المولية الديرية.. من التراث الغنائي الشعبي السوري
أثر الموقع الجغرافي لديرالزور في الناحيتين الاجتماعية والثقافية وخاصة الفنية، حيث أتاح للأهالي القاطنين في المنطقة الاحتكاك بسكان المناطق السورية والعربية المجاورة ومنها العراق والتفاعل مع العادات والتقاليد والثقافات الفنية في هذه المناطق.
وتأثر التراث الموسيقي الشعبي (الفلكلور الموسيقي) في مدينة ديرالزور بتلك العادات والتقاليد.
كما نقل طريق الحرير والذي كانت ديرالزور إحدى محطاته الكثير من تراث الشعوب مثل المولية المشتقة من المولوية هذا الفن المعروف تاريخياً بغنائه ورقصه والمؤلفة من خمسة أشطر اختصرت في الميلوية إلى أربعة أشطر فقط كما اختصر الموشح ليصبح قداً.
وقال الباحث في تراث دير الزور غسان الشيخ الخفاجي لتلفزيون الخبر: “اشتهرت ديرالزور بحبها للشعر والأزجال والطرب، فالنساء والرجال يقولون الشعر ويغنون ويدبكون.
وعرفت الدير حتى عهد قريب، بدير الشعار (ديرالشعراء)ونبغ فيها شعراء شعبيون مجددون كحسين الضامن -وادي العجل- وأحمد الضللي – سيف كنعان -عمر الديري -ابراهيم الجراد وغيرهم، وقد حفظ المعمرون الكثير من تلك الأشعار وآخرهم دويد القنبر”.
وأوضح الخفاجي أن “الرحلات التجارية النهرية من تركيا وحتى مصب نهر الفرات في خليج البصرة نقلت إلينا الكثير من الألوان الغنائية التي استقر العديد منها في ديرالزور، وتطور بما يلائم بيئتها.
ومن هذه الألوان (اللالا والمقصود بالقول (اللا لا ولالاولالا أي القمر علا لالا أي تلألأ وشوهد من قبل الجميع)، كذلك من ألوان الغناء الفراتي المايا ويقصد بها (امرأة تعيش على ضفاف نهر الفرات).
إضافة إلى البوردانة وهي (البربانة هو اسم لمرأة كانت تقدم القهوة) فغنوا لها، ويوجد فن آخر هو الميجنى ويقصد به (الماء جنى) كناية عن فيضان نهر الفرات وما يخلفه هذا الفيضان من خراب”.
وبين الخفاجي “وصل إلينا هذا الموروث عبر المجالس والربعات والدواوين التي كانت تنتشر في كل ركن من أرجاء مدينة ديرالزور ولا يكاد حي يخلو منها، وهي أحد أبرز ألوان الشعر الغنائي في حاضرة وادي الفرات والجزيرة السورية وبالأخص ديرالزور”.
وأما عن منشئه، شرح الخفاجي أن “منشؤه قديم على شط الفرات(في العراق وسورية )، وكان يغنى في بغداد منذ القرن الرابع للهجرة، ذكره ابن الأثير وابن خلدون والأبشيهي وغيرهم، ولم يكن طابعه كما هو اليوم في المولية الديرية، ولا يعرف سبب التسمية على وجه الصحة.
وهناك عدة أقوال منها، أن جارية للبرامكة غنت هذا النوع بعد نكبة الرشيد لهم، كون (المولية)غناء خاص بنساء الموالي وسميت المواليات ثم استقر الاسم على موليا”.
وقيل إن مغنيه الأول كان يقول ( يا مولاي – يامواليا اشارة إلى ساداتهم، أو أن أصل التسمية يعود إلى العصابة التي يشد بها الرأس أو ما يعرف في حاضرة الفرات ديرالزور “بالهباري”.
والهبرية خمار من حرير مربع الشكل يتراوح طوله بين ٧٠ – ٩٠سم، كان يؤتى به من بغداد وحلب.
أما “العصابة” فتتألف من أربع هباري كل هبريتين مرتبطة ببعضها لها ربطة خاصة حول الرأس”.
وقيل فيهم :مكتوب منكم وليفى عامين ماشفته …إم الهباري أربعه عالراس شاطفته …يمشي بجنب الترف صديت واعرفته…والوجه ياضي گمر علينا عشوية”.
وللمولية استهلالات منها :
گلبي على أبو الزلف عيني يا موليه
وياحباب لا ترحلو ضلو حاوا ليه
أو (وعل عين يابو الزلف عيني يا موليه ….يا ام العبايه الحبر حلوه يا الديريه
وعل عين يابو الزلـُف عيني يا موليه
ما احلى ركوب الجمل لو ساگته بنيه
وعل عين يا أبو زِلوف عيني ياموليه
يمه حبيب القلب من الزغر ليه
المول مول الهوى عيني يا موليا
ضرب الخناجر ولا حكم العفن ليا
المول مول الهوى عيني يا موليا … أم العبايه الحبر حلوه يا الديريه
الله على أبو الزلف أو گلبي على بو الزلف هو الاستهلال الأقدم والأكثر انتشارا على ألسنة المطربين والمؤدين للمولية الديرية.
وأشار الخفاجي أنه “من خلال متابعتي للمولية الديرية العريقة في قدمها، كان التركيز على وصف الحبيبة بـ الريم والخشف والغزال
(الريمة العندكم)، وتأتي أيضا (هل الريمة العندكم أو ياريمتي فرعي و الريم هد وسرى)”.
الريمة ال عنديكم , يا خوي ما تضني
ما ريد منها ضنا , بس تقعد بحضني
البطن بطن الغزال , وابيض من القطني
والعين سوده كحله والشفه ورديه
وأردف الخفاجي “كانت المولية تغنى على آلة الدف (آلة ايقاعية) وعلى آلة الشاخولة (آلة نفخية تشبه الزمارة أو الناي )وتغنى في ديرالزور على ثلاث مقامات موسيقية البيات والحجاز والصبا وهي أكثر المقامات التي يغنى عليها التراث وإيقاعاتها البلدي – المقسوم – الوحدة”.
وتابع حديثه “طور لحنها الأستاذان محمود اسماعيل وابراهيم العكيلي في توزيع موسيقي جميل وكان أوبريت بير الزعنون من أجمل ما سجل من التراث الغنائي السوري وخاصة الفلكلور الغنائي الديري”.
وذكر الخفاجي أن “أشهر من غنى المولية الديرية هم:
دويد القنبر – حسن الطه – سليمان الخشم -أبو جناة – ابراهيم الجراد – عبود العرضي – صالح نجار – يوسف الجاسم- ذياب مشهور- – عبد القادر حناوي- سمير النوري- فؤاد الجراد- جمال دوير وغيرهم”.
ومن جانبه قال إن: “الباحث في التراث الموسيقي عدنان بن ذريل ذكر في بحث له نشرته مجلة العمران السورية العدد ٣٩\٤٠ عام ١٩٧١ (في الواقع إن الفلكلور الموسيقي الديري من أرقى وأجمل الفلكلور السوري من حيث صحة الألحان وجمال وأداء الغناء ومعانيه، وتنوع الرقص الشعبي وتعبيراته وستبقى مدينة ديرالزور تعكس الأصالة السورية العربية)”.
ونوه الخفاجي بأن “اكتشاف التمثال الذي يصور اورنينا مغنية المعبد في مدينة ماري بديرالزور وهي أول مغنية في العالم يعد دليلاً على قدم الغناء في منطقة الفرات”.
وأضاف “فضلاً عن ذلك أنه أقيمت في دير الزور سنة ١٩١٧ أول مدرسة لتعليم المقام الموسيقي وكان مدرسوها من خريجي الأستانة التي كانت تتموضع في تكية الشيخ الراوي بديرالزور، وأشهر الموسيقين الذين درسوا فيها الموسيقار الكبير عبد الرحمن القبنجي والد الموسيقار محمد القبنجي مؤسس المقام العراقي”.
وختم الخفاجي حديثه بالقول: “لكل لون غنائي فراتي مناسبته الخاصة التي يغنى فيها فالعتابا الفراتية بلونيها الفراقيات والهواوي تغنى في الأفراح والأحزان والنايل يغنى في الأحزان فقط والسويحلي والمولية الفراتية والممر والبوردانة واللالا تغنى في الريف والمدينة بجميع المناسبات الاجتماعية”.
الجدير بالذكر أن البيئة الفراتية تأثرت في الفن الغنائي بديرالزور نتيجة تعدد الحضارات التي سكنت وادي الفرات ما أدى إلى تفرد مدينة ديرالزور بلهجة خاصة تحتوي مفردات من البداوة والريف.
إضافة إلى اختلاف ألوان غناء سكان الضفة اليمنى من النهر عن الضفة اليسرى ليصل إلينا الغناء الفراتي وهو يحمل من بيئة النهر والسهل والبادية الكثير ويعبر عن عالم خاص بأهالي المنطقة.
حيث يصف أهالي مدينة ديرالزور غنائهم بالفرح في أيام حصاد القمح وحزنهم بالغناء أيام فيضان نهر الفرات.
حلا المشهور – تلفزيون الخبر – ديرالزور