العناوين الرئيسيةثقافة وفن

سيد القمني.. رحيل المفكر الذي اختار العيش بالحكاية 

جاء سيد القمني من صعيد مصر، ليعلن أنه سيواجه “الوحوش في أقفاصها”، كنايةً عن الأفكار المتطرفة والتهديدات التي تلقاها، فأخذ هذا المسار في حياته الفكرية، واختار أن يخوض معارك امتدت معه حتى وفاته، حيث كان يرى ألا مفر من خوض معارك في مجتمعنا العربي.

يُعتبر “القمني” الحاصل على بكالوريوس في الفلسفة من جامعة عين شمس، صاحب أفكار اتسمت بالجرأة في تصديه للفكر الذي تؤمن به جماعات الإسلام السياسي، بينما يعتبر نفسه أنه يتبع فكر المعتزلة، وهي جماعة إسلامية قديمة فضّلت إعمال العقل على النقل في الفكر الديني.

ويهتم “القمني” بدراسة الأديان الإبراهيمية الثلاثة، ويقول إنه “انشغل بدراسة ما كان يحدث في الواقع المثبت علمياً، وليس ما يجري في الخيال، وهذا ما يُزعج أصحاب الفكر الجامد، وهو سبب اتهامه بالكفر وعدم الفهم”.

وقال “القمني” في حديث تلفزيوني له إن “بداية ولعه بالتعمق في التاريخ الإسلامي يعود إلى نكسة حزيران 1967”.

وقرر أن “يكون جندياً من نوع آخر وأن يضع يده على جوهر وجذر المشكلة والتي لم تكن مشكلة إخفاق عسكري وحسب بل كانت حسب رأي القمني “متأصلة في الإطار الفكري الإسلامي وليس في الإطار الفكري العروبي”.

ورفض “القمني” فكرة “أن الموروث الثقافي العربي يبدأ من بدء الرسالة الإسلامية بل إنه مجموعة من التراكمات الثقافية والحضارية لشعوب كانت في منطقة الشرق الأوسط قبل وبعد ظهور الإسلام وأنه من المستحيل لثقافة أو حضارة أن تتكون من نقطة ابتداء محددة معلومة.”

وعبّر “القمني” عن رفضه هذا بقوله إنه “لا شيء إطلاقا يبدأ من فضاء دون قواعد مؤسسات ماضوية يقوم عليها ويتجادل معها، بل ويفرز منها حتى لو كان ديناً.”

وبيّن أن “الاعتقاد بأن كل فكرة سبقت الإسلام ليست متكاملة بل فيها الكثير من العيوب يجعل المرء متقوقعاً في إطار يعتقد انه الأفضل والأكمل”.

وتتجه انتقادات “القمني” بشكل أساسي نحو إدخال الدين في السياسة، ويعتبر أنه “يضر بالدين ويضر بالسياسة والمجتمع والديمقراطية، وأنه عندما دخل الدين بالسياسة حصلت كبرى الكوارث في تاريخنا وانقسم الدين إلى فرق”.

وانتقد “القمني” مستوى التعليم في المدارس العربية وقال إنه “في قاع بحر الظلمات، لأن طريقة التعليم هي الحفظ والتلقين وحتى العلوم الغربية يتم تدريسها بطريقة إسلامية.”

وفاز “القمني” بجائزة الدولة المصرية التقديرية في العلوم الاجتماعية لعام 2009، الأمر الذي لم يلقَ ترحاب الإسلاميين، فرفع الداعية الإسلامي يوسف البدري، دعوة قضائية ضد وزير الثقافة آنذاك، فاروق حسني، وشيخ الأزهر، معتبراً أن “الجائزة إهدار للمال العالم”، وأنها “مُنحت لشخصية تسيء للذات الإلهية والدين الإسلامي”.

وتعرّض “الأزهر” للانتقاد من “القمني” الذي اعتبر أن “جزء كبير من مؤلفاته وكتبه تدعو إلى العنف والكراهية والإقصاء”. بالمقابل كان يرى “الأزهر” أن “كتب سيد القمني تتضمن أفكاراً هدّامة وفيها ازدراء للدين”.

وأنتج “القمني” في مسيرته أكثر من 24 كتاباً، تمتد من الأساطير إلى قراءة الرواية الدينية بإطارها التاريخي، أبرزها ” النبي إبراهيم والتاريخ المجهول 1996، رب هذا الزمن 1997، السؤال الآخر 1998، قصة الخلق 1999، إسرائيل الثورة التاريخ التضليل 2000، أهل الدين والديمقراطية 2005″، وغيرها.

وطرح ” القمني” في كتابه “السؤال الآخر” تساؤلات يقول إنه “آن لها أن تطرح أيا كانت العواقب على شخص الكاتب، وهي تساؤلات تدفع للاعتياد على سماع الرأي الجديد أو المخالف، وفتح النوافذ على العقل دون تقييد أو قمع، وأن تناقش الفكرة الأخرى ولا تطالب بمصادرتها أو تكفيرها”.

وقام الأزهر عبر مجمّع البحوث الخاص فيه، بمصادرة أحد أشهر كتب “القمني” الذي صدر عام 1997، وهو كتاب “رب هذا الزمان”.

وسبق أن تعرض عدد من المفكرين الذين نحى “القمني” منحاهم، للرفض والضغوط سواء من الأزهر أو من الأوساط الاجتماعية والدينية المصرية، أمثال حامد نصر أبو زيد، وفرج فودة الذي اغتيل على أيدي جماعات دينية متطرفة.

ويبقى سيد القمني الذي رحل عنّا في السادس من شباط 2022، واحداً من المفكرين الذي لم يبخلوا على القارئ العربي بتقديم ما وصل إليه من أبحاث واستنتاجات، وساهم بطرح الكثير من الأسئلة حول قضايا ومواضيع تكدّس عليها غبار الزمن وتحتاج بين الحين والآخر إلى رياح تنفضه عنها.

واختار “القمني” أن يحمل أبحاثه ودراساته وينزل بها من المنصّات النخبوية، إلى الشارع البسيط حيث كان يرى أنه الميدان المناسب لنشرها، غير آبهٍ بما لاقاه من ردّات فعل ولو كانت عنيفة، فهو مغيره من المفكرين الذين يعيشون في الحكاية وتبقى منتجاتهم الفكرية تذّكر بهم ولو بعد حين.

وهاج عزام – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى