد مسببات السرطانات) وتحلل مكونات الزيت، ويمكن أن تتسبب في تغير النكهات (التزنخ) وانخفاض القيمة الغذائية.
فزيت الزيتون البكر الممتاز، وهو أكثر حساسية للضوء بسبب محتواه العالي من البوليفينول والتوكوفيرول(مواد مفيدة)، ومضادات الأكسدة الطبيعية التي يمكن استنفادها من خلال التعرض للضوء لذلك، يُنصح بتخزين زيت الزيتون في عبوات معتمة وفي مكان بارد بعيداً عن الضوء للحفاظ على جودته وفوائده الصحية.
اما إذا تطرقنا لبقية أنواع الأغذية وبشكل عام فيمكن تلخيص الضرر الذي يلحقه بها التعرض للشمس المباشرة في النقاط الرئيسية التالية:
– التسبب في تلف الأغذية: التعرض المباشر لأشعة الشمس يمكن أن يؤدي إلى تدهور جودة الأغذية المعلبة، مما يقلل من فترة صلاحيتها ويزيد من خطر نمو البكتيريا.
– تغيرات في درجة الحرارة: أشعة الشمس يمكن أن ترفع درجة حرارة المعلبات، مما يؤثر على الاستقرار الكيميائي والفيزيائي للمحتويات.
– تأثير على النكهة واللون: التعرض للحرارة والضوء يمكن أن يغير من نكهة ولون الأغذية المعلبة، مما يؤدي إلى تجربة طعام أقل جودة.
تفاعلات كيميائية: بعض المواد الغذائية قد تتفاعل مع مكونات العلبة نفسها عند التعرض للحرارة الشديدة، مما قد يؤدي إلى تكوين مركبات ضارة.
يمكننا ان نلاحظ في حياتنا اليومية العديد من المشاهد التي تتعارض مع معيار “التخزين الجيد” ولا تعد تلك المشاهد حكراً على سوق شعبي او منطقة “بسطات” إنما يمكن رؤيتها في مختلف الأماكن، فلا تكاد تخلو منطقة من “سوبر ماركت” يرصف أمام واجهته العديد من عبوات الماء او المشروبات الغازية او حتى أصناف غذائية أخرى، او سيارة نقل بضائع تكدس في مستوعبها العديد من “الكراتين” وتنقلها تحت لهيب الشمس دون أدنى حد من التغطية حتى، تاركين للشمس الساطعة كامل الحرية في تسريع عملية تدهور وانهيار الجودة والقيمة الغذائية، مانحين إياها السيطرة الكاملة على بدء تفاعلات كيميائية لا حصر لها تساهم في تشكل العديد من المركبات المسرطنة والتي ستسبب وإن لم يكن حالاً بل مستقبلاً بمشاكل صحية لا يمكن توقعها، وهنا تجدر الإشارة للملاحظة التي نلاحظها جميعاً حول ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في السنوات الأخيرة والتي لا تعزى بمجملها للتلوث البيئي بل يمكن نسب العديد منها للتلوث الغذائي والذي يمكن ان يحدث للمنتج خلال وجوده مغلفاً.
لذا وفي الختام يمكن اعتبار التخزين الجيد ليس فقط عناية بالمنتج، بل هو مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً وعناية بصحتنا وصحة أحبائنا. إنه يضمن لنا الاستمتاع بأفضل ما في الأغذية دون التعرض للمخاطر الصحية. وفي عالم يزداد فيه الوعي بأهمية الصحة والسلامة الغذائية، يصبح التخزين السليم للأغذية والمشروبات المعلبة جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الاستهلاك الواعي والمسؤول وكون عملية تصنيع الأغذية عملية تتكون من مراحل عدة ونشهد نحن المستهلكين في الغالب على المرحلة الأخيرة وهي التقديم، فلنحاول أن نتناول ذاك المنتج المقدم لنا بطريقة تراعي في الحد الأدنى معايير التخزين الجيد، وان نبتعد مهما كانت الاغراءات المادية كبيرة من ناحية تدني السعر عن المنتج المعروض في ظروف تخزينية سيئة وخصوصاً في حال كان هذا المنتج في طريقه الى معدة طفل.
يزن القاسم- مجاز بالكيمياء التطبيقية جامعة دمشق