اخبار العالم

هل يخدم “تصوير و عرض اعترافات المتهمين بالجرائم” القانون؟

انشغل الشارع السوري مؤخرا، بأخبار الجرائم، التي تصدرت المشهد، وتواتر وقوعها، بالتزامن مع دخول العام الجديد، 2022، في محافظات عدة.

سباق تتابع

ولايكاد ينتهي السوريون، من الحديث عن جريمة تشغل وسائل التواصل، حتى تنشغل الأخبار، بتفاصيل جريمة جديدة، وتتحول فجأة لحديث الناس والشارع.

ومع تحول الجرائم من قضايا محلية، كانت تتناول في نطاق المحافظة التي وقعت بها، لا أكثر، إلى قضايا رأي عام، تشغل السوريين، داخل البلاد وحتى خارجها، تغير التعاطي مع الجرائم، ومع تبيان تفاصيلها.

على مقياس “الترند”

وباتت الجرائم تقاس وفقا لقوتها على مقاييس “الترند”، فالجريمة التي تحصد تفاعلا وجدلا كبيرا، على “السوشال ميديا”، تحصد بالمقابل نصيبا وافرا من التغطية، بنشر فيديو لاعترافات المتهمين، أو عرض مقابلة معهم أو مع أهل الضحية.

ويكتفى في جرائم أخرى، أقل تداولا عبر وسائل التواصل، بكشف ملابسات الحادثة، مع إخفاء وجه المتهمين، وعدم ذكر أسمائهم الكاملة، دون الخوض في تفاصيل أكثر.

أصل الحكاية

ولا تعتبر ظاهرة عرض الاعترافات وكشف الملابسات قبل إغلاق القضايا قضائيا، جديدة على السوريين، وهم الذين يتذكرون جيدا، المذيع الراحل علاء الدين الأيوبي، وبرنامجه الشهير، “الشرطة في خدمة الشعب”.

وكان يتضمن البرنامج المشهور في تسعينيات القرن الفائت في سوريا، فقرات تتضمن عرض اعترافات المتهمين بقضايا جنائية وجرائم مختلفة، يجيب فيها المتهمون على أسئلة المذيع الراحل، والتي لابد أن تتضمن السؤال التقليدي، “ندمان يا إبني؟”.

ومابين “كليشيهات” الأجوبة المعتمدة من قبل المتهمين حول “صرف الأموال المسروقة على الملذات الشخصية” أو “ندمان ياسيدي طبعا وأدعو الناس لتجنب الطريق الذي مشيت فيه”، وغيرها، تنتهي الحلقة، وتنتقل وقائع التحقيق وتمثيل الجريمة، من الدوائر الرسمية، إلى شاشات السوريين.

كتاب رسمي

ويعيد الحديث عن “الشرطة في خدمة الشعب”، التذكير بكتاب كان أرسله وزير العدل في العام 1995 حسين حسون، لوزارة الإعلام، يتداول فيه البرنامج المذكور، ويوجه له بعض الملاحظات القانونية.

وتضمن كتاب وزير العدل حينها إبلاغ وزارة الإعلام بمعروض قدمه أحد المتهمين الذين عرضت اعترافاتهم في البرنامج المذكور، يعرض فيه أن عرض الاعترافات يخالف المبدأ الدستوري الذي يقول بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ويخالف مبدأ سرية التحقيقات.

وحضر في كتاب الوزير آنذاك العديد من الملاحظات القانونية التي تناقض عرض الاعترافات بشكل علني، ليختم الوزير كتابه، برجاء ملاحظة تلك القوانين لاحقا، والايعاز بالاستحصال على موافقة قضائية، في مثل هذه الحالات.

ومن الأسباب التي ساقها الوزير حسون في كتابه آنذاك، والمبني على قوانين نافذة، حتى يومنا هذا، الحفاظ على سرية التحقيق، عدم جواز التعذيب المعنوي، وإمكانية استخدام المتهم لعرض الأدلة، عبر خلق مايلزم للنيل من هذه الأدلة أو إلغائها.

ماذا يقول القانون؟

وقال المحامي رامي جلبوط لتلفزيون الخبر إن: “الحكم القضائي المبرم هو عنوان الحقيقة، وكل ما يسبق عنوان الحقيقة، تبقى مجرد افتراضات، والاعتراف دليل كغيره من الأدلة، ولايعتبر لوحده أداة إدانة، وعرضه يحتاج لإذن من المحامي العام”.

وتابع “جلبوط”: “الاعتراف وعرضه قد يسهل هروب المجرم الحقيقي ويغطي عليه، عبر توجيه الرأي العام باتجاه واحد، ولا يجب عرض شيء قبل بدء جلسات المحاكمة”.

وأكمل “جلبوط”: “بالتحقيق يفترض التعامل مع جميع الفرضيات بنفس الدرجة، ويتم ترجيح فرضية على حساب أخرى، حسب ما يدعمها من الأدلة، ولايمكن اتخاذ اجراءات قضائية وإقرار عقوبات لمجرد اعتراف أي متهم وعرض اعترافاته”.

للوقت أحكامه

وبين “جلبوط” إن: “كل قضية تخضع لمسار قضائي متعدد بين الادعاء والدفاع، ومحاولة إثبات التهمة ونفيها، أو تشديد العقوبة وتخفيفها، حتى إقرار الحكم النهائي، بعد المرور بكل القنوات اللازمة ابتداء من التحقيق، وهذا قد يحتاج لوقت طويل”.

واستكمل “جلبوط”: “عرض اعترافات المتهمين لا يؤثر في مسار القضية التي يبحث في اتهامهم بها، وبحال وجد المتهم في عرض اعترافاته ما يسبب له أذى نفسيا، يمكنه طلب تعويض من الجهة التي تسببت له بهذا الأذى”.

وأوضح “جلبوط” إنه: “لا يوجد قانون يتيح عرض الاعترافات أو التحقيقات أمام الناس، ويمكن بإذن من المحامي العام أو رئيس النيابة العامة، السماح بالحديث عن تفاصيل قضية ما، كما يمكن للمحامي العام أو رئيس النيابة العامة، إصدار بيان يوضح تفاصيل قضية ما”.

وقال “جلبوط”: “حق الناس بمعرفة تفاصيل قضايا الرأي العام، لاينبغي أن يسمح بالتفريط بالنصوص القانونية، ويمكن للمحامي العام فقط أن يوضح للرأي العام تفاصيل قضية ما، ويعرض منها ما يرتأيه مناسبا للعرض”.

وختم “جلبوط”: “مجلس الشعب بدوره الرقابي المفترض هو المعني بمناقشة التزام الجهات التنفيذية بالقانون، وفرض تطبيق القوانين على الجميع”.

يذكر أن مدير عام الطب الشرعي في سوريا زاهر حجو كان ذكر في تصريحات صحفية الشهر الفائت، أن “عدد ضحايا جرائم القتل في سوريا بلغ منذ مطلع العام 2021 و حتى منتصف كانون الأول، بلغ 414 ضحية،من بينهم 61 أنثى”.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى