” احزي البخ” اللغة السرية لتجار سوق المدينة بحلب ..الحلقة الاولى ..بقلم المحامي علاء السيد
لكل مهنة مفردات خاصة يتداولها ويفهمها فقط رجال هذه المهنة، وفي اسواق المدينة التاريخية بحلب التي يزيد عمرها عن مئات السنين هناك ثلاثة اسواق رئيسية ، هي سوق الزرب وسوق الصابون وسوق القطن، وتختص ببيع البضائع بالمفرق ويتوارث تجار هذا السوق محلاتهم أبا عن جد، مما شكل فيما بينهم وسطا اجتماعيا تجاريا ذو عادات وتقاليد خاصة موغلة في القدم، وتختلف بعاداتها عن اي مكان آخر في العالم .
تتجلى فرادة هذا الاسواق باستعمال أصحابها فيما بينهم لغة خاصة مليئة بالرموز وبالتعابير والكلمات الغامضة والمستمدة من لغات الحضارات السابقة التي سادت بحلب، ولا يستطيع – حتى الآن – من هو من خارج السوق فهمها، اسم هذه اللغة السرية ” احزي البخ”.
الغريب في الامر ان مؤرخ حلب خير الدين الاسدي لم يذكرها في موسوعته اطلاقا وبقيت دون توثيق حتى هذا التاريخ.
وحرصا على التراث المعنوي اللامادي لمدينة حلب واهلها، خاصة بعد احتراق اسواق المدينة وهجرة قسم كبير من تجارها، قمت بجمع بعض مفردات هذه اللغة ممن بقي بحلب ومازال يتقنها حفاظا عليها من الاندثار.
سأورد مشهدا تخيليا لأحد محلات هذا السوق مع ما يتم تداوله من هذه اللغة :
في احد محلات السوق يدخل احد الزبائن ليستقبله صانع صاحب المحل، يقوم التاجر صاحب المحل بالفراسة وبحكم خبرته الطويلة بتقدير وضع الزبون ويقترب من صانعه قائلا :
(حشيّم راعيّه.. حج شدّاد )
هذه العبارة تعني ان هذا الزبون دفيع ( حشيّم ) ، اما كلمة راعيه فهي لاثارة رضى الزبون ، وكلمة ( حج شداد ) هي شيفرة بين التاجر وصانعه تعني شد عليه بالاسعار ولا تراعيه .
فورا بعد هذه العبارة يقوم الصانع بتضييف الزبون سيجارة وينادي بائع القهوة المتجول لتضييف القهوة للزبون .
من الجدير بالذكر ان التقاليد القديمة تمنع منعا باتا ابناء صاحب المحل من تناول القهوة امام والدهم مهما بلغوا من العمر و بالطبع من البديهي عدم التدخين امامه .
اثناء بيع الزبون ( الحشيّم ) يدخل زبون ثاني للمحل، ويبدأ بالتدخل بعملية بيع الزبون الاول ناصحا اياه بأن نوعية البضاعة ليست بالجودة التي يزعمها الصانع .
يقول التاجر لصانعه : ( حطيط عبنكّع دلجو ) وتعني ( حطيط ) ان هذا الزبون غير مهم ولا يستحق العناية و( ينكّع ) تعني انه يخيّس بقيمة البضاعة و( دلجو ) تعني يجب صرفه واخراجه من المحل، وفي حال كان زبونا مزعجا جدا يقول له ( حطيط احط من الدبق) .
يبادر الصانع فورا قائلا للزبون غير المرغوب به : بتلاقي طلبك عند دكان “معمو” اسأل عليه بآخر السوق .
طبعا لا يوجد دكان بإسم دكان معمو، وما ان يخرج الزبون سائلا عن موقع دكان معمو حتى يكون بقية تجار السوق قد فهموا انه زبون غير مرغوب فيه .
يبدأ الصانع بوصف البضاعة بعبارات خاصة لاقناع الزبون : ( بضاعة اردنة أول باب ) وتعني انها بضاعة نخب اول، وفي حال كان الزبون غريبا ويرغب الصانع بالسخرية منه للتسلي، يضيف ( دمغتها على زيق المسيل ) في محاولة لايهام الزبون ان البضاعة كالجوخ الانكليزي مدموغة من طرفها علما ان المسيل يعني المجرور .
في حال طلب الزبون صنف معين لا يوجد في المحل ويعلم التاجر ان محلا آخر مجاور يوجد لديه هذا الصنف فيقول لصانعه ( سعيّها جيبها من المستودع ) وهي عبارة تعني اذهب واجلب الصنف من عند محل آخر دون ان يشعر الزبون .
عندما يجلب الصانع البضاعة ولكي يشرح لصاحب المحل رأسمالها دون ان يشعر الزبون – ليضيف صاحب المحل ربحه – هناك عبارات خاصة فمثلا :
اذا كان رأسمال البضاعة 250 ليرة يقول لمعلمه ( حقها حاصي الخمسمية ) وتعني نص الخمسمية او( انطرتين ونص ) علما ان الانطرة الواحدة تساوي 100ل .
فاذا اعجب الزبون بالبضاعة يقول التاجر لصانعه : ( اطنيه ) اي طالبه بأعلى سعر واكويه .
فجأة تأتي دورية تموين للسوق لتفتش عن مخالفات للاسعار او عن نوعية البضائع، ليبدأ فورا شخص مخصص يوجد في كل سوق ويتقاضى راتب اسبوعي من اصحاب المحلات يسمى ( الخميسية ) بالمناداة ( عباية ..عباية ) وكلمة عباية خاصة بدوريات التموين حصرا اما الدوريات الاخرى فلها كلمة رمزية أخرى سنأتي إليها لاحقا، واحيانا تقبض عليه دورية التموين لهذا السبب .
عند سماع كلمة عباية يبدأ التجار ينادون بعضهم ( دلج من هون ) اي اخلي المحلات، ولا يبقى عادة الا من كان لديه زبون ( حشيّم ) فيخاطر بالبقاء لئلا يفقد زبونه.