عشناهُ بين سيباطاتها لكنه لم يعد.. “أبو هادي العك” يحن إلى طقوس الشهر الفضيل في حمص القديمة
يمشي ذهاباً واياباً في إحدى جادّات باب هود في حمص القديمة، ينتظر الزبائن وما أقلّهم في صبيحة اليوم الخامس من شهر رمضان، يأمل بيع بعض أطباق البيض في مهنة يمارسها حديثا ً بعد أن كان دكّانه من أشهر محال الحلاقة الرجالية.
وعلى رصيف الجادة الفرعية المسماة زين العابدين، نسبة إلى سيباط قريب يظهر بحجارته السوداء وقناطره الشهيرة أمام المارة وسكان الحارات القريية من سوق الحشيش، يتبادل “ابو هادي العك” أطراف الحديث مع جيرانه، فالوقت طويل حتى موعد الإفطار.
تبتسم عينيه وتخفي وراءها بهجةَ ذكرياتِ طفولةٍ قضاها بين أزقّة حمص وحجارتها السوداء، و ألمِ الماضي القريب، أخذ منذ 13 عاماً كل ما أحبه في تفاصيل مدينته التي حلت عليها الحرب ضيفاً ثقيلاً لسنوات طوال.
“أخ على رمضان كيف كان وكيف صار”، يختصر السبعيني حسرة كل حمصيّ كما قال لتلفزيون الخبر، فكان لرمضان في هذا الشارع امتياز خاص كونه امتدادٌ لسوق الحشيش الشهير.
“والدكاكين منتشرة يميناً ويساراً”، يرسم أبو هادي صورة رمضان ما قبل سنوات الحرب، عندما كان بائعو التوابل واللحوم والخضار أكثر من عدد الناس، لدرجة انك لم تكن تستطيع المشي دون التوقف مرات عديدة نتيجة الازدحام.
وكانت كل حمص تأتي إلى هنا، يكمل “العك” لتلفزيون الخبر، وتمتلئ الجوامع بالمصلين، أما عصراً فيخرج السكان ويطوفون في أزقة حمص القديمة في مشهد جميل لا يغيب عن ذاكرتي رغم مرور السنوات.
وكما حال المدن التي حلت فيها الحرب، اختلفت طقوس رمضان بشكل جذري، يؤكد “العك”، وأصبح لكل حارة سوق خاص بها، كما أن معظم أصحاب المحال التجارية لم يعودوا بعد نزوحهم، في ظل عدم تأمين ما يلزمهم.
ولم يعد رمضان كالذي عشته في طفولتي، يكمل أبو هادي، وغابت البهجة ومظاهر الفرح وحتى طقوس الشهر الفضيل، بما فيها صوت المسحّر الذي أفتقده كثيراً في ثنايا السوق البالغ عمره مئات السنين.
واقعٌ دفع السبعيني إلى عدم العودة لمهنة الحلاقة في دكانه الصغير مع قلة الناس وضعف الحركة، فحوّله إلى متجر لبيع أطباق البيض، فالحالة صعبة وبدنا نعيش، يختم “العك”.
ويوجد في حمص القديمة نحو 20 سيباطاً يعود بناؤها لأكثر من أربعمئة عام، وهي كلمة مترجمة من الفارسية والتي تعني الملاذ من المطر والشمس، ويسمى بحسب مكان سكن إحدى العائلات الكبيرة أو تلك التي بنتها، فهناك سيباط بيت الجندي، بيت الاديب، بيت القاضي، بيت الجندلي، بيت البواب وغيرها، وفق الكاتب “محمد فيصل الشيخاني” في كتابه (حمص عبر التاريخ).
عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر