الذكرى الـ 53 لوفاة “عبد الناصر”.. ماله وما عليه؟
ولد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الإسكندرية عام 1918، ودرس الحقوق في جامعة القاهرة بعد رفضه من الكلية الحربية، لكنه أعاد المحاولة 1937 ليقبل فيها.
وشارك “ناصر” في حرب تحرير فلسطين 1948، وبعد عودته قام بالتواصل مع جميع التيارات ضمن الجيش المصري وبالأخص الضباط القوميين العرب، وأراد من ذلك تشكيل نواة عسكرية لإزالة الحكم الملكي وتحرير البلاد من الإنكليز.
في 1949 أسس “ناصر” حركة أسماها حركة “الضباط الأحرار” تضم الضباط من مختلف التيارات العروبية والشيوعية و”الأخوان” والضباط الطلاب وغيرهم، وبلغ تعدادها في 1950 حوالي 100 عضواً، نشطوا بشكل سري لمدة عامين، وطلب “ناصر” من الضابط الشهير حينها محمد نجيب الالتحاق بالحركة، وهو ما تم فعلاً.
وبعد سلسلة اشتباكات دامية مطلع 1952 بين المصريين والإنكليز، في عدة محافظات، لاسيما الاسماعيلية، أوصل أحدهم رسالة لـ”عبد الناصر” يعلمه فيها أن الملك فاروق تعرف على جميع “الضباط الأحرار”، ويتجهز لاعتقالهم، ما دفع الضباط إلى التحرك في فجر 23 تموز 1952 للسيطرة على الحكم وإزاحة الملك عن عرشه.
واستولى الضباط على جميع المباني الحكومية، والمحطات الإذاعية ومراكز الشرطة، وكذلك مقر قيادة الجيش في القاهرة، وحول الضباط النظام في مصر، من ملكي إلى جمهوري، برئاسة اللواء محمد نجيب ونائبه “ناصر”، في إطار ما يُعرف بمجلس “قيادة الثورة” ،وطبقوا قانون الإصلاح الزراعي، وأعادوا تنظيم الحياة السياسية.
وظهرت منتصف 1953 مشاكل بين تياري “نجيب” و”ناصر” في المجلس، حيث تقرب “نجيب” من جميع الأحزاب المعارضة ورفض الكثير من القرارات التي طرحها تيار “عبد الناصر”، وفي شباط 1954 استقال “نجيب” من منصبه وجرى تعيين “ناصر” رئيساً لمجلسي قيادة الثورة والوزراء، وبقي منصب رئيس الجمهورية شاغراً ريثما يتم القضاء على المتمردين الموالين لـ”نجيب”.
في تشرين الأول عام 1954 تعرض “ناصر” لمحاولة اغتيال من قبل “الإخوان” أثناء إلقاء خطاب جماهيري في الإسكندرية، حيث تم إطلاق النار عليه وهو على المنصة دون إصابته.
وسيطر “ناصر” على الحكم بعد محاولة الاغتيال، وامتلك شعبية جماهيرية جارفة على مستوى مصر والعالم العربي كرسته زعيماً بلا منازع، ووضع دستور جديد للبلاد، وأسس “الاتحاد القومي” الواجهة السياسية له ولمؤيديه، وتم طرح اسمه كرئيس لمصر الأمر الذي تم في 1956.
وأثارت سياسات “ناصر” غضب الولايات المتحدة والغرب كقيامه بدعم ثورة الجزائر واعترافه بالصين الشيوعية، والتزامه الحياد في الحرب الباردة، وعقد صفقات سلاح مع المعسكر الشرقي، كل هذا جعل أميركا تسحب تمويلها لمشروع “السد العالي”.
ودفع التصرف الأميركي والغربي “ناصر” لاتخاذ قرار تأميم قناة السويس لتمويل المشروع، وفي تموز 56 ألقى خطابه الشهير الذي أعلن به تأميم القناة كشركة مساهمة مصرية، ومهاجماً التيارات الغربية والإمبريالية التي تسرق خيرات الشعب المصري والعربي.
وأثار “قرار التأميم” حفيظة بريطانيا وفرنسا وكيان الاحتلال، الذين روجوا دولياً لعدم صوابية قرار مصر، إلا أن الأمم المتحدة اعترفت بحق مصر في التأميم ما جعل الكيانات الثلاثة تخطط لضرب مصر عسكرياً كنوع من العقوبة على تأميم قناة السويس.
وفي تشرين الأول 1956عبرت قوات صهيونية مدعومة بقصف جوي فرنسي وبريطاني شبه جزيرة سيناء، ووقعت اشتباكات مع الجيش المصري الذي لم يستطع بدايةً الصمود، خصوصاً في بورسعيد، ما دفع “ناصر” لتوزيع السلاح على المدنيين وتشكيل خلايا مقاومة شعبية ساهمت مع الجيش بتسجيل صمود اسطوري بوجه “العدوان الثلاثي”.
وتمكن “ناصر” بعد العدوان وعبر إذاعة “صوت العرب” من تكريس نفسه كقائد عربي للثوريين والمقاومين من المحيط إلى الخليج، وتمكن من خلال شعبيته، من مواجهة الأحلاف الاستعمارية التي كانت تترصد بالمنطقة كـ” مبدأ أيزنهاور” ، الأمر الذي جعله يدخل بصراعات مع المملكتين السعودية والأردنية، ويدخل معهم بصراعات علنية واصفاً حكامهما بأنهما أتباع الإمبريالية.
ومع تنامي جماهيرية “ناصر” على مستوى الوطن العربي، طالبت الجماهير العربية به كزعيم لكل العرب، وخصوصاً في سوريا التي دفع الحب الشعبي له القيادة إلى توقيع اتفاقية وحدة كاملة مع مصر في 1958وأسست الجمهورية العربية المتحدة.
واتبع “عبد الناصر” وجماعته في سوريا سياسات متشددة تقوم على مركزية السلطة بالقاهرة في كل شيء، حولت سوريا (الإقليم الشمالي) إلى تابع لدولة الوحدة، الأمر الذي أدى لنفور السوريين من الدولة الجديدة، على الرغم من أنهم كانوا الركن الأساسي في قيامها، عدا عن حله للأحزاب وتنفيذه سياسات اقتصادية أدت لتدهور الوضع الاقتصادي عند السوريين، ما جعل الوحدة تنهار في 28 أيلول 1961.
وتوسع التأييد العربي للرئيس المصري في كل البلدان، لاسيما العراق ولبنان، واليمن الذي وقف “ناصر” إلى جانب جماعة “السلال” فيه ضد جماعة “الإمام البدر” التابع للسعودية، وانخرط وجيشه في صراع مسلح في اليمن حتى 1967 تكلف خلال الكثير من الخسائر وخرج جيشه بسببها منهار القوى.
ودعا “ناصر” في مؤتمر القمة 1964 إلى التصدي لمشروع الاحتلال في تغيير مجرى الأردن، وحاول تلطيف العلاقات مع قيادات الأردن والسعودية والعراق وسوريا.
وقدم دعم للجيش السوري والفدائيين الفلسطينيين لمواجهة الاحتلال، وساهم في إنشاء منظمتي “التحرير الفلسطينية” و”دول عدم الإنحياز” كما واجه اضطرابات داخلية استطاع القضاء عليها.
تلقى “ناصر” تحذيرات متتالية من السوفييت باقتراب ضربة عسكرية صهيونية لسوريا، لكنه لم يأخذها بعين الجدية، إلا أنه قام بعدة تحركات على الجبهة المصرية لتعزيز مواقع قواته درءاً لأي خطوة عسكرية من قبل الاحتلال.
وأعلن عن تشكيل تحالف عسكري مصري سوري أردني لمواجهة الاحتلال، وطالب قوات الطوارئ الدولية بالانسحاب من سيناء، بينما حاصر قائد الجيش عبد الحكيم عامر مضيق تيران.
وفي صباح 5 حزيران 1967، تعرضت مصر وسوريا والأردن لضربة عسكرية صهيونية أدت للقضاء على 90% من قدرات الدول الثلاث العسكرية، خصوصاً في المجال الجوي، وسيطر الاحتلال بعدها على ضعف ما احتله عام 1948، وسقطت سيناء والضفة الغربية والجولان بيد الاحتلال.
وخرج “ناصر” بعد الحرب معترفاً بذنبه ومستقيلاً من جميع مناصبه كضريبة على الخسارة، الامر الذي دفع الجماهير العربية والمصرية على وجه الخصوص، إلى النزول للشوارع بالملايين، مطالبينه بالعودة عن قرار الاستقالة، وهو ما تم وأعقبه قيام “ناصر” بإعفاء صديق عمره عبد الحكيم عامر من قيادة الجيش لكونه أخطأ التقديرات في الحرب وأدت قراراته لخسائر كبيرة.
وقاد “ناصر” منذ مطلع 1968 حرب استنزاف ضد الاحتلال، عبر فرق مقاومة مصرية وفلسطينية وسورية، تمكن عبرها من إلحاق خسارات كبيرة بين صفوف الاحتلال، وترأس القمة العربية في الخرطوم التي أطلقت “اللاءات الثلاث” الشهيرة واستمر في حربه الشعبية ضد الاحتلال حتى 1970 وقبوله بمبادرة “روجرز” الأميركية لوقف النار.
وتميزت فترة حكم “ناصر” بتأييد جماهيري كبير نتيجة القرارات التي أصدرها دعماً للعمال والفلاحين والطلبة وصغار الكسبة، عدا عن امتلاكه لكاريزما اكسبته شعبية مضاعفة .
لكن ما أضر بفترة الحكم الناصري، هي القبضة الأمنية الشديدة التي اتسم بها حكمه، وخصوصاً ما يسمى “دولة المخابرات” برئاسة صلاح نصر، وقيامه بالكثير من الانتهاكات التي تحولت لفضائح على مستوى العالم العربي.
وبعد نهاية القمة العربية في 28 أيلول 1970 تعرض “ناصر” لنوبة قلبية، أدت لوفاته، وفي 1 تشرين الأول خرجت جنازة مهيبة تُشيعه إلى مثواه الأخير، اعتبرت من أكبر الجنازات في العصر الحديث، بحضور كبار الزعماء العالميين من الأصدقاء والخصوم وملايين المُشيعين.
يذكر أن شخصية “ناصر” هي محط اختلاف، فهناك الكثير ممن يؤيدونه وممن يخالفونه، لكنه بإجماع خصومه قبل محبيه يبقى الرئيس صاحب الكاريزما الاكثر جدلاً والزعيم الأكثر جماهيرية في تاريخ المنطقة، وانتقلت مصر بعده من عصر “ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة” إلى عصر “كامب ديفيد” و“أمن المواطن “الاسرائيلي” من أمن المواطن المصري”.
تلفزيون الخبر