العناوين الرئيسيةحلوة يا بلدي

متفردة بعجائبها التسعة..في حبّ مدينة حمص “أم الفقير”

“مرة في واحد حمصي”، عبارة مألوفة ترددت كثيراً على مسامع السوريين، بل وألفها سكان البلدان المجاورة، لتكون حكراً محبباً على سكان هذه المحافظة الوسطى مترامية الأطراف.

يتجهز المرء “أوتوماتيكياً” عند سماع هذه العبارة لسماع نكتة خفيفة الظل، أو حكاية تحمل في طياتها بعض الأحداث الشيقة الممزوجة بتصرفات غريبة أو مواقف ساذجة قام بها أحد “الحماصنة”.

أن تكون حمصيّاً، فهذا يعني أن تؤخذ الفكرة عنك تلقائياً بالطرافة وخفة الظل، وتصبح بطل أي نكتة ودعابة أو حتى لتصرفاتك الغريبة حتى يقال عنك” شبك صاير حمصي”.

مدينة “فرفوشة” مثقلة بالهموم

انخفض منسوب “الفرفشة” المعروف عند المواطن الحمصي بشكل ملحوظ مع تعاقب سنين الحرب، لما حملته من أعباء على شتى الصعد، الإقتصادية والإجتماعية حتى النفسية، فانقلبت ضحكته الدائمة إلى “تكشيرة” حزينة.

وكما في كل سنوات الحرب، مر عيد الأضحى هذا العام مرور الكرام، خجولاً مثقلاً بالأعباء المالية حتى من قبل مجيئه، فالضيف يجلب معه دفع المال المترسبة بقاياه في جيب المواطن كما في كل المحافظات، وباتت عبارة “الضيف هَم” مسموعة في معظم الجلسات.

يقول محمود، الرجل الخمسيني، لتلفزيون الخبر: “صحيح أن لقب أم الفقير لم يعد ينطبق على حمص، فالجميع بات فقير الحال، يركض ليل نهار ليؤمن قوت يومه، أما الكماليات فقد تم التغاضي عنها تماماً، ومعها طقوس العيد كالسيران والمشاوير”.

“بس مو على الحماصنة، من شو بتشكي الحديقة”، يضيف رب الأسرة والأب لخمسة أولاد ذكور، “لكل عقدة حل عندنا، ورغم تراجع أحوالنا المادية بشكل كبير، إلا أن طقوس العيد ثابتة، فكان البديل افتراش أرض حديقة مجاورة وترك الأطفال يلعبون”.

أم الفقير الغنية

يفهم المرء للوهلة الأولى أن لقب “أم الفقير” المرتبط بمدينة حمص يشير لوضع مادي متدهور يعيشه أبناؤها، وهو ما نفاه أبو محسن (70 عاماً) بشكل مطلق، موضحاً أن المعنى هو العكس حرفياً.

“كل عمرنا باكاوات” يقول أبو محسن، ولا يعني اللقب أن سكان حمص فقراء، بل القصد أنه باستطاعة الفقير أن يعيش فيها، وأطلق عليها هذا اللقب منذ زمن الأجداد بعد أن لاحظوا ارتفاع أسعار المدن الأخرى كدمشق مثلاً”.

أم الحجار السود

يضاف لقب آخر الى سجل هذه المدينة وهو “أم الحجار السود” في دلالة واضحة على لون ونوع الحجارة المكونة لطرقاتها ومنازلها ومساجدها، وبشكل واضح في أحيائها القديمة، المطرزة بحجر البازلت الأسود القاسي.

“مافي أحلى منها بالعالم”، يعبّر أحد سكان حي الحميدية عن جمال أبنية حمص، ويتضح بشكل خاص أيام الشتاء الماطرة مع لمعان الشوارع بعد انعكاس إضاءة السيارات المارة عليها لتشكل مشهداً “بياخد العقل”، حسب تعبيره.

ساعتا “كرجية” والقديمة

من النادر أن تخلو جوالات قاطني حمص أو حتى زائريها من صورة بجانب ساعة حمص الشهيرة، والتي تسمى “الجديدة” بينما عرفت سابقاَ بإسم ساعة “كرجية” نسبة للسيدة كرجية حداد التي تبرعت بتكاليف بنائها في ستينيات القرن الماضي.

وتشتهر حمص بساعة ثانية تسمى الساعة القديمة، يجهل الكثيرون تاريخها الصحيح حيث ينسبون بنائها إلى الاحتلال الفرنسي آنذاك، بينما حقيقة الأمر أن بلدية حمص اشترتها من أموال الشعب السوري وتم تركيبها من قبل شركة فرنسية عام 1923خلال فترة الإستعمار.

سوقا الجمعة والمسقوف

على مساحة تمتد مئات الأمتار، يفترش عشرات الأشخاص أرض سوق الجمعة أو “سوق الحرامية” المعروف شعبيا ً، في مكان يتوسط حي “باب الدريب” وصولاً إلى دوار “الفاخورة” بمدينة حمص، وبتنظيم فردي من أصحاب البسطات، يمتد السوق الشعبي الأشهر والملاذ المجبب لسكان المحافظة.

ويعتبر هذا السوق ملجأ الفقراء والباحثين عن رخص الأسعار، بعد أن نشط خلال سنوات الحرب الطويلة نظراً لانخفاض أسعاره مقارنة بأسواق المدينة، وبات مقصداً للأهالي كل يوم جمعة نظراً لانخفاض أسعار البضائع المعروضة للبيع بين الأكشاك وعلى البسطات.

أما في قلب المدينة، يتوضع سوق حمص المسقوف الشهير، المماثل لسوق الحميدية في دمشق، إلا أن قذائف الحرب التي طالت بعض أجزائه دفعت الكثيرين من تجاره لترك محلاتهم ما أثر بشكل واضح على الحركة التجارية.

إلا أن القسم الأكبر من تجار السوق عادوا مع استتباب الأمن في المدينة، وأعادوا ترميم ما خرب سابقاً، لتعود عجلة التجارة بقوة وبيع المنتجات الغذائية والالبسة بالإضافة إلى عودة بعض المهن التراثية القديمة.

الريحان وزيارة القبور

تعود أم غدير (65 عاماً) بذاكرتها إلى حقبة زمنية بعيدة لتروي حكايات وتفاصيل العيد، مع كل الاختلافات المتغيرة مع لتعاقب السنوات وبشكل خاص بعد سنوات الحرب القاسية، التي نالت حمص حصتها الكبيرة منها.

كان للعيد طعم آخر، تقول أم غدير لتلفزيون الخبر، فالجميع ينتظر قدوم العيد أيام زمان بشغف كبير وفرحة تملأ قلوب الكبار قبل الصغار، فالكبار لا ينامون ليومين متتاليين للكميات الكبيرة المتوجب علينا تحميصها، من الأقراص والمعمول.

 

وتكمل: “حقيقة الأمر، تغيرت العادات والتقاليد الاجتماعية التي ربينا عليها، فالزيارات كانت تبدأ منذ ساعات الصباح الأولى، وتسمع المباركات في كل مكان، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيرا ً واختُصر برسالة على الجوال”.

“يرحم أموات الجميع”، تتابع أم غدير، مضيفة: “رغم كل ما تغير إلا أن زيارة المقابر وزرع الريحان صباح العيد لم ينسى، فالموتى من أقربائنا حاضرون معنا بأرواحهم وفي قلوبنا مهما تغيرت الأحوال”.

العجائب التسعة

كما ذكرنا في بداية المادة الأقرب لتكون رأيا ً وتجربة شخصية بعيدة عن ترتيب بنائها بالشكل الصحفي والمهني الأمثل، فإن العيش في مدينة حمص يجعل القاطن هنا جاهزاً ليكون بطل أي قصة ساذجة أو نكتة أو حتى قبول قوانين خاصة لم يسمع بها سابقاً.

وإن سمع الجميع بعجائب الدنيا السبع، فليتجهز ممن لا يعرف “دهاليز” الحياة في حمص لمعرفة عجائبها الخاصة التي ترقى لتكون قانونا حمصياً خاصاً ومخالفاً لما تعيشه بقية المحافظات.

يحكي أبو مؤيد لتلفزيون الخبر ما سمعه وعاشه خلال سنوات عمره، بادئاً حديثه بالتطرق إلى أولى عجائب حمص، وهي الأوقية، فمن المعروف أن الأوقية تساوي 200غرام في عموم سوريا، إلا في حمص فهي تعادل 250 غرام.

أما ثاني أهم عجائب حمص، بحسب الرجل المعمر، فهو نهر العاصي، وفي اسمه تكمن الحكاية، حيث أن كل الأنهار في المنطقة تنبع من الشمال إلى الجنوب، إلا نهر العاصي فينبع من الجنوب باتجاه الشمال”.

ولا يمكن تجاهل رموز حمص دون التطرق إلى يوم الأربعاء، الذي يعد صفة ملازمة للحمصي، بحسب أبو مؤيد، حيث استطاع الحماصنة بالفطنة والدهاء في ذلك اليوم منع المغول من دخول المدينة عكس جميع المدن التي وقعت تحت سيطرتهم.

ولأن المجال لا يسمح بتفصيل كل عجائب حمص، عددها أبو مؤيد مختصراً اياها بعجز المغول عن دخولها، وعدم عيش اليهود فيها، واختفاء العقارب من أرضها، ورطلها المعادل
3 كيلو غرام، وخميس الحلاوة الشهير.

ضمّ الحرف الأول..”حومص” مثالاً

يستطيع أي سوري تمييز أصول الحمصي مجرد نطقه الكلمة الأولى في حديثه، فضم أول حرف محصور بهم دون سواهم من قاطني المحافظات الأخرى.

فإن كان “الشاميّ” مشهور بمدّ الكلمات إلى أقصى الحدود، والحلبي بتشديد لفظ الجيم، والديري “شكون” وابن السويداء المعروف بكلمة “يقي وإسا”، والساحلي بالقاف المفمخة، فقد تفرد الحمصي “بحومص العديّي”.

ختاماً، ومن باب الأمانة وقول الحقائق، كتبت هذه المادة من قبل مراسل تلفزيون الخبر، القاطن حديثاً في مدينة حمص منذ مدة تقارب العامين، لكنه وقع تحت سحرها حتى بات يتلقى “تلطيشات” رفاقه كونه حمصيّاً يعيش العيد كل يوم أربعاء.

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى