“سجّل في رأس الصفحة الأولى” .. عاشق الأرض محمود درويش في ذكرى رحيله
في آب من عام 2008 رحل محمود درويش شاعر الأرض والخضرة واليباس والحب كما لم يكن كل ذلك قبله، رحل محمود درويش مسجلاً عربيته في رأس الصفحة الأولى، مسجلاً صلابته وحبه وحربه، موثقاً لهويته وهوية شعبٍ جبار لازالت أجياله تتخذ من “درويش” عرّابها في وسم المقاومة كما يجب أن تكون.
أنجبت الأرض الحبيبة محمود درويش في شهر آذار من العام 1941، تحديداً في قرية البروة الفلسطينية، لينثر الشاعر بنفسجه شعراً ثورياً عربياً خالصاً، صنّفه على أنه أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن.
بدأ محمود درويش الشعر في سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن حيث اتسم شعره بالتكوّن وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت قبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر.
وكان نصه الشعري مباشراً، حتى خرج ليعيش في القاهرة، ومن ثم بيروت، فبدأ شعره بأخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية، ورويداً رويداً تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير.
وسجّل درويش علامة فارقة في تطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه، كما ارتبط اسم درويش بشعر الثورة والوطن، ففي شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى، وهو من قام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر.
بعد إنهاء تعليمه الثانوي في مدرسة بني الثانوية في كفريا انتسب إلى الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” وعمل في صحافة الحزب مثل “الاتحاد” و”الجديد” التي أصبح في ما بعد مشرفاً على تحريرها، كما اشترك في تحرير جريدة “الفجر” التي كان يصدرها.
اعتُقِل محمود درويش من قبل السلطات “الإسرائيلية” مراراً بدءاً من العام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي وذلك حتى عام 1972، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.
وانتقل بعدها لاجئاً إلى القاهرة في ذات العام حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، علماً أنه استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاقية أوسلو، كما أسس مجلة الكرمل الثقافية.
وشغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر مجلة “الكرمل”، وكانت إقامته في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث أنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدّم أعضاء الكنيست “الإسرائيلي” العرب واليهود اقتراح بالسماح له بالبقاء وسمح له بذلك.
في الفترة الممتدة من سنة 1973 إلى سنة 1982 عاش “درويش” في بيروت وعمل رئيساً لتحرير مجلة شؤون فلسطينية، وأصبح مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يؤسس مجلة الكرمل سنة 1981.
وبحلول سنة 1977 بيع من دواوينه العربية أكثر من مليون نسخة، لكن خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت مندلعة بين سنة 1975 وسنة 1991.
فترك بيروت سنة 1982 بعد أن غزا الجيش “الإسرائيلي” لبنان، وحاصر العاصمة بيروت لشهرين وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منها، وأصبح درويش بعد ذلك منفياً تائهاً، منتقلاً بين سوريا وقبرص والقاهرة وتونس إلى باريس.
لمحمود درويش أكثر من 30 ديوان شعر ونثر و8 كتب، وتميز شعره بالوطنية حتى لقبوه بشاعر فلسطين وفي الوقت نفسه بالرومانسية والحنين الدائمين والحب، سواء كان حب الوطن أم غيره.
وحصد درويش بشعره الكثير من الجوائز مثل “جائزة البحر المتوسط” 1980 و”درع الثورة الفلسطينية” 1981 ، و”لوحة أوروبا للشعر” 1981 و”جائزة الآداب” من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.
وعاد درويش إلى فلسطين ليقيم في رام الله، إلى أن توفِّي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن سافر إليها لإجراء عملية جراحية في القلب، ودفن في قصر رام الله الثقافي في 13 آب 2008.
وشارك في جنازته آلاف الفلسطينيين رغم الحواجز التي قطعت أراضي الضفة الغربية، وتم نقل جثمانه في جنازة مهيبة إلى رام الله حيث دفن، ليقام له صرح ضخم معروف باسم “حديقة البروة” أو متحف محمود درويش.
تلفزيون الخبر