أكاديمي سوري يدعو لاتخاذ إجراءات جادة لحماية فقمة “الناسكة”المهددة بالانقراض على شواطئ اللاذقية
دعا الباحث في المعهد العالي للبحوث البحرية بجامعة تشرين، الأستاذ الدكتور أمير إبراهيم، في حديثه لتلفزيون الخبر إلى حماية فقمة “الناسكة”المهددة بالانقراض، والتي ظهرت على شواطئ اللاذقية
ما هي فقمة “الناسكة” المتوسطية ؟
يقول الباحث الدكتور أمير ابراهيم،عضو اللجنة العلمية للاتفاقية الدولية لحماية الحوتيات في البحر المتوسط والمناطق المتاخمة من الأطلسي لتلفزيون الخبر أن “فقمة البحر المتوسط الناسكة من الثدييات اللاحمة، متكيّفة للحياة البحرية، تتكاثر بالولادة، وتعطي مولوداً واحداً فقط بعد فترة حمل 11 شهراً”.
ويضيف “إبراهيم” أن: “الناسك تعيش حصراً في البحر الأبيض المتوسط والمناطق المتاخمة له من المحيط الاطلسي، وتعمّر حتّى 30 سنة”.
ويتابع الدكتور أمير: “الفقمة حساسة جداً وخجولة، تحب العزلة والانفراد، تفضل الجروف البحرية الهادئة والنظيفة، ولذلك سميت بالفقمة الناسكة تيمناً بالشخص الناسك المتعبّد المُحب للنظافة والهدوء”.
وعن أهميتها ودلائل وجودها في سواحلنا، أجاب الباحث: “يعد وجودها دليلاً على صحة البيئة البحرية وخلوها من التلوّث، وللفقمة الناسكة دور كبير في توازن النظام البيئي البحري واستقراره، وانقراضها يقود للعديد من المخاطر البيئية كونها تتربّع على قمة العديد من السلاسل الغذائية البحرية”.
ويوضح “ابراهيم”: “كانت الفقمة المتوسطية تُعد شبه منقرضة من السواحل السورية منذ خمسينيات القرن الماضي، وهذا يبدو أنه عائد إلى قلّة الاستطلاعات العلمية، حيث بيّنت الدراسات التي قمنا بها خلال التسعينيات أنها موجودة في سواحلنا، وخاصةً الشمالية منها، من الكورنيش الجنوبي للاذقية حتّى منطقة السمرا شمالاً، حيث تسود الكهوف الصخرية الملائمة لها”.
ويضيف الباحث: “تمّ توثيق حوالي 40 مشاهدة لها في أماكن وأزمنة مختلفة منذ ذاك الحين، المشاهدات كانت عبارة عن فرد واحد أو فردين من ذكر وأنثى، ولم يتوفر لدينا الدليل القاطع حتّى الآن حول إن كانت هذه الفقمات مقيمة وتتكاثر عندنا أم مرتحلة من شواطئ الدول المجاورة وتقيم في سواحلنا لبعض الوقت”.
ويتابع الدكتور مُتسائلاً: “الرهان الآخر الذي لازلنا نبحث عنه، هل الفقمة مقيمة وتتكاثر على السواحل السورية؟ يتم حالياً تحرّي ذلك من خلال وجود الوليد في المكان أو وجود ثلاث فقمات مجتمعات للاستدلال على تكاثرها”.
ويمثل وجود الفقمة الثالثة (إلى جانب الأب والأم) حكماً الوليد حديث الولادة، الذي لابد وأن يكون قد وُلِدَ في المكان نفسه نظراً لأن المواليد لا تغادر مكان الولادة لمسافات كبيرة.
ويستذكر “إبراهيم”: “لقد حصل في العام 2013 أن تمّ العثور على فقمة حامل، ومع ذلك لازلنا لا نعلم إن كانت هي فقمة مقيمة في سواحلنا أم قادمة من شواطئ البلدان المجاورة وتلجأ مؤقتاً الى الكهوف المناسبة في شواطئنا”.
ما هي مهددات “الناسكة”؟
وحول مهددات الناسكة، يقول عضو اللجنة العلمية للاتفاقية الدولية لحماية الحوتيات في البحر المتوسط : “للحقيقة المهددات كثيرة، منها ما يتعلّق بالفقمة ذاتها كقلّة عدد المواليد وبطء عملية تجديد الجماعة، وحساسيتها الكبيرة للتلوّث وإصابتها بالأمراض، إضافةً إلى افتراسها من قبل الحيتان وأسماك القرش”.
ويضيف الدكتور أمير: “ومهددات تتعلّق بالنشاطات البشرية، أبرزها التلوّث بأنواعه، بما في ذلك التلوث بالضجيج، حيث أن حب الفقمة للهدوء يجعل الأصوات القوية تُجهض الفقمة الحامل، إضافةً إلى قلّة الغذاء في البحر، وتتبع أسراب الأسماك إلى أماكن محفوفة بالمخاطر، بالتالي موت الفقمة”.
ويتابع الباحث: “والمهدد الأخطر وقوعها العرضي في شباك الصيادين وقتلها المتعمّد من قبلهم تلافياً لتخريب الشباك، وتعرضها للأذيّة من مراوح محركات السفن”.
وحول الإجراءات التي يستوجب اتخاذها، يجيب الباحث: “نظراً لكثرة مهدداتها، أصبحت الفقمة الآن في رأس لائحة الأنواع المهددة بالانقراض من البحر المتوسط، حيث تدهورت أعدادها كثيراً، ولم يبقى منها سوى مئات قليلة، بعدما كانت أعدادها تزيد عن المائة ألف بداية القرن الماضي، وهذا يستوجب حمايتها قبل فوات الأوان”.
ويوضح الدكتور أمير أن: “استخدام الأجهزة المرسلة للذبذبات وتركيبها على الشباك وقوارب الصيد تجعل الفقمة تبتعد عن قوارب الصيد وشباك الصيادين، بالتالي تلافي أذيتها بهذه القوارب أو محاصرتها بهذه الشباك”.
ولدى السؤال عن الجهة التي يستوجب عليها التحرّك لحماية الناسكة، أجاب الدكتور أمير: “إنّ ما نسعى إليه الآن هو الإثبات المطلق لتكاثر الفقمة في السواحل السورية، وهذا سوف يُعد سبقاً علمياً تُبنى عليه مشاريع حماية، تسعى منظمات إقليمية متخصصة جاهدة لتبنيها، بهدف حماية أماكن تكاثر الفقمة المتوسطية”.
ويتابع الباحث “من هذه المنظمات، المركز الإقليمي للمناطق ذات الحماية الخاصة RAC-SPA في تونس، والاتفاقية الدولية لحماية الحوتيات في البحر المتوسط والأماكن المتاخمة من الأطلسي ACCOBAMS في موناكو، هذا بالإضافة إلى كون حماية الفقمة هو التزام وطني، كجزء من التزامات سوريا تجاه اتفاقية برشلونة وبروتوكولاتها وتجاه اتفاقية التنوّع الحيوي، والخطة الوطنية لحماية الحوتيات في الساحل السوري، والتي من أهدافها أيضاً حماية الفقمة الناسكة، هذا علاوة على أن الفقمة الناسكة تحميها التشريعات السورية الخاصة بحماية البيئة وحماية مكونات التنوّع الحيوي البحري”.
دعوات لإقامة محمية سياحية بيئية..
ويعلق لدكتور أمير على الدعوات لإعلان المنطقة كمحمية سياحية بيئية، بالقول : “لقد أجريت وفريقي البحثي في المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين بحث علمي بالتعاون مع الهيئة العليا للبحث العلمي استمر قرابة 3 سنوات، وانتهى منذ أشهر قليلة، لدراسة إمكانية إقامة شبكة من المحميات الطبيعية وحماية الموائل المخربة والفقاريات المهددة في الساحل السوري، وسبل إعادة التأهيل”.
ويتابع الدكتور أمير: “من نتائج البحث، اقتراح منطقة السمرا البحرية كمحمية للحياة الفطرية، لحماية الفقمة والأحياء البحرية الأخرى المرافقة، بحيث تشمل المنطقة الممتدة بين السمرا شمالاً حتّى جزيرة الحمام/البدروسيّة جنوباً بامتداد 4.5 كم، وذلك بحكم كون المنطقة مجاورة لتضاريس وعرة يصعب بلوغها من جهة البر، بالتالي فهي تؤمن حماية فعالة من كثير من النشاطات البشرية في المنطقة”.
ويضيف الباحث “من النتائج أيضاً اقتراح المنطقة من الصليب حتّى ميناء برج إسلام كمحمية ذات طابع خاص لحماية الفقمة المتوسطية، بسبب تمركز أغلب الكهوف الملائمة للفقمة في هذه المنطقة، وإعلان هذه المحمية من شأنه توفير موائل مناسبة آمنة تساعد الفقمة على تجاوز التهديدات التي تتعرّض لها، ويفسح المجال أمام السياحة البيئية في المنطقة”.
ويختم “إبراهيم” حديثه لتلفزيون الخبر بالقول: “لرسم خطة ناجحة لحماية الفقمة من الانقراض لابد من معرفة أعدادها وأماكن وجودها وتكاثرها، لذلك يرجى من الأخوة رواد الساحل السوري والعاملين في مهنة الصيد البحري الإبلاغ عن أيّة مشاهدة للفقمة أو أي من الأحياء الأخرى كالدلافين والحيتان والأنواع السمكية الغريبة، ويمكن لنا عندها جمع المعلومات البيئية اللازمة بما يخدم حماية هذه الأحياء”.
تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق رصدت قبل أيام عدد من فقمات الناسكة المتوسطيّة (الراهب) على شط الأرمن في خليج السمرا بريف اللاذقية، في مجموعة مؤلفة من تسع فقمات، وأشارت إدارة الجمعية إلى احتماليّة وجود منطقة للتزاوج قرب السواحل السورية، كما ذكرت لتلفزيون الخبر.
يُذكر أنّه تمّ رصد “الناسكة” في عدة مواقع خلال السنوات الماضية في وادي قنديل وقرب جزيرة أرواد، وأمام شاطئ طرطوس، إضافةً إلى شواطئ لبنان ولواء إسكندرون المحتل، وسط دعوات متزايدة لاتخاذ خطوات جديّة على طريق حماية هذا النوع الهام والمهدد بالانقراض.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر