في ذكرى رحيل “نهاد قلعي”… حسني البورظان ما بين “مسرح الشوك”.. و”ضيعة تشرين”
يصادف مثل هذا اليوم 17\4\1993 رحيل الكاتب والمخرج والممثل الكوميدي السوري نهاد الخربوطلي أو كما يُعرف نهاد قلعي صاحب البصمة المتمثلة بالشخصية التي رافقته “حسني البورظان”.
رافق نهاد قلعي التلفزيون السوري منذ نشأته، وعمل في السينما في وقت مبكر، له نحو 25 فيلماً سينمائياً، والعديد من الأعمال المسرحية.
يُعتبر نهاد قلعي، المؤسس الفعلي للمسرح القومي في سوريا وصانع نجوم الكوميديا ومحدد وراسم شخصياتها، وُلد في العاصمة دمشق عام 1928 لأسرة دمشقية عريقة بالفن والأدب، فعمه الأديب بديع حقي، وأمه بدرية العطري ابنة عم أديب الصحفيين عبدالغني العطري، وخاله الفنان توفيق العطري أحد آباء المسرح في سوريا.
بدأت موهبة نهاد قلعي بالظهور في المسرح المدرسي وهو دون العاشرة من عمره، فأسند له الفنان وصفي المالح دوراً صغيراً في مسرحية “مجنون ليلى”، وفي الثامنة عشرة من عمره بدأ مشواراً مختلفاً.
بعد أن أكمل دراسته الثانوية كان والده قد أُحيل إلى التقاعد فاضطر لترك المدرسة، لكن لأنه مولع بالتمثيل، انتسب إلى معهد التمثيل بالقاهرة، وشجعه على ذلك خاله الفنان توفيق العطري الذي اكتشف موهبته لكن لسبب ما تخلّى عن فكرة السفر
كان أول إسهام مسرحي لنهاد قلعي بعمر ال16 في مسرحية “قيس وليلى” إلى جانب الفنانين تيسير السعدي ووصفي المالح، وكان دوره صغيراً لا يتعدى النطق بجملة واحدة.
وفي سن الخامسة والعشرين أسس النادي الشرقي، وهو تجمع مسرحي شاب ضم فنانين سوريين رواداً مثل خلدون المالح وعادل خياطة وسامي جانو، ونجح في تقديم مسرحيات في مسارح دمشق والقاهرة.
قدّم في العام 1957 مسرحية “ثمن الحرية” لعمانوئيل رويلس إلى جانب الفنانة أمينة رزق، بداية عهد الوحدة السورية المصرية، وشهدت إقبالاً جماهيرياً فحصل على الشهرة، ما دفع وزارة الثقافة والإرشاد القومي السورية عام 1959 إبان فترة الوحدة لأن تكلّفه بتأسيس المسرح القومي وإدارته.
يعتبر قلعي المؤسس الحقيقي للمسرح القومي في سوريا، أنتج لمسرح “أبو خليل القباني” بدمشق خمس مسرحيات حتى العام 1962، بعضها من إخراجه وبطولته، مثل “المزيفون” لمحمود تيمور، “ثمن الحرية”، “البرجوازي النبيل” لموليير، “عقد اللولو” و”المفتش” لغوغول.
عند انطلاق بث التلفزيون العربي السوري في العام 1960 استدعاه الراحل صباح قباني، وهو أول مدير للتلفزيون، لتقديم برامج منوعة كوميدية، وهنالك تعرف نهاد قلعي لأول مرة على الممثلين الشباب دريد لحام ومحمود جبر، لتبدأ شهرته التلفزيونية الكبرى في العام 1967 حين كتب المسلسل الشهير “حمام الهنا” ومثلّه مع دريد لحّام وياسين بقوش.
وبعدها قدّم مسلسله الثاني “مقالب غوار” مع لحام ورفيق السبيعي، وفي العام الذي تلاه قدّم مسلسله الثالث “صح النوم” بجزأيه الأول والثاني ودائماً مع لحام والمخرج خلدون المالح، وحقق في هذه المسلسلات جماهيرية واسعة.
أسّس الراحل قلعي مع دريد لحام وآخرين أوائل السبعينات فرقة “تشرين المسرحية”، وقدموا من خلالها عروضاً بقيت في الذاكرة الجماهيرية، كمسرحية “ضيعة تشرين” التي تناولت واقع وأحلام الشارع العربي إبان حرب تشرين عام 1973، و”غربة” لمحمد الماغوط، التي تطرّقت بنقد للشعور بالغربة في المجتمع العربي اجتماعياً وسياسياً، وضمن ما سمي ب”مسرح الشوك” قدّم ثلاث مسرحيات ذات طبيعة اجتماعية سياسية ساخرة.
تعرّض نهاد قلعي لحادث عنيف، أقعده في الفراش شبه مشلول، لكنه تحامل على آلامه وشارك في مسرحية “غربة” التي كانت آخر أعماله.
لم يستسلم الرجل لقدره، فاعتكف في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين لتأليف قصص مصورة للأطفال، وأقام في بيروت بغرفة متواضعة، واستخدم في قصصه شخصية “حسني البورظان” وشخصيات أخرى مُتخيّلة.
بعد اشتداد المرض عليه وافته المنية إثر جلطة قلبية عام 1993 بعد أن ترك إرثا سينمائيا ومسرحيا وتلفزيونيا حافلا.
كان قلعي فناناً متعدد المواهب، كاتباً ممثلاً مُخرجاً ومديراً للمؤسسات الفنية وصانعاً للنجوم، وليس بعيداً عن الصواب من اعتبره العقل الذي مهد لظهور كوميديا سورية معاصرة وأحد رجال نهضة التلفزيون والمسرح والسينما في سوريا.
تلفزيون الخبر