مدافع فرنسا غيّرت اسمه.. سوق الحريقة الدمشقي وحكاية النكبة
بمحاذاة بعض أسواق دمشق الشهيرة، من الحميدية ومدحت باشا والخياطين، يشهد سوق الحريقة بما يحتويه من محال تجارية أثرية وحديثة على حد سواء، حركة تجارية كثيفة وإن اقتصرت بمعظمها على “الفرجة”.
وكغيره الكثير من أسماء الأسواق والقرى والأحياء التي تتردد على مسامع السوريين دون معرفة أصل وسبب تسميتها، كان الفضول سيد الموقف لمعرفة حكاية سوق الحريقة، حتى قدّم العم أبو محمد أجوبته وحكاياه مستعيناً بما خزنه في ذاكرته.
“من اسمو مبين”، يشير الرجل السبعيني خلال حديثه تلفزيون الخبر إلى أن : “تسمية السوق مرتبطة بشكل واضح بالحريق والنار، وتعود حكايته إلى نحو مئة عام، عندما قصفت مدافع الاحتلال الفرنسي آنذاك مدينة دمشق بشكل وحشي، ومنها هذا السوق فتغيرت ملامحه واسمه أيضا ً”.
“العريقة مو الحريقة”، يؤكد أبو محمد لتلفزيون الخبر أن: ” التسمية الأصلية للسوق هي “العريقة” دلالة على عراقة المكان والأبنية التي تحيط به، إلا أن التهام النيران لمنطقة واسعة منه حولت اسمه إلى الحريقة.
ويضيف الرجل، وصاحب إحدى محال الأقمشة إن: “هذه المنطقة عرفت سابقاً بـ”سيدي عامود” نسبة لأحد الولاة المدفون فيها، إلا أن الاسم تغيّر بعد الحريق الذي شب فيها إبان القصف الفرنسي كما ذكرت”.
وعن تلك الحقبة الزمنية، نقل الرجل الدمشقي حكاية رواها له والده المتوفى، عندما قصفت القوات الفرنسية دمشق عام 1925، إلا ان سكانها أعادوا ترميم حيهم وسوقهم ويطلقوا عليه هذا الاسم لتوثيق الحادثة”.
وأكمل أبو محمد: “لم ينم الدمشقيون لعدة أيام، ولم يهنأ لهم العيش مع كل الركام والخراب في الحي، فواظبوا على الترميم ليل نهار حتى أعادوا الألق في رسالة تدل على حبهم الكبير للحي والسوق”.
“الحركة ليل نهار صيف شتا”، يتحدث أبو محمد لتلفزيون الخبر عن الحركة التجارية النشطة في السوق في كل الفصول والأوقات، مع وجود أكثر من 3500 تاجر في سوقها الشهير”.
ولا يخفي الرجل تراجع البيع من حيث إقبال الناس على الشراء رغم الازدحام المستمر طوال اليوم، ولم يعد خافياً تراجع القوة المالية للنسبة العظمى من سكان العاصمة بشكل واضح مع ارتفاع الأسعار، يضيف أبو محمد.
وفي العودة إلى سطور التاريخ، يذكر المؤرخ السوري محمد أديب تقي الدين الحصني في كتابه “منتخبات التواريخ لدمشق”، أنه لم يبق من المدينة إلا “الهياكل والأطلال”، وأن القصور والمنازل الدمشقية العريقة في حي سيدي عامود صارت أثراً بعد عين.
وجاء هذا القصف العنيف، وفق “الحصني” كردَّ فعل على دخول 400 ثائر عربي إلى المدينة بقيادة الزعيم حسن الخراط، وتطويق الخيالة المسلحة القادمين من جبل العرب بقيادة الزعيم الدرزي رمضان شلاش أحياء المدينة القديمة، وتأييد الأهالي للثوار.
بدورها، ذكرت الصحافية والمؤرخة الفرنسية أليس بولوفي كتابها “دمشق تحت القنابل” (1926)، الذي أرّخت بين طياته لأحداث الثورة السورية الكبرى بين عامي 1925 و 1926 من منزلها في حي الصالحية الدمشقي.
وجاء في كتاب المؤرخة أن “متاجر المدينة هدمت في ذلك اليوم، وأُحرقت منازلها، ودُمرت الأحياء القديمة بقصورها العريقة، وسقط يومها ما يزيد على 1500 شهيد “ّ، وتكمل في وصفها قائلة:
“كان المدفع يطلق حممه بفواصل زمنية متقاربة، وكانت القنابل تتابع ونرى تصاعد عمود من الدخان الأصفر يرتفع في السماء مهدداً متوعداً، وها هما الآن عامودان، ثلاثة، أربعة أعمدة ترتفع خلال أشعة الشمس التي بدأت تغيب عن المدينة، وبدت الجبال على شكل مُدَرَّج تأخذ طابعاً وحشياً معادياً ينسجم مع مظهر المدينة المُقاتلة”.
ورثى أمير الشعراء أحمد شوقي، قصف دمشق على يد الاحتلال الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، بأبياتٍ شعرية غناها لاحقاً الموسيقار محمد عبد الوهاب قال فيها:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ.ّ. ودمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي.. إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي.. جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر