خندق قلعة حلب لم يُملأ يوماً بالمياه
من المعتقدات الشائعة أن الخندق الدفاعي المحيط بالقلعة كان يملأ بالمياه كوسيلة دفاعية، هذا الاعتقاد هو من الأخطاء التاريخية الشائعة المتعلقة بقلعة حلب وخندقها لأسباب عديدة.
وسنتحدث عن الأسباب ونبدأ بأن حلب عبر التاريخ كانت تعاني من قلة المياه المصدران الوحيدان للمياه الواردة إليها قديماً هما نهر قويق وقناة حيلان.
أما نهر قويق فهو نهر ضحل موسمي الغزارة تجري المياه فيه شتاء وكان يفيض أحياناً في الربيع، ولكن بقية أشهر العام كان يعاني من الجفاف.
ووصفه الصنوبري شاعر حلب المتوفى عام 945م :
قويق إذا شم ريح الشتاء … أظهر تيهاً وكبراً عجيباً
وإن أقبل الصيف أبصرتهُ … ذليلاً حقيراً حزيناً كئيباً
وتمشي الجرادة فيه فلا … تكاد قوائمها أن تغيبا
إضافة لعدم جريانه الدائم، فإن أقرب مجرى لنهر قويق إلى خندق القلعة كان يمر أمام ” باب جنين” البعيد نسبياً عن القلعة، ومستوى الأرض هناك أخفض بكثير من مستوى خندق القلعة.
ولم يتم العثور على آثار أية وسيلة قديمة لرفع الماء من هذا المستوى المنخفض لمستوى الخندق، لذلك لجأ سكان حلب تاريخياً إلى التزود بمياه الشرب عبر قناة حيلان التي تنبع مياهها من ثلاثة ينابيع صغيرة تبعد حوالى سبعة كيلومترات عن مدينة حلب ويتم توزيع مياهها بدقة وحرص على البيوت لكمية المياه المحدودة الواردة منها.
وبذلك نستنتج أن تأمين مياه بكمية كافية لغمر خندق القلعة الواسع كان أمراً شبه مستحيل.
وبالإضافة إلى السبب الأول فإن المراجع التاريخية المؤرخة لحلب ككتب ابن العديم وغيره لم تذكر أبداً أن الخندق كان يُملأ بالمياه.
هذا الاعتقاد الشائع سببه تصورات بعض المستشرقين ورسومهم الافتراضية لقلعة حلب وخندقها مملوء بالمياه، قياساً منهم على القلاع الأوربية التي كانت تعتمد هذا الأسلوب الدفاعي.
وخندق القلعة محفور في أرض صخرية كلسية حوارية هشة ونلاحظ أن سفح القلعة تم تبليطه بحجارة ملساء تخفف من قدرة المهاجمين على الصعود للقلعة.
ولكننا نلاحظ أيضاً أن جدار الخندق جهة الشارع المحيط بالقلعة غير مكسو بالصخور الصلبة الملساء بل يتواجد في بعض الأماكن المحدودة جدران داعمة لضفة الشارع بحجارة صغيرة.
وفي أغلب الأجزاء تتواجد الصخور الكلسية الهشة، بالتالي في حال تم ملء الخندق بالماء ستقوم الصخور الكلسية الهشة جهة الشارع بامتصاص الماء مما سيزيد من هشاشتها ويعرضها للانهيار، ما يؤكد استحالة ذلك.
وفي حال تم ملء الخندق بالماء بوسيلة ما فهو يحتاج إلى تصريف وإلا تحول الخندق إلى مستنقع كبير جالب للأوبئة، لم تلحظ الحفريات الأثرية التي جرت فيه أية فتحات تصريف تسمح بذلك.
ومستوى ضفة الخندق عند باب القلعة مرتفع عن مستواه في الجهة الخلفية للقلعة مما سيسبب في حال تم تعبئته بالمياه سيلان المياه جهة خان الوزير.
لمجمل الأسباب السابقة فإن فرضية أن خندق القلعة كان حاجزاً مائياَ بوجه مهاجميها غير واردة، وأنه كان حاجزاً دفاعياً كافياً لإعاقة الهجوم عليها دون الحاجة لتعبئته بالمياه.
المحامي علاء السيد – تلفزيون الخبر