34 عاماً على استشهاد ناجي العلي .. والرصاصة الخرساء لازالت مجهولة
تمر هذا العام الذكرى 34 لاستشهاد الفنان والمناضل الفلسطيني ناجي العلي، بعد عملية اغتياله في 22 تموز عام 1987 برصاصة من كاتم صوت في لندن.
ناجي العلي الذي ارتبط اسمه بشخصية “حنظلة” الفتى ابن 10 أعوام، وآلاف الأعمال الكاريكاتورية التي انتقد فيها الاحتلال وممارساته من جهة، ومواقف السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.
ولد ناجي العلي عام 1937 في قرية الشجرة بمنطقة الجليل في فلسطين المحتلة لأسرة تعمل في الزراعة، ونزح إلى لبنان بعد نكبة 1948 وعاش في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
انقطع ناجي العلي بعد المرحلة الابتدائية عن التعليم النظامي ثم سافر إلى طرابلس شمال لبنان، ونال منها شهادة ميكانيك السيارات ثم التحق بالأكاديمية اللبنانية عام 1960، ودرس الرسم فيها لمدة عام.
اعتقلته قوات الإحتلال “الإسرائيلي” وهو صبي بسبب نشاطه المعادي للاحتلال فكرّس معظم وقته للرسم على جدران الزنزانة، كما قام الجيش اللبناني باعتقاله أكثر من مرة، وكان يقوم بالفعل ذاته.
ويعتبر الأديب الشهيد غسان كنفاني، مكتشف “العلي” وموهبته، حيث شاهد رسوماته على جدران مخيم عين الحلوة، خلال زيارة للمخيم ونشر أحدها في مجلة “الحرية” في 25 أيلول 1961 حيث كان هذا الأمر بداية العلي للعمل في الصحف.
وهاجر العلي إلى الكويت في عام 1963، وعمل رساماً للكاريكاتير بمجلة “الطليعة” الكويتية، ثم انتقل بعد خمسة أعوام إلى صحيفة “السياسة” الكويتية وظل يرسم الكاريكاتير فيها حتى عام 1965عندما التحق بصحيفة “السفير” اللبنانية التي ظل بها حتى عام 1973.
وتميّز ناجي العلي بالنقد اللاذع، والسخرية السوداء، عبر أربعين ألف رسم كاريكاتوري كانت تأخذ شكلاً تحريضياً حيناً، وشكلاً ثورياً حيناً آخر، كما يقول عن رسوماته.
ورافقت جميع رسومات ناجي، شخصية “حنظلة” التي تمثل صبياً في العاشرة من عمره، ويرمز للفلسطيني المعذب والقوي، ورغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث لا يخشى أحدا وغير مكترث، أدار ظهره للعالم ويداه خلف ظهره.
وعن “حنظلة” يقول مبتكره إنه “ولد في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء”.
وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي: ” كتفته بعد حرب تشرين الأول 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع”.
وقدّم ناجي شخصيات أخرى رافقت “حنظلة” من بينها شخصية المرأة الفلسطينية التي تمثلها “فاطمة” وهي شخصية قوية وغاضبة لا تهادن، مواقفها واضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بعكس شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، المتردد والمستكين، وهو في النهاية رجل طيب ومسالم.
مقابل هاتين الشخصيتين تقف شخصيات أخرى، فهناك شخصية السمين صاحب المؤخرة العارية والذي لا أقدام له مقلدا به بعض القيادات الفلسطينية والعربية والخونة والمطبعين.
وكذلك شخصية الجندي “الإسرائيلي”، طويل الأنف، الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال، وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
نقده الشديد والمباشر وعدم مهادنته كانا السبب وراء إطلاق النار عليه في لندن في تموز 1987، وكان قبلها تلقى عدداً من التهديدات بالقتل بسبب رسومه الكاريكاتيرية، التي سخر فيها من السياسات والسياسيين في الشرق الأوسط.
واستشهد ناجي العلي في 29 آب 1987، بعد أن تلقى رصاصة في رقبته من الخلف في وضح النهار، بينما كان يترجل من سيارته إلى مكتب صحيفة “القبس” الكويتية في نايتسبريدج، حيث كان يعمل في ذلك الوقت.
ويكتنف الغموض اغتيال ناجي العلي، فبعد اغتياله راجت عدة فرضيات حول الجهة التي نفذت عملية الاغتيال من بينها “الموساد” “الإسرائيلي”، وأطراف فلسطينية، أو نظام عربي أزعجته انتقادات ناجي اللاذعة.
وتقول التحقيقات البريطانية التي نشرت سابقاً أن أحد المشتبه بهم يدعى بشار سمارة كان منتسباً إلى منظمة التحرير الفلسطينية لكن في الواقع كان عميلاً لدى “الموساد الإسرائيلي”.
كما تميل الفرضيات إلى أن “الموساد ” هو الذي دبر الاغتيال وذلك لانتماء ناجي إلى “حركة القوميين العرب” التي قامت “إسرائيل” باغتيال بعض قياداتها من بينهم غسان كنفاني.
وكانت بريطانيا أعادت فتح ملف اغتيال ناجي العلي، عام 2017، دون التوصل إلى أي نتائج تذكر.
كان اغتيال ناجي العلي بكاتم الصوت الذي طالما أدانه برسوماته، رسالة بأن للكلمة والخط المرسوم والريشة وقع وتأثير أقوى من طلقات الرصاص.
تلفزيون الخبر