العناوين الرئيسيةموجوعين

عن العيش بالصدفة والجرأة على الحلم .. شيزوفرينيا بقلم عبدالله عبد الوهاب

يتشدّق الواحد منا بكلمات ويطلق أحكاماً، ويتفلسف برؤية استراتيجية أحياناً حين يلزم الأمر، ويضحك في زمن لاحق حين يتذكرها، وربما يبكي، فالضحك والبكاء ليسا نقيضين على الدوام، خاصة في المنعطفات الاستراتيجية الخطرة لرجل تعلم “القيادة” خارج مدارس تعليم القيادة، ولا يدرك تماماً الزاوية التي ينبغي عليه الانعطاف بها حين يلزم الأمر لصفّ السيارة.

 

يعتمد الرجل على إحساسه في إنهاء الأمر بشكل جيد، ويقنع نفسه بأنه سينتهي بالسيارة بوضع آمن، لينتهي يوماً ما بكارثة حقيقية، حتى لو نفذ منها لمرات عن طريق “الصدفة” التي اعتقد دوماً أنها “حسابات ناجحة”.

 

لطالما تساءلت عن كم الوقاحة التي تختبئ خلف عيوننا لنتجرأ على العيش ب”الصدفة”، وأن نحلم بأن غداً سيكون يوم آخر، ونحن أصلاً لدينا مشكلة مع “الآخر”، حتى المتفق معنا في الإيديولوجيا والمختلف حول نقدنا لمسلسل درامي في رمضان، لأننا نعتنا الراقصة فيه ب”الرقّاصة”، واتّهمَنا بمعاداة الفن، وأن “وراء الأكمة ما وراءها”.

 

وماذا لو كنّا حقاً اطّلعنا على ما وراء الأكمة التي يتحدثون عنها منذ سنين! لربما عزفنا عن “الحلم” وسلّمنا أمرنا للرب الذي يبدو أنه ترك هذي البلاد لتعيش على “الصدف” الخالية من أي “لؤلؤ” إلا “لؤلؤ خان” الشرير عمّ الأميرة ياقوت.

 

هل للحلم ثمن؟ سؤال ربما سيدخل باب “الترف” لولا ثلاثة عشر عاماً من الموت اليومي، والصراع بين من ترك البلاد وبين من تركته البلاد، والظرف هنا ليس ظرف مكان حكماً، فالسبع العجاف تبعتها سبع أكثر عجفاً، في سباعيّات متتالية، لا يضطر المخرج فيها إلى “المطمطة” للثلاثين طالما أن الحلقات مباعة مسبقاً، كأوراق اليانصيب.

 

ونعود إلى الصدفة، فلماذا تحب أوراق اليانصيب الرابحة مدناً بعينها، سألت نفسي على الدوام هذا السؤال، هل من قبيل الصدفة أنت تكون ورقة اليانصيب الرابحة مباعة في مدينة معينة أم أن أبناء هذه المدينة يعيشون حلماً مستمراً بالربح، فيشترون أوراقاً كثيرة من أوراق اليانصيب فيزيد احتمال تحقيق أحلامهم بالصدفة، ويدفعون أموالهم وأعمارهم التي يقضونها بالانتظار ثمناً لأن يأتي هذا الحلم “صدفة”.

 

الأحلام التي تأتي عن طريق الصدفة ليست أحلاماً، ربما تبيع قناة الـ”MBC” هذا المفهوم لتجني المليارات على حساب بؤسنا، كحالمين منتظرين “صدفة” تهبط علينا من السماء أو من شاشة لا فرق.

 

ربما يكون تحميل “الله” مسؤولية العطاء، هو أسهل الطرق لتجرّع الخيبات و”تجميلها”، فالطريق إلى الحلم ربما يكون أكثر متعة من الوصول إليه ذاته، كما أخبر القرصان “سيلفر” صديقه الصغير “جيم” في مسلسل “جزيرة الكنز”، وهو نفسه صاحب فلسفة “على الإنسان أن يكون لديه إرادة الوصول كي يستطيع أن يصل” فالقراصنة اليوم هم حكماء الزمان، طالما يمتلكون القوة.

 

يقول العلم أننا من يصنع الحلم، ويبدو أن صناعتنا اليوم تتوقف عند هذا الحد، بينما الواقع هو كل ما يحيط بنا وهو ليس من صناعتنا، ومن الواضح أن الصدفة نفسها من أوجدتنا هنا في هذه البقعة الجغرافية التي أخبرونا سابقاً أنها أجمل بقاع الأرض قبل أن نتعرف بالصدفة البحتة على بلد يدعى “آيسلندا”.

 

دولة لا يزيد عدد سكانها عن عدد سكان حي كبير من أحياء دمشق أو حلب، يقال أن شعبها مسالم وطيب جداً، وقلبه دافئ على الرغم من مجاورة بلاده للقطب الشمالي، في الصيف تغيب الشمس فيها لثلاث ساعات فقط، مساكين لا يجدون وقتاً للحلم، ربما ليسوا بحاجة إليه، بعض البلاد ليست بحاجة للأحلام، الصدفة هي من أوجدت الآيسلندي في تلك البلاد، لكن من المؤكد أن الصدفة ليست ما أوصلته إلى نهائيات كأس العالم.

 

وتقول الحكايات والأخبار والمعلومات، أن أجمل “أورورا” هي تلك التي تراها في آيسلندا، ساحرةٌ، آسرةٌ، مزيجٌ خلاب لألوان الطبيعة في السماء، هناك حيث يلتقي أقطاب الشمال والجنوب للكرة الأرضية، التي تتوسط بلادنا قاراتها القديمة، وتميّزها بمزايا عدة، ربما تَحمّلها سحراً يجعلها كالشفق القطبي، الأورورا، وأضواء الشمال التي قد يدفع متتبعوها حياتهم ثمناً لرؤيتها، في الحقيقة والحلم.

 

وإن كان الأمل مرادفاً بشكل أو آخر للحلم، فنحن محكومون به، كما قال “سعد الله ونوس” مقولته الشهيرة التي فقدت في السنوات الأخيرة تأثيرها ك“ظرف السيتامول” الذي تجاوز سعر الظرف الواحد منه حاجز ال ٥٠٠٠ ليرة، بعد أن كان يضيفه الصيدلاني إلى كيس الدواء بدل “الفراطة”، فإذا علمنا أن الدراسات العلمية تقول أن العقل لا يتوقف عن التفكير أثناء النوم، وأن العقل يجترح الحلول خلال النوم، ف “يا الله ننام ونصير نحلم إنو بلدنا صارت بلد”.

 

عبدالله عبدالوهاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى