العناوين الرئيسيةسوريين عن جد

عن العباية الديرية .. أم مؤمن سيدة تختال بتراثها الأصيل

تمشي أم مؤمن المرأة الستينية “بالعباية الديرية” في شوارع ديرالزور وكأنها خرجت من إحدى الحكايا الديرية القديمة، تحمل معها تراث قديم وشكل لم يعتد عليه هذا الجيل من الشباب.

وتجيب “أم مؤمن” عن سؤال تلفزيون الخبر حول سبب إصرارها على ارتداء “العباية الديرية” ببساطة ملفتة ” هو لباس أمي وحبابتي وجميع نساء الدير في أيامنا”.

واستكملت حديثها” في أيامنا السابقة، كانت القليل من النساء فقط يخرُجن من بيوتهن من دون لبس العباية، لكن معظم الفتيات يرتدين العباية ابتداء من عمر 12 أو 14عام بحسب عادات كل عائلة”.

كما شرحت أم مؤمن لتلفزيون الخبر شكل “العباية الديرية” وأنواع الأقمشة الخاصة بها قائلة:”يكون شكل العباية الديرية فضفاض ويصل طولها للكاحل، وتحاك بشكل يدوي ولا تدخل أي آلة أو ماكينة في جميع مراحل حياكتها، وتحتاج عملية تفصيل العباية خبرة عالية في فن الخياطة اليدوية والتخريج أو التطريز اليدوي”.

وسردت “أم مؤمن” وكأنها تروي إحدى الحكاية القديمة، مستذكرة بحديثها تفاصيل حياتهم الإجتماعية القديمة، قائلة: “كانت “الخراجة” تؤشر عباية كل زبونة بوضع قطعة قماش من عند الرأس تسمى هذه القطعة “الهامة”، الغاية منها لكي لا تختلط العباءات مع بعضها، وبالأخص حين تجتمع السيدات في الأفراح والمناسبات الاجتماعية”.

وتتابع السيدة الديرية “أما السيدات ميسورات الحال، فيُدخلن سلسال ذهب رفيع “بالخَرج” من جهة الأمام على اليمين واليسار ويُعلقوا عليها قطع ذهبية صغيرة تزين العباية الديرية وتمنحها منظراً جميلاً”.

وأضافت “أم مؤمن”: “يوجد عدة أنواع للعبايات الديرية منها عباية رأس المبرد التي تعتبر من أقدم أنواع العبايات النسائية في ديرالزور و كانت تُلبَس ما قبل عام ١٩٠٠، وأصلها من العراق وهي ثقيلة جداً بالوزن ومزعجة عند ارتدائها خصوصاً من جهة الرأس مصنوعة من قماش يشبه “الكريب”.

وتابعت يلهجتها الديرية الساحرة “أما عباية القفطان، فهي قديمة جداً قبل اللون الأسود وكانت ذات ألوان مختلفة، وعباية صايم الدهر سورية الأصل، أتت بعد عباية رأس المبرد العراقية وكانت هي الأشهر في الزمان القديم”

وأكملت السيدة “أما عباية صايم الدهر فمشغولة من خيط الساتان والنايلون وقليل من القطن سوادها غير فاحم وقماشها رخيص، أما عباية الحرير فهي خفيفة وغالية الثمن، وكان سكان دير الزور يأتون بها من لبنان حصرا، ويسمى الحرير الذي يدخل في حياكة العباية الديرية “حرير هندي” مدموغ بثلاث خمسات باﻹنكليزي من جهة الخلف لتمييزها عن التقليد منها”

أما عباية الحَبَر، تتابع السيدة، “فهي اﻷرقى والأشهر والأغلى والأميز، ومن لديها عباءة حبر تتباهى بها بين النساء، وتعتبر من العباءات الشتوية نوعاً ما”.

وكان تجار دير الزور يأتون بعبايات الحبر من لبنان على شكل طابات، والطابة هي “الدرجة” القماشية الكبيرة الملفوفة يتم قصقصتها إلى قطع كبيرة مناسبة ثم تنشغل منها العبايات.

وكانت المرأة الديرية لديها عدة عبايات، فكل عباية ولها حاجتها واستعمالها ومشوارها المعين على مبدأ الألبسة الرسمية، وأنا الآن امتلك عباية حبر واحدة، وأقوم بصيانتها بشكل مستمر، كونه لم يتبقى أي خراجة تقوم بتخريج “العبي الديرية”.

والحبر الأقدم نوع خيطه يسمى “حبر فرنسي” يتميز باللون الأسود الغامق وله لمعة مميزة، وكانت المرأة الديرية تقف تحت المطر بعباءة الحبر الجديدة من أجل أن ( تنمطر) العباية الجديدة وتتبلل جيداً بماء المطر، والغاية من ذلك لكي تزداد سواداً ولمعة، والكلام ل”أم مؤمن”

وتبتسم “أم مؤمن” قائلة: “في أيام الشباب والصبا، كنا نسمع الشعراء الفراتين يتغنون ويتغزلون بالنساء اللواتي يرتدين العباية الديرية”

وبدأت السيدة الديرية تُلقي عبارات الشعر وتقول منها “على عين يابو الزلوف عيني يا موليا يم العباية الحبر حلوة يا ديرية.. يم العباية الحبر حلوة عباتِچ ياحلوة يا ديرية زينة صِفاتِچ.. وعلى عين موليتي عيني يامولية يم العباية الحبر حلوة ياديرية”

وانتقلت من بعدها “أم مؤمن” بشرح نظرات الاستغراب الذي تشاهدها في أعيُن الشباب والشابات لها أثناء سفرها إلى محافظة دمشق، عند ارتدائها العباية الديرية.

حيث تقول مبتسمة ” يقومون بسؤالي عن “عبايتي الديرية” وسبب ارتدائي لها ومن اي البلدان أكون، ظناً منهم أنني من العراق، كون النساء العراقيات، كن بالسابق يرتدين نوع من العبايات قريبة بالشكل من العباية الديرية، ولكني أجيبهم بكل فخر إنني ديرية، وأرتدي عباية تحمل التراث الفراتي القديم”.

وختمت أم مؤمن حديثها “أنا إمرأة ديرية تقليدية، أعشق تراث مدينتي، وأحاول الحفاظ على جميع الطقوس الديرية القديمة في اللباس وطريقة الحديث واستخدم المصطلحات الديرية القديمة مثل كلمة “حبابة” وهي كلمة ديرية تسمى بها الجدة أو السيدة الكبيرة في السن”.

واستطردت “أحب ارتداء العباية الديرية وكلي فخر بهذا الزي التقليدي القديم الذي كانت ترتديه جميع النساء الديريات، ولا استطيع الخروج من المنزل دون ارتداء عبايتي الديرية، رغم أنها شبه انقرضت، ولم تعُد السيدات الديريات يرتدينهن كونها أصبحت بالنسبة لهم “موضة قديمة” ومن التراث القديم للزي العام للمرأة الديرية”.

تعتبر أم مؤمن هي السيدة الديرية الوحيدة التي لاتزال تحافظ على الهندام التقليدي الذي اعتادت على لباسه جميع النساء الديريات في حقبة من الزمن، دون أن تبالي بنظرات الاستغراب التي تلحظها في عيون المارة في ديرالزور، وبالأخص الجيل الجديد من الشباب، الذين لايعرفون شكل العباية الديرية وأهميتها للمرأة الفراتية.

حلا المشهور – تلفزيون الخبر – ديرالزور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى