توفيق المنجد جزء من ذاكرة رمضان في سوريا
ارتبط اسم توفيق المنجد بشهر رمضان المبارك، حيث اعتاد السوريون السحور على صوت ابتهالاته وتواشيحه الرمضانية، ليتحول في ما بعد إلى جزء من الذاكرة الجمعية للسوريين عموماً، والدمشقيين على وجه الخصوص.
ولد توفيق أحمد فريد الكركوتلي سنة 1909 في حي القيمرية بدمشق، واشتهر بـ”المنجد” نسبة لمهنة والده الذي كان يعمل في مهنة التنجيد، ودرس الابتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري، وعمل بعدة مهن، وفي النهاية استقر على مهنة التنجيد وبرع بها.
وكان “المنجد” يسترق السمع من دكان والده قرب الجامع الأموي إلى صوت الأذان وتجويد القرآن والمدائح النبوية التي كانت تقدمها بعض الفرق الإنشادية في المناسبات الدينية المختلفة، وهو ما كان له السبب الأساسي لشغفه بالإنشاد الديني.
وتعلّق “المنجد” بألحان الشيخ سيد درويش وأتقن حفظها، وأنشأ مع مجموعة من الهواة فرقة صغيرة قدّموا من خلالها وصلات غنائية وأحيوا الموالد والأفراح بدمشق وريفها.
واستطاع “المنجد” خلال سنوات قليلة أن يصبح المنشد الرئيسي في حلقات الفرق الصوفية ولاسيما المولوية، وكانت قاعات المساجد تعج بالناس للاستماع إليه في حلقات الذكر.
والتحق “المنجد” بالمعهد الموسيقي الشرقي وتم اختياره ليكون منشد الحفل الذي أقيم على مدرج الجامعة السورية برفقة 50 عازفاً، وغنى مونولوج حمل عنوان “دمعي اشتكى من أوجاعي وخف نداه”، وأعجب بصوته الرئيس تاج الدين الحسني، وطلب منه إنشاد قصيدة “يا ليل الصب متى غده”.
تعاقدت مديرية أوقاف دمشق مع “المنجد” لإحياء ليالي رمضان المبارك والمناسبات الدينية في الجامع الأموي، وكانت مدائحه النبوية وأناشيده تذاع عبر أثير الإذاعة في وقت السحور، ما أكسبه شهرة على مستوى سوريا ليلقب ب”بلبل الشام”.
وسجلت شركة “أسطوانات كولومبيا” اللبنانية في منتصف الأربعينات 10 أسطوانات “للمنجد”، تضمنت 10 قصائد وأغنيات ومدائح نبوية من نظمه وألحانه.
وأسس “المنجد” برفقة المنشدين نعيم أبو حرب ووجيه حلاق وآخرين، مطلع الخمسينات، فرقة “رابطة منشدي دمشق” التي عُنيت بالإنشاد الديني، لينضم بداية السبعينات لها المنشدين سليمان داوود وحمزة شكور وتصبح تحت اسم “رابطة المنشدين في سوريا”.
وذاع صيت “المنجد” وفرقته عربياً وإسلامياً بأداء الموشحات والابتهالات الدينية والأذان الجماعي والتذكير والصمدية والتسابيح والتراحيم.
وأصبحت الرابطة هي الفرقة الرسمية التي تُحيي أي مناسبة دينية بسوريا، مثل إحياء ليالي القدر والإسراء والمعراج وعيد المولد النبوي ورأس السنة الهجرية في الجامع الأموي.
واكتسب أداء “المنجد” وفرقته للأذان الجماعي “أذان الجوق” في الجامع الأموي بدمشق شهرة عربية وإسلامية لما يحمله من جمال وتميز، حيث يقول المؤذن عبارة منه لتتابعه باقي الفرقة بنفس الجملة وفي وقت واحد وبمدة زمنية أطول.
وكان يرفع الأذان من مئذنة “العروس” ويتم الصدح به وفق مقامات عدة موزعة على الأيام، كمقام الصبا السبت والبيات الأحد والنوى الإثنين ويعود أصل الأذان الجماعي للأمويين، لكن شكله الحالي أوجده الشيخ عبد الغني النابلسي أستاذ توفيق المنجد.
ومن الأعمال التي اشتهر بها “يا راحلين يم المصطفى” و”رمضان تجلى وابتسم”، و”يا فرحتي بلقاك بعد زمان”، و”روّح فؤادك قد أتى رمضان”، و”رمضاننا أنت المنى في كل عام بالهنا”، و”فودعوه ثم قولوا له يا شهرنا هذا عليك السلام”، و”يا إمام الرسل يا سندي” و”طه يا حبيبي”.
يذكر أن توفيق المنجد كان يعمل كتاجر أقمشة في أحد أسواق دمشق، إضافة لاستمراره برئاسة فرقة “رابطة المنشدين” حتى وفاته عام 1998.
تلفزيون الخبر