في ظل الأزمات والحروب.. كيف يتفادى الصحفي الضغط النفسي أثناء وبعد تغطيتها؟
تعتبر مهنة الصحافة من المهن الصعبة والمصنفة ضمن العمل في بيئات عمل ضاغطة وذلك لعدة أسباب، مثل التعرض الشديد لمشاهد العنف وتقديمها وتحليلها، وما يؤديه ذلك من ضغط نفسي قد تتجلى آثاره بشكل مباشر وآني أو بشكل متأخر، سيّما وأن الصحفي على تماس مباشر في تغطية تلك الأحداث.
وحول ذلك، أوضح المعالج النفسي فراس الشهابي لتلفزيون الخبر أنّ “جزء معقول ومقبول من الضغط النفسي في العمل هو أمر طبيعي، ولكن يجب أن يعي الصحفي متى يكون تحت تأثير ضغط نفسي شديد، وحاجته إلى تدابير وقائية وعلاجية للتخفيف من الضغط”.
وقال “الشهابي”: “الضغط النفسي الشديد يتظاهر بمنحيين من خلال أعراض جسدية تتجسد على شكل نوبات صداع، آلام في الرقبة والكتفيين، آلم في الظهر، اضطراب في المعدة، عدم الإحساس بالجوع، غصة في الحلق وثقل في الصدر وتيبس في العضلات”.
وتابع الأخصائي النفسي حديثه: “وأعراض نفسية تتمثل في تشتت التركيز، الغضب بسهولة، عدم القدرة على الجلوس، صعوبات في النوم، شعور بالحزن والذنب، وقلق، نوبات بكاء وتعب شديد”.
وأشار “الشهابي” إلى أن “الضغط النفسي الشديد يؤدي إلى الدخول فيما يشبه الدائرة أو دوامة مستمرة من الأفكار والمشاعر الصعبة والتي تشبه الخطاف حيث أن الشخص يتعلق بهذه الأفكار والمشاعر الصعبة”.
وأضاف “الشهابي”: “هذا التعلق بهذه الأفكار والمشاعر من الممكن أن يكون مستمر أو متقطع، مثل أن يكون الشخص مستمتع بنشاط ما وفجأة يعود لدائرة الأفكار والمشاعر الصعبة”.
وكشف الإخصائي عن “بعض التدابير الوقائية في حال ظهور أي من الأعراض التي تؤذي الصحة النفسية لدى الصحفي، ومنها الارتكاز أي التركيز على الأشياء اليومية والأحداث البسيطة والاستمتاع بها”.
وأكمل “الشهابي”: ” أهم أعراض الضغط النفسي هو تشتت الانتباه وضعف التركيز، حيث أن الأفكار والمشاعر الصعبة التي تؤدي إلى فكرة التعلق ” الخطاف ” قد تتحول إلى دوامة أو عاصفة انفعالية مثل الغضب أو البكاء”.
ونصح “الشهابي” أن “يشغل الصحفي نفسه بأنشطة محببة بسيطة ويومية قدر المستطاع، وتفعيل الحواس الخمسة دون التفكير بأي شيء آخر قبل البدء بالعمل الروتيني اليومي وخلال الاستراحات”.
وذكر “الشهابي” أن “البعض يعتمد على الانفكاك، أي محاولة الشخص إبعاد الأفكار والمشاعر التي تدخله في دوامة أو عاصفة انفعالية او سلوكيات غير محببة مثل الصراخ او الكحول او التبغ او المشاجرات وكل هذه الطرق في الغالب تبعد الشخص عن قيمه الحقيقية وتجعله لا يشبه نفسه”.
وأردف “الشهابي”: “لذلك يفضل اتباع الانفكاك من غير الابتعاد عن قيم الشخص الحقيقية، من خلال معرفة كيف يفكر وكيف يشعر، وتعلم الحيادية بالمشاعر وعدم التأثر بها الأحداث قدر المستطاع”.
وأفاد “الشهابي”: “من بين التدابير أيضاً التي يمكن اتباعها، شبكة الدعم وهي الحاضنة الإيجابية للصحفي لإبقائه في حالة من الاستقرار النفسي والعاطفي وتلك الحاضنة يمكن أن تكون أصدقاء او أهل أو فريق العمل او معالج نفسي او مرشد نفسي”.
وقال “الشهابي”: “لذلك أؤكد على أهمية تدريب الصحفيين وخاصة الجدد منهم على أصول المقابلة الصحفية ودمج هكذا نوع من التدريبات مع اختصاصيين نفسيين للتركيز على أهمية الحيادية وفصل المشاعر”.
ولفت “الشهابي” إلى أن “التفريغ والتعبير عن الأفكار والمشاعر، ومناقشتها مع شخص تعتبر نقطة حاسمة في استعادة التوازن النفسي”.
وقال الأخصائي النفسي: “لكل شخص دوائر مكافأة خاصة به يعرفها جيداً، وهي أفعال يقوم بها الشخص تساعد على وصوله للارتياح وتساعد على تفعيل دائرة المكافأة في الدماغ، بفرزها مواد كيميائية متنوعة تشعر الشخص بالسعادة مثل ممارسة الرياضة، مساعدة شخص بحاجة المساعدة، الاعتناء بحيوان أليف”.
ونصح “الشهابي”: “بالتركيز على صحافة الحلول وليس صحافة المشكلة فقط، بالرغم من وجود أحداث لا يمكن تغييرها ولكن يمكن تغيير الطريقة التي ينظر لها، وتفعيل التفكير النقدي لإيجاد حلول ممكنة”.
وذكر “الشهابي”: “وفي حال تعرّض الصحفي لصدمة نفسية قوية بسبب تعرضه لحوادث عنف شديدة او ظهور أعراض الضغط النفسي الشديد عليه أو مظاهر اكتئاب يجب تحويله إلى طبيب نفسي أو أخصائي نفسي وتوقيفه عن العمل مباشرة لغرض الراحة والاسترخاء والمعالجة”.
وشدّد “الشهابي” في ختام حديثه لتلفزيون الخبر على “ضرورة أن يكون لدى كل مؤسسة صحفية، شخص مرجعي مسؤول عن الصحة النفسية للصحفيين”.
ويشكّل الواجب المهني على الصحفيين السوريين خصوصاً، جرّاء تسلسل الأحداث الدامية والأخبار التي تحمل في مضمونها العنف بشكل أو بآخر، بتغطية ونقل أحداث الحرب السورية على مدار 12 عاماً.
تلاها أخبار جائحة كورونا التي لا تقل تأثيراً من الحروب الميدانية، وما حمله زلزال شباط المدمّر من نتائج كارثية، ثم تغطية أحداث فلسطين ونتائج القصف “الإسرائيلي” على غزة، بما يحمله الواجب الإنساني، المهني عليهم، بالضغط النفسي الكبير عليهم.
الجدير بالذكر أنّ غالبية وسائل الإعلام السورية بكافة كوادرها وصحفييها، تتعامل مع تغطية الأحداث الجارية في فلسطين، القديمة، والحديثة بعد القصف “الإسرائيلي” على غزة، على أنها ليست معركة منفصلة عن سوريا بآثارها ووقائعها، ومشاركة ما يشعر به الفلسطينيون من آلام وحزن ومعاناة، والانخراط بها وبحيثيات نضالها، وتأمل النصر القريب.
يشار إلى أنّ اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، صرّحت أن عدد ضحايا الحرب في غزة من الصحافيين بلغ 22 صحافياً خلال 14 يوماً، بالإضافة لإصابة 8 وتسجيل 3 آخرين مفقودين أو معتقلين.
فاطمه حسون_ تلفزيون الخبر