العناوين الرئيسيةسوريين عن جد

فلسطين خانة في الهوية .. بقلم جود سعيد 

كنا صغاراً نتأبط كتبتا المدرسية ونتمتم على طريق المدرسة؛”فلسطين داري ودرب انتصاري” كي لا تحزن عيني آنستنا الجميلة اذا نسينا منه مقطعاً أو أخطأنا بكلمة، ومن أجل صديقنا الذي وقف في الصف يوم تعلمنا النشيد وصرخ مفتخراً : أنا من فلسطين وجدي لازال يحمل مفتاح بيتنا.

 

كبرنا ولم يصغر النشيد بل شبّ معنا وخلفه كلّ الحكايا والصور والأغاني، حملنا على أكتافنا صرخات محمود درويش وسميح القاسم وفي عيوننا رسوم ناجي العلي وحروف غسان كنفاني دون أن نسأل من هؤلاء ولماذا لايفارقوننا في حلّنا وترحالنا ونعلمهم لأطفالنا بشكل لا واع؟

 

لم يعرف السوري يوماً في تركيبته الفكرية والروحية نزاعاً أو شكاً في أحقية القضية الفلسطينية أكان ذلك من جانب دنيوي أو ديني و لم يخطر في باله ولم يراوده السؤال:

لماذا أناصر فلسطين؟

لأنها وباختصار جزءٌ من هويته، بنيته المعرفية، وقاموسه اللغوي، أي هي إحدى مرتكزات وجوده الجمعي.

 

ويوم نزفت الهوية السورية – في عشريتها السوداء – مكوناتها انقساماً. كان الفلسطيني جزءاً من هذا النزيف، وجزءاً من الانقسام ودفع قسم كبير من السوريين لموقف حادٍ وقاسٍ من فصائل دينية كانت تعيش في حضنهم ليجدوها جزءاً من حربٍ في بيوتهم.

 

هنا بتّ تسمع تشكيكاً في القضية كلّها، وهل تهمّنا ولم نفني عمرنا لأجلها، فليقم كلّ بنزع أشواكه بنفسه، وهذا التشكيك هو جزء من الرضّ القاسي الذي تعرضت له هويتنا برمتها.

 

هدمٌ في أساسات تشكّلها، أرخى بظلاله على حقيقة وجودنا، وبدأت هذه الصدوع تصدّر هويات صغرى ماضوية تقدم نفسها كمشروع مستقبلي، حقيقته أنه يفتت الهوية الوطنية الجامعة وينضم إلى قطار الانتماءات الدينية والمذهبية السياسية والتي تناسب من نعرف.

 

إن هذه الندوب في هويتنا لاتُعالج بالقروض ولا بالوعود ولا بحلول في الاقتصاد أو بكلام في الإنشاء، علاجُها هو في إعادة بناء أسباب وجودها، ومن أسباب هذا الوجود ردّ الغازي والذي تمثل “فلسطين” تجليّه الأكبر، من أكثر القضايا نبلاً في تاريخ البشرية.

 

الشعب بحاجة لنصر يعطي لوجوده معنى، صناديق المساعدات وطوابير البطاقات هو مستعد أن يبيعها لأجل انتصار وجوده.

 

لم أتوقع أن أرى مراهقين وفتيات وفتيان يهتفون لفلسطين، جيل اعتقدتُ مخطئاً أن هذا الصراع لم يعد يعنيه، هذا يعني أن النشيد أعلاه صار ينتقل في الجينات وأن الهوية الوطنية السورية يجب أن تعلو على كل انتماء.

 

أياً كان من يخوض الصراع، أختلف معه حياتياً كحزب سياسي ديني ولكن أضع الخلاف جانباً لتنتهي المعركة. وواجب علينا أن نبقى إنسانيين ولا نشوّه أنفسنا بتصرفات صبيانية تسيء لقيمنا، هويتنا هوية سلام.

 

وقضيتنا أكبر من أحزابكم. وأي فعلٍ مشين ومخلٍ يستحق الإدانة الكبرى لأنه لا يشبهنا.

 

قضية فلنحافظ على بعدها الإنساني الذي يجمعنا هويةً ويجعل لوجودنا معنى حضاري.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى