العناوين الرئيسيةمحليات

أبو محمد..ثمانيني يفتقد “رمضان زمان” الذي عاشه في حارة الزاوية بحمص القديمة

بنظر ٍ متعبٍ “على قدو ومغبّش”، وهو الضريرُ في إحدى عينيه، يجلسُ أبو محمد كحارسٍ أمين أمام مدخل منزله في حارة الزاوية بحي باب هود في حمص القديمة.

 

 

يبدو للناظر من بعيد أنه في سباتٍ عميق، جالساً على كرسيّ خشبيّ يُفتح ويغلق لسهولة الحمل، يتوسطه عكازٌ يقوم بدوره التاريخي في مساعدته على النهوض والمشي والدخول إلى منزله عند تقلّب طقس آذار “الغدّار” وغياب شمسه بين غيوم حمص الباردة.

يسندُ أبو محمد ظهره إلى حائط منزله المبني من الحجارة البازلتية السوداء، عنصرُ البناء الأشهر في العدية التي لقبت بأم الحجارة السود نسبة له، حجارةٌ ولد بينها وعاش معها نحو ثمانين عاماً بكل ما فيها من طفولة هادئة وشباب قضاه بالعمل في بيع الألبسة، وحربٍ لم تمحُ السنوات ذكرياتها المؤلمة بعد.

بالكاد يُسمع صوت تمتمةٍ خفيفةٍ عند الاقتراب من أبو محمد، ليزداد الصوت وضوحاً ويظهر على شكل بسملة وحوقلة وتشكّر لله، فالرجل الثمانيني مصرّ على الصوم بشكل قاطع لا مجال للنقاش فيه.

 

أبو محمد وهو من مواليد 1947 عاش جلّ سنوات حياته في الحارة التي عرفت تاريخياً بضهر المغارة في حي باب هود، يحكي لتلفزيون الخبر عن اختلاف رمضان الحالي عن ذاك الذي عاشه في عقود ماضية، بدءاً من كميات الطعام وأصنافه وصولاً إلى تغيّر النفوس، كما يرى الرجل الثمانيني.

 

فالسكبةُ كانت من أساسيات رمضان، والجيران يعرفون طبخات بعضهم من خلالها، ناهيك عن الابتسامة الدائمة على وجه الصائمين حينها، أما الآن فلا البهجة موجودة ولا السكبة باتت تكفي حتى أصحاب المنزل نفسه، يضيف أبو محمد.

 

وكانت النفس تأكل من كل ما يطيب لها وتشتهي، يتذكر أبو محمد مائدة رمضان زمان حسب تعبيره، من الشاكرية والكبة اللبنية والمجدرة والفتوش، بالإضافة إلى أصناف الحلويات كالقطايف والكنافة والمغطوطة وغيرها من أسماء نسيناها في السنوات الأخيرة.

 

“الديقة غيرت الكُل”، يشير أبو محمد بلكنة حمصية تضم الحرف ما قبل الأخير من الكلمة إلى أن الهمّ بات يسيطر على كل الناس من رأسهم إلى أخمص أقدامهم، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل لم يعهده طوال عقود عاشها.

 

وللحرب وقذائفها والتهجير بعدها ذكريات لم تستطع السنوات اللاحقة محوها من ذاكرة الرجل الثمانيني، فترك المنزل والحارة التي عاش فيهما كان من أصعب ما اختبره، لكنهما بقيا معه في

خياله وتفكيره بعد انتقاله إلى حي الغوطة، ليعود سريعاً إلى حارته منذ إعلان المدينة آمنة مجدداً.

 

ويختم الأب لولد واحد لم يرزق سواه لتلفزيون الخبر أن: “رمضان بالنسبة لي هو صحة سلامة عائلتي بالدرجة الأولى، أما ما تبقى من تفاصيل الطعام والشراب والأحوال المادية فليست ذات أهمية، لأنها أزمة وتمر والله بعين”.

 

عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى