العناوين الرئيسيةسوريين عن جد

محمد جمال.. بائعُ موسيقى الربابة على رصيف النزهة في حمص

قبضةٌ ثابتةٌ على رقبتها وأخرى تتحرك دونما توقف، ونظراٌت تلوح في الأفق البعيد الملبد بغيوم حمص الباردة، فالعمّ الثمانينيّ محمد جمال حفظ مقامات الربابة سماعياً عن ظهر قلب، ولا يحتاج للنظر إلى موضع أصابعه.

“تسوى هَلي وكل القرابة”، أغنية تراثية شهيرة بلهجة بدوية، تُسمع كلماتها في أرجاء دوار النزهة وسط مدينة حمص، يغنيها ويعزفها محمد جمال (80 عاماً)، أو أبو رائد كما يشتهر وسط الحي.

الطقسُ بارد في صباحٍ كانونيّ حمصيّ بامتياز، والناس تلتحف ما تستطيع من ثياب وتسرع بالمشي أمام بسطة أبو رائد، لكنه لم يبرح مكانه منذ عشر سنوات مضت، فالزمن عنده متوقف عند أيام زمن الفن الجميل الذي عاشه ونشر بعضه أينما حل.

وقضى محمد جمال جلّ سنوات حياته في تعلّم المقامات ومن ثم تعليمها لمن يرغب بعد أن أتقن معظمها، بالإضافة إلى غناء جميع ألوان اللهجات، كما قال لتلفزيون الخبر.

 

وتصطف الربابات والنايات والمسابح وبعض المواد الأخرى على بسطة أبو رائد، لكن الربابة ذات الوتر الواحد تبقى أغلاها، وهي التي رافقته لعقود غابرة في ترحالٍ مضى بين لبنان والعراق وسوريا.

 

“25 سنة بضيع عكار وطرابلس”، يحكي الرجل الثمانيني لتلفزيون الخبر عن أهم مراحل حياته الفنية، والتي شكلت فيها قرى وبلدات لبنان أوج بريقها لمدة 25 عاماً، وعمله طوال تلك السنوات مع أبرز شعراء عكار وطرابلس وغيرها.

 

وعن الآلات الموسيقية التي يعزف عليها ويبيعها، أكد أبو رائد أنها من صنع يديه بالكامل وبكل مراحلها، من تفصيل الأخشاب ودوزان الوتر ووضع الجلد على الربابة التي يشكل جلد الذئب أفضل خاماتها الموجودة بالإضافة إلى جلد الجدي، حسب تأكيده.

 

ويعود أبو رائد بذاكرته إلى سنوات البداية، عندما بدأ الغناء في عمر الخامسة عشر، وتحديداً في الصف الرابع، في وقت أحب الفن فيه أكثر من الكتب، وقرر خوض غمار تجربة مضت معه طوال عمره حتى التصق اسمه بالربابة والغناء والعزف.

 

ويتابع أبو رائد لتلفزيون الخبر: “انطلقت بقوة في مجال الغناء والعزف وأحييتُ العديد من الحفلات المتنوعة والأعراس، وأجيد عزف كل المقامات من عربي وشرقي وساحلي وتركي وغيرها”.

 

جالساً على قطعة قماشية في مدخل بناء سكني، سانداً ظهره إلى الباب وراءه، لا يخفي الرجل المتقاعد بعض صعوبات العمل من البرد والحر وغلاء مستلزمات صنع الآلات، لكن الراتب لا يكفي والايجارات لاهبة بالملايين لا قدرة له على تحملها.

 

وأوضح أبو رائد أن: “هناك إقبالاً جيداً على شراء الربابة، ويتراوح سعرها ما بين 175- 200 ألف، وبربح لا يتعدى 15 ألف ليرة، قد يكون قليلاً لكنه نعمة أشكر الله عليها”.

 

“حبو بعض وبس”، توجه أبو رائد للناس بأهمية إعادة نشر الحب بين الناس خلال الظروف الراهنة، أما لمحبي الفن فالنصيحة هي استمرار التعلم والتدريب لإخراج أفضل ما يمتلكون، ليعود ويكمل العزف علّ أوتار الربابة تجلب عاشقاً لصوتها الحزين.

 

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى