الإعلام السوري في مواجهة الكورونا.. محاولات إقناعٍ لم تؤت ثمارها بعد
أدى انتشار “كورونا” منذ نحو عامين، إلى خلق تحديات جديدة وكبيرة أمام مختلف وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم، مسموعةً، مرئية، ورقية وحتى إلكترونياً، لتقف في بلدانها موقف الواعظ المرشد، الدّال على أنجع طرق الوقاية، قاصدةً نشر الوعي وتقليل ما يُمكن من الإصابات والوفيات، مع تهالُك القطاعات الصحية نتيجة الضغط الكبير المُلقى على عاتق كوادرها التي دفعت حياتها ثمن المواجهة أحياناً.
في سوريا، أُضيف واجبُ توعية المواطنين لخطر الوباء، إلى المسؤوليات الكثيرة التي كان على وسائل الإعلام القيام بها، لتصل أبعد من مهام شبه روتينية، بتسليط الضوء على افتتاح هنا، أو عرض شكاوى متفرقة هناك.
ويرى بعض المتابعين والمختصين، أن محاولات الإعلام السوري، بمختلف توجهاته، عابها بعض الثغرات في تغطية أخبار الجائحة والإرشادات المتعلقة بها، مضافٌ اليها ضبابية المعلومات المقدمة من وزارة الصحة، وتصعيب الوصول إليها ونشرها.
واقع حالٍ، تسبب بعقباتٍ أثرت على سرعة وصول المعلومة والنصيحة، وقوة تأثيرها على المتلقي، فانعكس هذا التقييد على توجه المواطن إلى المراكز الصحية لتلقي اللقاح، وبقاء نسبة متلقيه خجولة، وهو المستعد دوماً لسماع الشائعات، والتفاعل معها وتناقلها بسرعة تفوق سرعة وسائل الإعلام لنفيها بأضعافٍ مضاعفة.
شائعاتٌ دارت في مجملها حول العقم، الجلطات، والموت المباشر في بعض الأحيان، وهو ما أثار الخوف في نفوس السوريين، المتعبين مسبقاً من تراكم تأثيرات الوضع الإقتصادي عليهم، فبات غلاء أسعار الدواء هاجساً _رغم مجانية اللقاح_ ما تسببت بامتناع البعض عن تلقيه لتأثير الصورة الذهنية المرتبطة بدخول العيادات والمشافي وفاتورتها.
كيف بدأت حكاية كورونا إعلامياً
مضت الأسابيع الأولى من انتشار الوباء على السوريين بطمأنينة مؤقتة، مع عدم الإعلان الرسمي عن أية إصابة في البلاد، فظهر تحليلان، أولهما يقول بوجود خلل في الرواية الإعلامية غير الواضحة، وثانيهما أن الحصار المفروض هو من حمى السكان من وصول الفيروس، إلى أن انتهت هذه المرحلة، مع إعلان وزارة الصحة عن تسجيل أولى الإصابات، مع تفشيه في العالم.
فوجد السوريون أنهم أمام أرقامٍ متضاربة، ومعلومات غير دقيقة، تعاملت مع الوباء بطريقتين، إما تضخيمه، أو تقليل عدد الإصابات، وظلت الإحصاءات الرسمية تُعلن عن عدد الحالات المُسجلة والمتماثلة للشفاء أو المتوفاة، حتَّى توقَّف الناس عن الانتباه لها أو التركيز فيها.
أثرت هذه المواجهة “الكلاسيكية” على اهتمام السكان، دون لفت انتباههم لحجم الكارثة، بل أصدروا قراراً بصم الآذان، وإغماض العيون طوعياً، عن أي أخبار جديدة تتعلق بالوباء، وتقليل أهميتها حتى وإن صادفوا إعلانات طُرقية توعوية أو سمعوا رسائل صحية في الإذاعات الرسمية والخاصة.
رغم النية الصادقة..أفخاخٌ لم يُنتبه لها الإعلام
حقيقةً، ورغم النية الصادقة، لتعزيز الثقافة الصحية، ووضع كل الثقل للتأثير في تعديل السلوك لدى المواطن، إلا أنه وعلى ما يبدو، وقعت الوسائل الإعلامية في فخٍ، حاولت تجنبه، أو ربما لم تستطع، لأسباب كثيرة يعرفها البعض أو يخشى الخوض فيها.
فخ تمثل أنه وأثناء أداء المهمة لتثقيف الناس، حدثت تأثيرات سلبية، عكس المراد والمنشود، كإرهاق الجمهور بالأخبار المتضاربة ودفعه للتوتر والقلق، بل والملل من طريقة التوعية، بحيث أحجمَ عن متابعة الرسائل الإعلامية، ومنعَ إرادياً وصولها إليه عبر” تطنيشها”.
ويردّ بعض المواطنين ذلك، بكل صراحة، أن تجاهل وتطنيش أخبار كورونا، جاء رغبة منهم بإفراغ رؤوسهم من همّ إضافي، حتى عجز الوباء أن يجد مكاناً بين المازوت والغاز والخبز.
خطاب وزارة الصحة التطميني لم يجد نفعا ً
رغم تأكيد وزارة الصحة مراراً، أن اللقاحات متوفرة على اختلافها، في جميع المراكز، ويقدم بشكل آمن وضمن شروط نموذجية، إلا أن خطابها لم يصل الكثير من المواطنين، أو لم”يخرق دماغهم”، فكان إحجام الغالبية العظمى منهم ظاهراً واضحا ً وصريحاً، رغم كل التطمينات.
ترددٌ وصل أوساط الكوادر الطبية أيضاً، مع مخاوف وشكوك من ضبابية المعلومات المقدمة على عجالة من بعض الدراسات، والخوف من مضاعفاته، رغم تأكيد منظمة الصحة العالمية أن ما أثير حول حدوث جلطات دموية لدى متلقي لقاح أسترازينيكا هي آثار جانبية ونادرة، أما باقي أنواع اللقاحات فهي آمنة بشكل كامل.
وحاول الفريق الحكومي عبر وزارة الصحة ومنصاتها، رفع نسبة المطعمين ضد كورونا، إضافة لأدواته المختلفة الإعلامية كالفرق الصحية الجوالة، مع تسجيل إصابات متزايدة، إلا أن تلك المحاولات، لم توازِ خطورة وانتشارية الوباء، مع انهيار بعض المنظومات الصحية العالمية المتقدمة، فكيف الحال في بلدٍ منهك على جميع الصعد، وليس صحياً فقط.
دلالات الضعف..ونظرة في العمق
يستدل على مكامن الضعف في عدة نقاط، منها ضعف التحريض إيجابياً على تلقي اللقاح، من خلال تشكيك نسبة كبيرة من المواطنين بالخطاب الصحي، واستعداد آذانهم لقبول الشائعات أكثر من تطمينات المتحدثين عبر وسائل الإعلام.
ولم ترتقِ الطريقة الكلاسيكية المعتادة في العرض وإيصال الأفكار لحجم ومتطلبات جوهر الموضوع، فلا تقديم المعلومات واف ولا الوقت المتاح للمتخصصين في ندواته وبرامجه كافٍ.
عيبٌ آخر رصده متابعون، فسرية المعلومات محتكرة على وزارة الصحة، توزع بالقطارة عبر منصاتها، وتصريحات مسؤوليها، مع تجاهل جهود وسائل الإعلام الراغبة بالحصول على المعلومة، ما أدى لتهميش وتراجع دورها، ليقتصر الأمر على تحديثات يومية “فيسبوكية”، أو تصريح من هنا وهناك غير كافٍ لوضع المواطن بصورة الجائحة وانتشارها.
“برومو” سريع لدقيقتين، أقرب إلى الدعايات التجارية، في شكلها ومضمونها وطريقة عرض المعلومات، هي الطريقة الأكثر استخداماً في عرضٍ لمخاطر الوباء وكيفية الوقاية منه نظرياً، مع صور متعاقبة ونصائح ضمن قالب شبه موحد في معظم تلك الوسائل.
ورغم محاولة التكثيف في ضخ المعلومات عبر خطاب الوسائل على اختلافها، إلا أن متخصصين يرون أن دورها التنويري ناقصٌ، مع وجود حلقة مفقودة تسبب فراغاً في سرعة وتأثير الرسالة المراد إيصالها.
وبعيداً عن المحتوى، يقول البعض بضرورة تخصيص مساحة زمنية أكبر لتقديم معلومات صحية موثوقة حول كورونا، تساعد على دحض وتصحيح الشائعات بناء على مصادر طبية دقيقة ذات مصداقية وشعبية وخبراء متخصصين.
فإن دقائق معدودة لن تكفي _مهما كانت مكثفة_ للاقناع بتغيير سلوك متصل بحجم وباء عالمي، بل يتحقق ذلك بإتاحة مجال أكبر لظهور الأطباء الاختصاصيين ضمن فترات أطول على وسائل الإعلام لسرد المعلومات مفصلة، بل والإشارة لعدد الضحايا المتزايد، لعل الجملة العامية “ما متنا بس شفنا مين مات” تنفع.
خبير في صناعة المحتوى”الإقناع يتطلب أكثر من بوستات فيس”
يرى الخبير في كتابة المحتوى والتدوين، محمد حبش، بعض الملاحظات، وأشار لتلفزيون الخبر أن: “أداء وزارة الصحة إعلامياً جيد جداً مقارنة بما سبق من حملات، من حيث التحديث اليومي لانتشار كورونا وتصميم “البوست” أيضاً، لكن ذلك غير كافٍ لإقناع السكان باللقاح، رغم المحاولات الحثيثة لنفي الشائعات المنتشرة بينهم”.
وتابع حبش:” قدمت نصيحة بتفضيل فعالية اللقاح على مجانيته، لتشجيع الناس وتطمينهم، وتغيير شعار الحملة من مجاني آمن فعال إلى فعال آمن مجاني، وهو ما حصل لاحقاً”.
وأضاف:”يتطلب إقناع الناس بما يتعلق بصحتهم، أكثر من مجرد بوستات على فيسيوك، إضافة أن الموضوع جديد ويحتاج لوقت أكثر للإنتشار، وقامت وزارة الصحة بما عليها، من حيث سلاسة تلقي اللقاح، وبالمقابل يتطلب المزيد من وعي المواطنين أيضا، وهذا يتعلق بالمستوى الثقافي في المجتمع”.
وبيّن حبش لتلفزيون الخبر:” تأثير الرسالة الإعلامية يتعلق بالتكرار والمواصلة، واختيار الوقت المناسب من حيث وجود المواطن في البيت، لكن الأثر الأكبر يتحقق عندما يسمعون عن وفيات قريبة منهم، ليدركوا الخطر ويذهبوا لأخذ اللقاح، فعامل الخوف مؤثر بشكل أكبر من الإعلان عبر وسائل الإعلام”.
وأوضح أن:” إحدى النصائح، وإضافة لاختيار التوقيت المناسب، هو التنويع بأساليب المحتوى، من مقابلات، أنميشن(رسوم متحركة)، وخدمة الفكرة من خلال الشخصيات المؤثرة كالممثلين، حيث قاموا بتصوير سكتشات جاءت بنتيجة جيدة بداية الوباء، لكنهم لم يتابعوا في الموضوع”.
وعن ثغرة أخرى، أشار حبش إلى أنه:” لا يمكن أن توصل أكثر من رسالة تلفزيونية بدقيقة واحدة، بل يجب التركيز على رسالة وفكرة واحدة، ومثلاً يستوجب شعار الحملة “فعال آمن مجاني” أن يتم تخصيص كل كلمة بهاشتاغ منفرد ،حتى لا يحصل تشويش لدى المتلقي، مع إعلان خاص بكل منها، مع صور وفيديوهات حقيقية من قلب المشافي كي تأتي بالنتيجة المطلوبة”.
رغم توفره ومجانيته..الأرقام غير مبشرة
يقر العاملون في القطاع الصحي بضعف إقبال المواطنين على تلقي اللقاح حيث بلغت 4% فقط من السكان بحسب تصريح سابق لمدير عام مشفى المواساة، الدكتور عصام الأمين.
كما أكد الموضوع نفسه، وزير الصحة بتصريح لاحدى وسائل الإعلام بأن “الإقبال على اللقاح كان ضعيفاً، رغم الحملة الوطنية التشجيعية والتي أدت لحصول 80 ألف شخص خلال شهر أيلول الفائت على اللقاح”.
بعد عامين..نصف مليون تلقوا اللقاح كاملاً في سوريا
وكانت وزارة الصحة خصصت أكثر من 967 مركزاً ومشفى إضافة إلى 200 فريق جوال في القرى والمناطق التي لا توجد فيها مراكز صحية في المحافظات.
وعن عدد المواطنين المتلقين للقاح بينت مديرة الرعاية الصحية لدكتورة رزان طرابيشي أن عددهم بلغ 450 ألف شخص تلقوا لقاح كورونا بشكل كامل بينما تجاوز عدد من تلقوا الجرعة الأولى الـ 650 ألف شخص، وتم لحظ زيادة خفيفة في الإقبال على التطعيم في المراكز والمشافي”.
يشار أنه وفي آخر تحديث يومي صدر يوم الخميس عن وزارة الصحة، فقد تم تسجيل ١٧٥ إصابة جديدة بفيروس كورونا ما يرفع العدد_الإجمالي إلى ٤٥٨٢٠ ووفاة ٦ من الإصابات المسجلة ليرتفع العدد الإجمالي إلى ٢٦٥٠ حالة منذ بدء انتشار الجائحة.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر