العناوين الرئيسيةمجتمع

سفرة ع الشام بباص “الهوب هوب” على صوت “عادل خضور”

بمزيجِ ألوانٍ جعلته أقربَ ما يكون للطاووس أكثر من كونه وسيلة نقل، يتوسّط باص أبو محمد ساحة الكراج الجنوبي بمدينة حمص، المعروف شعبياً بكراج تدمر نسبة لمجسمٍ قريب يشير إلى آثار المدينة العريقة.

“عشّام عشّام؟” يعلو صوت الرجل الستيني في ساحة الكراج، في وقتٍ لا يكاد يفلت من سؤاله هذا أيّ من المارة، حتى ولو كانوا متجهين وبشكل واضح إلى أماكن وقوف باصات المناطق الأخرى، فالحكاية “أخدت على لساني”، يقول ابو محمد لتلفزيون الخبر.

وبينما يهرع معاونه لاستلام حقائب المسافرين إلى دمشق، يمسح أبو محمد واجهة الباص، المميز عن غيره بلون “دم الغزال” الأقرب للخمري الداكن مع رموشٍ صناعية فوق المصابيح الأمامية وعبارة “التوكل على الله” بينهما.

bdr

“يالله خالي يالله”، يصدر أبو محمد أمر الإستعداد للسفر، طالباً من المدخنين إطفاء سجائرهم، ومن الأطفال إنهاء سندويشات الزعتر، ومن الأمهات التأكد من عدد أطفالهن، فالباص امتلأ عن بكرة أبيه وحان موعد الإنطلاق.

bty

عناقيدُ عنبٍ صناعية تتدلى من سقف الباص، وتلفاز “سيرونكس” من قياس 14 إنش لم يعمل منذ سنوات، يشير أبو محمد لتلفزيون الخبر، “فالبفلات” معطلة وصوت المحرك أقوى من أن يصل صوت التلفاز إلى الركاب، ما جعله منظراً جمالياً لا أكثر”.

bty

مقاعدُ مغطاةٌ بأوجه قماشية زرقاء مطابقة للون البرادي، وبشكل جليّ فإنها تؤلم أصحاب الأرجل الطويلة لضيقها والمسافة القصيرة الفاصلة مع المقعد السابق، يبحثُ الركاب عن أكثر المقاعد وسعةً تاركين “الصدر والمفارد” للأسوأ حظاً.

bdr

وما إن أدخل المفتاح لتشغيل الباص، يسمع صوت الهواء منطلقاً من فتحات مخصصة فوق رؤوس الركاب، وتبدأ معها عبارات الرضى ومدح هذه “التكنلوجيا العظيمة” لدورها الكبير في تخفيف حدة شمس تموز.

 

“الهوايا شباب الهوايا”، يمشي معاون أبو محمد بين الركاب ليجمع الهويات والتأكد من مطابقة عددها بشكل دقيق، فالرجل ذو صيتٍ جيد في أوساط المسؤولين في الكراج والشرطة الموجودة على الطرقات، ولا يريد أن “ينزَعَها معهم”،حسب تعبيره.

 

وريثما يقف الباص خارجاً بانتظار تدقيق الهويات، يعود المعاون البالغ من عمره 16 عاما ً”المبطّل مدرسة لأنها ما بتطعمي خبز” مرة أخرى لجمع الأجرة البالغة 5 آلاف ليرة بسرعة ورشاقة وسرعة بديهة كبيرة.

 

بغمزةِ عين خاطفة تصحبها ابتسامةُ العارف، وصوتٍ خافت لا يريد لأحد أن يسمعه، يدرك أبو محمد أنه بتقاضي 5 آلاف ليرة مخالفةٌ واضحة للتسعيرة المحددة بأقل من 4 آلاف، مضيفاً: “سيدي ألف ليرة ما بتكسر حدا”، حسب قوله.

 

“يرضى عليك بخاف من الحسد والعين”، يطلب أبو محمد بودٍّ عدم تصوير باصه، خشيةَ إصابته بنظرات الحسد و “ديقة العين”، ما دفع الرجل المنحدر من منطقة ريف حمص الشرقي إلى تطريز آيات قرآنية متعددة في أماكن مختلفة من الواجهة.

 

“شو رأيك بعادل خضور”، يسأل أبو محمد حول الأغاني التي يستحسن تشغيلها على “سبيكر” منفصل، بالرغم من كونها السابعة صباحاً وتعدّ فيروز أيقونة هذا التوقيت دون نقاش، إلا أن “العتابا” وحدها تدخل قلبه وعقله فهي “بتعبي الراس”.

 

ويحكي الرجل المتقاعد مبكراً من وظيفة حكومية لتلفزيون الخبر عن بعض مصاعب العمل، التي تبدأ بالمازوت ولا تنتهي بالتصليح المكلف والمخالفات المرورية والضرائب، إلا أنه لم يخفِ في الوقت نفسه أن “خط الشام دهب”.

 

ويتابع رب الأسرة والأب لأربعة أولاد: “يعتبر خط حمص _دمشق من اقوى خطوط النقل في سوريا، وذلك لأن حمص تتوسط البلاد ومن لا يقصدها للوصول إلى منزله، يعتبرها نقطة وصل مركزية إلى محافظات أخرى”.

 

ويكمل أبو محمد: “أعمل على هذه السيارة منذ 12 عاماً في كل الفصول والظروف، حتى عندما كان الطريق خطراً لتواجد المسلحين على طرفيه وعلى الاسطح القريبة من كراج العباسيين بدمشق في فترات سابقة”ّ

 

“إذا ما اشتغلنا ما مناكل”، يقول أبو محمد، فبعد أن تركنا قريتنا وتوجهنا إلى مدينة حمص لم يتبقّ أمامي سوى العمل في سوق الهال وهناك تعرفت على صاحب الباص واتفقت معه على تفاصيل العمل المستمر حتى يومنا هذا “متل السمنة عالعسل”.

 

“عشر دقايق شباب”، يطلب أبو محمد من الركاب عدم التأخر في الاستراحة على الاوتستراد، وهم من هرعوا للننزول إما لشراء الهريسة الشهيرة، أو قضاء حاجة، أو تدخين سيجارة سريعة قبل متابعة الرحلة.

 

“ليك يا حرام ليك”، يأسف أبو محمد لمشاهد الدمار الكبير في مناطق حرستا وكراج البرلمان ومعارض السيارات التي كانت تسر العين والقلب للمسافرين ليلاً ما قبل الحرب، ليختم سكوته “الله يفرج احسن شي”.

 

وما إن يصل باص “دمّ الغزال” إلى كراج العباسيين، يهنئ أبو محمد ركابه بالسلامة، ويرد على سيل الشكر والدعاء بالصحة والعافية، مطلقاً عبارته الشهيرة ” أهلا وسهلا كل يوم تعو”.

 

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى