“ربابة ما طفت آهاتي ولا عود”… في ذكرى رحيل فؤاد غازي ترنيمة السهل ونفحة الجبل
يصادف يوم 2 آب ذكرى رحيل صنّاجة سهل الغاب الفنان الكبير فؤاد غازي، فؤاد الذي زرع في أفئدة محبّي التراث والفن الشعبي السوري بستان وورود أينعت لتزهر مدى الدهر.
ولد الفنان الكبير فؤاد غازي عام 1955 في قرية فقرو بسهل الغاب في محافظة حماة السورية، واشتهر بلقب قريته نتيجة لذلك “فؤاد فقرو”.
وانطلقت حكاية الفؤاد من مسقط رأسه “فقرو”، حيث عاش في كنف جدّه شاعر العتابا أسد فقرو، الذي كان ينشد العتابا لحفيده في وسط تلك الطبيعة التي يحدّها الغار والسنديان والزعرور وأزهار السهل.
كبر “فؤاد” ليكشف الزمان عن حنجرة جبّارة تصدح “الأوووف” ليأتي الرد كنسمات سهل الغاب العليلة، وما بين “العتابا” و”الميجانا” و”اللالا” و”الروزانا” و”الدلعونا” بدأ فؤاد منذ طفولته الغناء في حفلات قريته والقرى المجاورة ليسطع اسم “فؤاد الصغير” في سهل الغاب.
كبر “فؤاد” وازداد الصوت تألقا ونفحات جبلية تتخلله، كبر فؤاد وازداد الصوت علواً كشجرة التوت “يا حبّ التوت ينبر للطوالي، لأجل شعرها ال غوى فيه الطوالي، يا صبّي خمرتك فوق الطوالي، ارتمّى الفنجان وانكبّ الشراب”
ذاع صيت “فؤاد” حتى غالبية المحافظات السورية فكان التعاون الأبرز مع الملحّن الكبير عبد الفتاح سكّر والشاعر حسان اليوسف في “لازرعلك بستان وورود”، هذه الأغنية التي رددها جميع العرب وأصبحت موروث شعبي كما حكايا شهريار وشهرزاد في “ألف ليلة وليلة” “وأسرقلك من حول البدر أجمل نجمة مخبّيها”.
وأضحى اسم “فؤاد” متداول ويرمز لصوتٍ يجمع السهل بالجبل بشكل مبهر وبحنجرة عريقة وصوت صافي كما الجداول في سهل الغاب.
حمل “فؤاد” لواء اللهجة السورية الصافية قبل الدراما بعقود، ولم يغنّي إلا بها، فأذيعت له أغنيته “صف الفشك” على أثير إذاعة دمشق بالتزامن مع قيامه بالبدء في الغناء ببرنامج “ملهى القصر” أفخر نوادي دمشق في تلك الحقبة.
ولمع اسم فؤاد بالكثير من الأغاني التي تعاون فيها مع كبار الملحنين والشعراء مثل “صبر أيوب” و”لا بالله يا أهل الدار” و”ما ودعوني” و”حلمك علينا يا بحر” و”يا أسمر” و”جدولاتك مجنونة”.
أمّا في العتابا نشأت ظاهرة تسمّى “فؤاديات” كدلالة على العتابا الصافية التي تحمل نفحات المنطقة، وتعاون فؤاد مع عدّة كتاب أبرزهم ابن مدينة سلحب الشاعر الراحل جميل جنيد الذي أدمى قلوبنا في “بدر يللي القمر لولاك ما يتم، هجرتني وجعلت هالدار ميتم، دجلة والفرا وسيحون ميتم، ما وازوا ربع دمعي عالاحباب”
لم يبتعد فؤاد عن الواقع الوطني الميداني وعن شغف الرجال، فكانت مع*ارك تش*رين ملهمة لأغنيته التي رددها السوريون بعزم جلمود صخر “زفّوا العساكر للمجد، زفّوا السواعد للوعد، نحن روينا ترابنا بالد*م ومنروي بعد”.
أمّا النظرة الحياتية للشاعر المحكي ابن حوران حسين حمزة تجلّت في “تعب المشوار” التي لحنّها زهير العيساوي وغنّاها فؤاد بطريقة علّق عليها بعض النقّاد بما يلي: “فؤاد يسرد تعب المشوار بفؤاده”.
إثر ذلك في منتصف التسعينات اختفى فؤاد فجأة وعاد إلى مهده “فقرو” إلى أن أصابه المرض في مكمن الموهبة ومكمن الدرر النفيسة، في حنجرته، وبقي مغيبّاً فترة من الزمن حتى بعد مرضه.
وبقي الوضع على ذلك حتى قيام التلفزيون السوري أخيرا بانتاج وثائقي عن فؤاد تم تصويره ما بين دمشق وسهل الغاب.
رحل فؤاد غازي إثر استفحال مرضه في 2 آب 2011، وكان آخر ما غنّاه أغنية “بعد زمان” حيث يقول بها “رف يا قلبي وطير”، رحل “ملك العتابا” و”كروان الجبل” و”صنّاجة سهل الغاب” فؤاد غازي بعدما ردد الآلاف إثر عتاباته “الأووووف” و”طيّب الله عيشك يا أبو فادي”.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر